دمشق – تكشف جميع المؤشرات أن روسيا غير مطمئنة للإدارة الأميركية الجديدة، في ظل الغموض الذي تبديه في عدد من الملفات لعل أهمها الملف السوري، ومن هذا المنطلق لا تريد موسكو أن تترك أي ثغرة يمكن أن تعيد واشنطن في قادم الأيام إلى صدارة المشهد هناك.
وبدا واضحا أن روسيا تسارع اليوم الخطى وفي أكثر من اتجاه لتنفيذ رؤيتها للحل في هذا البلد، الذي يشهد صراعا منذ نحو ست سنوات وخلف مئات الآلاف من القتلى فضلا عن الملايين من المهجرين.
ويرى مراقبون ومعارضون سوريون أن تصريح مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا حول إمكانية تشكيله وفدا يمثل المعارضة السورية في مفاوضات جنيف المرتقبة، جاء نتيجة ضغوط روسية.
ومعلوم أن روسيا تعارض بشكل كبير أن تكون الهيئة العليا للمفاوضات، التي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرا لها، الممثل الوحيد للمعارضة في محادثات جنيف المقررة في العشرين من الشهر الجاري.
وتريد موسكو أن يشمل الوفد الأطراف المعارضة المقربة لها ومنها ما تسمى بمعارضة الداخل ومؤتمر القاهرة.
ومحادثات جنيف هي الحجر الأساس الذي يعول عليه الروس لإيجاد تسوية سياسية تتوافق ورؤيتهم للحل في سوريا.
وكان اجتماع سابق نظم في أستانة العاصمة الكازاخستانية في 23 و24 يناير الماضي، ضم وفدا من الفصائل المسلحة السورية واقتصر على البحث في المسائل العسكرية كتثبيت وقف إطلاق النار.
وسعى الروس، من خلال ذلك المؤتمر إلى تمرير مسودة دستور جديد لسوريا لاقت ضجة كبيرة لدى أطراف المعارضة و بخاصة الهيئة العليا للمفاوضات، التي اتهمت موسكو بالسعي لاستغلال منبر أستانة لتمرير رؤيتها للحل.
وقد رفضت الهيئة مؤخرا قبول دعوة وزير الخارجية سيرجي لافروف للاجتماع في موسكو لبحث مسألة المشاركة في جنيف، الأمر الذي قد أجج على ما يبدو رغبة روسيا في إقصاء الهيئة من المحادثات المرتقبة أو على الأقل تحجيم دورها، باعتبار أنها تدور في فلك غير فلكها.
ووصفت الهيئة العليا للمفاوضات، الأربعاء، تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا حول إمكانية تشكيله وفدا يمثل المعارضة في مفاوضات جنيف بأنه “غير مقبول”، مؤكدة أن هذا “ليس من اختصاصه”.
سالم المسلط: هل يستطيع دي ميستورا التدخل في تشكيل وفد النظام؟
وقال المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في تغريدة على “تويتر” إن “تحديد وفد المعارضة السورية ليس من اختصاص دي ميستورا”. وأضاف “أهم ما يجب أن ينشغل به الموفد الأممي هو تحديد أجندة للمفاوضات وفق بيان جنيف”.
وعقب اجتماع مع مجلس الأمن الدولي، حذر دي ميستورا من أن “في حال لم تكن المعارضة جاهزة للمشاركة بموقف موحد بحلول الثامن من فبراير، فسأقوم (…) بتحديد الوفد لجعله شاملا قدر الإمكان”.
وأبلغ دي ميستورا مجلس الأمن، بحسب دبلوماسيين، أن الدعوات إلى مفاوضات جنيف ستوجه في الثامن من الشهر الحالي.
ومن جهته، اعتبر المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط في بيان أن تصريح دي ميستورا “اعتزامه تشكيل وفد المعارضة بنفسه أمر غير مقبول”.
وتساءل المسلط “هل يستطيع دي ميستورا التدخل في تشكيل وفد النظام؟”.
كما رأى المتحدث أن التأجيل الذي حصل للمفاوضات “ليس من مصلحة الشعب السوري”، مشيرا إلى أن قرار التأجيل جاء “تلبية لطلب حلفاء النظام” وليس لعدم جاهزية ممثلي الوفد المعارض.
وجدير بالذكر أن دي ميستورا كان قد أعلن إرجاء المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة إلى 20 فبراير، بعدما كانت مقررة في الثامن منه بذريعة منح المعارضة المزيد من الوقت للاستعداد.
وجاء هذا الإعلان بعد أيام قليلة من نفيه قرار التأجيل، في رد على الكرملين حينما خرج آنذلك المتحدث باسمه لإعلان إرجاء المحادثات إلى العشرين من هذا الشهر. ما يؤكد وجود ضغوط على دي ميستورا من قبل الطرف الروسي.
الحراك الروسي في الملف السوري اتخذ أشكالا متعددة، في الفترة الأخيرة، حيث سعى بالأمس وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لاستثمار منصة المنتدى العربي الروسي في أبوظبي لتوجيه عدة رسائل ودعوات منها ضرورة عودة الحكومة السورية إلى جامعة الدول العربية.
وقال لافروف “حقيقة أن الحكومة السورية، وهي عضو شرعي بالأمم المتحدة، لا يمكن أن تشارك في مناقشات الجامعة العربية، لا تساعد جهودنا المشتركة. أعتقد أن الجامعة العربية كان يمكن أن تلعب دورا أكثر أهمية إذا كانت الحكومة السورية جزءا من هذه المنظمة”.
وجرى تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية في نوفمبر 2011.
وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط إن عودة سوريا إلى الجامعة تعتمد على موافقة الدول الأعضاء. وأضاف أن عودة سوريا إلى الجامعة ليست مدرجة على جدول الأعمال حاليا ومن غير المتوقع مناقشتها في ظل عدم اكتمال التسوية السياسية.
ويعكس تحرك موسكو، مؤخرا، في أكثر من اتجاه، وارتباكها الحاصل حيال قرار دونالد ترامب بإقامة مناطق آمنة في سوريا، حقيقة وجود مخاوف روسية مما في جعبة الساكن الجديد في البيت الأبيض.
وقال لافروف، الأربعاء، إن على إدارة ترامب أن توضح مقترحها المتعلق بإقامة مناطق آمنة في سوريا، وذلك حتى لا تُكرر محاولة فاشلة سابقة في ليبيا عام 2011.
وكان لافروف قد أعلن، الثلاثاء، عن موافقة بلاده على المناطق الآمنة شريطة التنسيق مع النظام السوري.
العرب اللندنية