في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي،بدأ الملك عبدالله الثاني زيارته الأولى في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ التقى بمحموعة من المسؤولين الأمريكيين في تلك الإدارة ومنهم مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي، واجتمع أيضا بوزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون. كما التقى الملك عبدالله الثاني مع قيادات مجلس الشيوخ ورؤساء وأعضاء لجنة المخصصات ولجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، ورؤساء وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية ولجنة الخدمات العسكرية، ولجنة المخصصات الفرعية للعمليات الخارجية في مجلس النواب.
وشدد ملك عبدالله الثاني في لقاءات مع المسؤولين الأميركيين، وفق وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا ومحاربة الإرهاب، كونه يشكل الحل الأمثل لحماية الأشقاء السوريين وتوفير الأمان لهم في مختلف أنحاء ومناطق سوريا، مؤكدا أهمية وحدة واستقرار سوريا والعراق وضرورة العمل على وضع حلول سياسية تجمع مختلف الأطياف.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد الملك عبدالله الثاني أن المضي قدما في قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس سيكون له تبعات في منطقتنا تقوض فرص تحقيق السلام وحل الدولتين، وتضعف فرص نجاح الحرب ضد الإرهاب.وقال أنه سيكون لأي قرار متعلق بنقل السفارة آثار سلبية في جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصا في ظل ما للمدينة المقدسة من أهمية لدى الشعوب العربية والإسلامية، مؤكدا أن مثل هذا القرار سيغذي اليأس والغضب لديها، وسيمكّن المتطرفين من نشر أفكارهم وأجنداتهم الظلامية. كما أكد الملك عبدالله الثاني، في هذا الصدد، أنه لا يوجد بديل عن حل الدولتين الذي يضمن تحقيق العدالة والحرية والاستقرار، مشددا على أهمية عدم اتخاذ إجراءات تقوض فرص استئناف العملية السلمية.
وفي 2شباط/فبراير الحالي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اجتمع، مع الملك عبدالله الثاني على هامش فعاليات “فطور الصلاة” السنوي في واشنطن. ولم يكشف البيت الأبيض أي تفاصيل عن مضمون الحوار بين الزعيمين. وبذلك يُعد الملك الأردني عبد الله الثاني أول قائد عربي يلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب. فهذا اللقاء يأتي في سياق البدء في إعادة بناء استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط هو نتيجة للدور الفريد للمملكة في الموازنة بين اللاعبين الأساسيين في المنطقة. فالأردن هي الدولة العربية الثانية بعد مصر، التي وقعت اتفاق سلام مع اسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، ولديها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، وتقوم بدورا نشيطا في عهد الملك عبدالله الثاني في تسوية القضايا الإقليمية والنزاعات في العالم العربي. لذا يعكس لقائهما، رهان الإدارة الأميركية الجديدة على دور متقدم للأردن في استراتيجيتها بمنطقة الشرق الأوسط. فإذا كانت المملكة المتحدة هي حليفة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الأوروبي، فإن المملكة الأردنية الهاشمية في عهد الملك عبدالله الثاني حليف الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العربي، فالرئيس الأمريكي ترمب لم يجري اتصالا هاتفيا مع الملك عبدالله الثاني -كما فعل مع قادة دول أخرى- إنما فضّل اللقاء بالملك ، للاستماع إلى رؤيته السياسية الثاقبة في حل المشكلات العالقة في الشرق الاوسط.
وعلى صعيد آخر، تأتي زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن مباشرة بعد انتهاء زيارته إلى موسكو يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، حيث أشار الملك إلى “الدور المحوري لروسيا” في السياسة العالمية عامة وفي الشرق الأوسط خاصة. ومعلوم أن السياسة التي خطها الملك عبدالله الثاني والتي تتسم بالكثير من المرونة والعقلانية، فضلا عن موقعها الجغراسياسي، تجعل من المملكة في عهد الملك عبدالله الثاني محور اهتمام ودعم الطرفين.
لذا تعد زيارة الملك عبدالله الثاني الراهنة للعاصمة الاميركية واشنطن فرصة أمام الدبلوماسية الاردنية لاعادة التأكيد على مواقف الاردن الثابتة والمعلنة في ضرورة التعاون لحل مشكلات المنطقة وأزماتها خصوصاً القضية الفلسطينية والازمة السورية، لاحباط المخططات الارهابية الساعية الى تصدير حربها ضد البشرية واظهارها على انها حرب بين المسلمين والغرب، ما يعني وبالضرورة عدم اتخاذ اي اجراءات قد يستغلها الارهابيون لتكريس حالة الغضب والاحباط واليأس التي تُشكل بيئة خصبة لنشر خطابهم وأفكارهم الظلامية.
وعليه يدرك الملك عبدالله الثاني أن زيارته لواشنطن هذه المرة مختلفة من حيث المرحلة بشكلها ومضمونها وتحدياتها وقضاياها، وهو ادرى بحقائقها وتفاصيلها بعد هذا المخزون من الجهد المتواصل، والمسيرة التى بلغت 18 عاما كاملة من الزمن، الغنية بالخبرة التراكمية ، والمتميزة بالحنكة السياسية والعقلانية والحكمة، والتي مكنت الأردن من اجتياز مراحل تاريخية مزدحمة بالتحديات الصعبة الشائكة.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية