وفقاً للتقارير الإعلامية الأخيرة، أجرت إيران اختباراً على أسلحة يتم تجربتها في 29 كانون الثاني/يناير، شملت إما صاروخاً باليستياً ذو قدرة نووية، أو صاروخاً انسيابياً للهجمات البرية، أو ربما كلاهما. وكبديل لذلك، وفي ضوء التصريحات والاستعدادات الإيرانية المسبقة، يُحتمَل أيضاً أن تكون هذه العملية محاولةً لإطلاق قمر اصطناعي ذهب في الإتجاه الخاطئ. وأياً كان الأمر، وصفت إدارة ترامب الحادث بأنه خطوة مزعزعة للاستقرار، و”لفتت انتباه” طهران لهذا الإطلاق، وأعلنت فرض عقوبات جديدة تستهدف “عدة كيانات وأفراد متورطين بشراء التكنولوجيا و/أو مواد لدعم برنامج إيران الصاروخي الباليستي”.
ومن المهم تحليل الأنظمة التي تم اختبارها لأنها قد تعطي معلومات قيمة حول قدرات إيران ونواياها، في الحاضر والمستقبل على السواء. وعلى وجه الخصوص، إن ذلك يمكن أن يساعد المجتمع الدولي على تقييم إدعاء طهران بأن برنامجها الصاروخي هو ذات طابع دفاعي بحت.
سيناريوهات باليستية وانسيابية
نقلاً عن مسؤولين أمريكيين لم يُكشف عن اسمهم، أشارت وكالة “رويترز” في 30 كانون الثاني/ يناير إلى أن إيران اختبرت بهدوء صاروخاً باليستياً من منطقة التجارب “سمنان” في اليوم السابق. ويُزعَم أنّ تعقّب الأقمار الصناعية قد أظهر الصاروخ وهو يقطع مسافة1,013 كلم (630 ميل) قبل انتهاء رحلته، الفاشلة على ما يبدو. وفي حين ما زالت طبيعة الإطلاق قيد التحقيق من قبل المخابرات الأمريكية، إلا أن بعض التقارير قد أشارت بأنه كان صاروخ “خرمشهر” الذي تحدث عنه المسؤولون الايرانيون للمرة الأولى من على الملأ منذ بضعة أشهر.
وفي أيلول/سبتمبر، أعلن وزير الدفاع حسين دهقان أن إيران ستبدأ بإنتاج صاروخَيْ “خرمشهر” و”سجيل” «البعيدَيْ المدى» في غضون ستة أشهر. وفي حين تم اختبار “سجيل” للمرة الأولى منذ أكثر من ثماني سنوات، في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، إلا أن صاروخ “خرمشهر” الذي تم الإعلان عنه حديثاً لم يتم بعد عرضه على العلن. وقد يكون تصميماً جديداً تماماً، ولكن على الأرجح أن يكون نسخةً معدَّلة قليلاً من نموذج قائم كصاروخ “عماد”، وهو نفسه نسخة معدلة من “شهاب 3”. ويقال إن جميع هذه الصواريخ هي ذات مدى يتراوح بين1,300 و2,200 كلم، مع حمولات متفجرة تزيد عن 700 كلغ. وفي 30 كانون الثاني/يناير، أشار مسؤول من “مجلس الأمن القومي الأمريكي” أن المنظومة التي تم إطلاقها يوم الأحد هي صاروخ باليستي من نوع “شهاب”.
بيد، وفقاً لمصادر استخباراتية ألمانية مجهولة مقتبسة من قبل صحيفة “دي فيلت”، تم اختبار صاروخ “سومار” الانسيابي للهجمات البرية إلى مدى يصل إلى 600 كم (373 ميلاً) – ومن غير الواضح إذا تم اختباره بدلاً من صاروخ باليستي من نوع “شهاب” أو بالإضافة إليه. وأعلنت إيران للمرة الأولى بأنها بدأت بإنتاج “سومار” في 8 آذار/مارس 2015، لاستخدامه مع منصات إطلاق برية وجوية وبحرية. وكجزءٍ من ذلك الإعلان، عُرِضت عدة صواريخ مكتملة (لكنّ واحداً منها فقط كان مجهزاً بمعزز إطلاق)، بالإضافة إلى شريط مصور عن إطلاق تجريبي من منصة محمولة على شاحنة. ولم تذكر أي مصادر استخباراتية غربية اختبار صاروخ انسيابي إيراني في ذلك الوقت. وكانت الأسلحة المعروضة تشبه إلى حد كبير تصميم صاروخ “Kh-55” الانسيابي الروسي التصميم، والذي حصلت عليه إيران سراً من أوكرانيا في عام 2001 وفقاً لبعض التقارير؛ وربما تحاول أيضاً أن تقوم بالهندسة العكسية للصاروخ بالتعاون مع كوريا الشمالية.
وعلى كل حال، إن التصميم الأصلي لـ “Kh-55” يمكن أن يصل إلى مدى 2,500 كلم (1,550 ميل) بسرعة 0.7 ماخ، ويحمل إما رأساً حربياً تقليدياً وزنه 410 كلغ أو رأساً حربياً نووياً وزنه 250 كيلوطناً. وعلى الرغم من أنه تصميم قديم، فما زال بإمكانه أن يشكل مصدر خطر مرتفع على النقل البحري في الخليج العربي/الفارسي، وخليج عمان، وبحر العرب الشمالي إذا أُطلق من مناطق إيران الساحلية. كما قد يهدد أهدافاً برية ضمن مداه، حتّى أنه قد يُنشَر على غواصات إيرانية معدّلة أو مستقبلية. وعلى الرغم من أن هذه القدرة الأخيرة تبدو نظرية فقط في هذه المرحلة، إلا أنها قد تسمح لإيران بردع دول إقليمية تتمتع بقدرات مماثلة مثل إسرائيل.
وخلال التسعينات، استخدمت روسيا صاروخ “Kh-65SE“، وهو نموذج ذو مدى أقصر يقارب 600 كلم. وكانت هذه المنظومة، التي تراعي “معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى”، صاروخاً تكتيكياً يُطلَق من الجو، وموجهاً بالرادار، مضاداً للسفن وينزلق على سطح البحر، لكن كان ينقصه معزز. ويقيناً، أن نماذج “سومار” التي عرضتها إيران في الماضي، لم تبدُ أنها مبنية على هذا النموذج، وأشارت بعض التقارير إلى أن الإطلاق الذي جرى يوم الأحد قد تجاوز مداه. ولكن حتى لو كانت مسافة 600 كلم هي المدى الأقصى الذي حققه الإيرانيون خلال تطوير الصواريخ الانسيابية، فما زالت هذه المسافة هي ضعف المدى الذي بلغته صواريخهم الأخرى المضادة للسفن. بالإضافة إلى ذلك، باستطاعتهم نظرياً جمع “سومار” الذي يبلغ وزنه 1,200 كلغ بطائرتهم الهجومية البعيدة المدى “Sukhoi Su-24MK“، مما يمنحهم قدرة على ضرب الأهداف البحرية أو البرية في أي مكان في الشرق الأوسط أو بحر العرب (فلطائرة “Su-24” مدى قتالي منخفض الارتفاع وغير مزود بوقود إضافي ضمن نصف قطر يبلغ 615 كلم مع حمولة قدرها 3,000 كلغ). وفي حين ستكون أي قدرة تابعة لتضاريس الأرض قد يملكها التصميم الإيراني غير مجدية فوق المياه، إلا أنها ربما لا تزال قادرة على المساعدة في ملاحة الطرق فوق البيئات الحضرية أو الغنية بميزاتها على طول الساحل الجنوبي للخليج.
وبالنسبة إلى التداعيات القانونية الدولية المترتبة عن عملية الإطلاق التي جرت يوم الأحد، فقد تعتمد على نوع الصاروخ الذي تم اختباره. وكان قرار “مجلس الأمن الدولي رقم 2231” قد دعا إيران إلى تجنب أي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية، ولكن دون أن يحظر صراحة مثل هذه الجهود. ومع ذلك، ربما تقرر إدارة ترامب أن هذه اللغة تناسب أي تصميم صاروخي قادر على حمل الأسلحة النووية – وهذه فئة تشمل الصواريخ الانسيابية المبنية على مجموعة “Kh-55” الروسية.
هل كانت محاولة فاشلة لإطلاق قمر اصطناعي؟
هناك احتمال بعيد بأن [الاختبار التجريبي] الذي جرى يوم الأحد كان محاولة لإطلاق قمر صناعي لإحياء ما يسمى باحتفالات عشرة “الفجر” التي هي ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران. وخلال مقابلة تلفزيونية في 26 كانون الثاني/يناير، أشار نائب الرئيس الإيراني لشؤون العلم والتكنولوجيات سورنه ستاري إلى نية إيران إجراء محاولة أو محاولتين لإطلاق قمر صناعي قبل نهاية السنة الفارسية الحالية (21 آذار/مارس). ولإيران تاريخ [طويل] من عمليات إطلاق كهذه خلال هذه الاحتفالات الرسمية – وفي الواقع، جرت ثلاثة من أصل أربعة من إطلاقاتها المدارية الناجحة خلال نفس التواريخ تقريباً: 3 شباط/فبراير (في عامي 2009 و 2012) و2 شباط/فبراير (في عام 2015).
ووفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية، كان من المتوقع أيضاً أن يُطلق النظام أثقل قمر اصطناعي يملكه قبل بداية السنة الفارسية الجديدة – وهو “تولو-1” الذي يعمل بالاستشعار عن بُعد ويبلغ وزنه 100 كلغ. وكان من المفترض رفع القمر إلى المدار الأرضي المنخفض على علو 500 كلم باستخدام مركبة الإطلاق الفضائية “سيمرغ”، وأشارت تقارير منفصلة أن إطلاق صاروخ “سيمرغ” كان وشيكاً. وبالإضافة إلى ذلك، تدّعي طهران أنها تلقت مساعدة روسية لمواصلة تطوير برنامجها الفضائي، وأنها تجري مفاوضات مع موسكو لشراء قمر صناعي للاتصالات بعد عدة محاولات فاشلة مع فرنسا.
وقد وسّعت إيران أيضاً مؤخراً “مركز الإمام الخميني للفضاء” بالقرب من “سمنان”، بمساعدة كوريا الشمالية على ما يبدو، بهدف إطلاق قذائف أكبر مثل “سيمرغ”. بيد، إن التأجيلات المتكررة قد جعلت الخبراء الدوليين يشكون بأنها تواجه صعوبات فنية مع ذلك التصميم القائم على مرحلتين. ووفقاً لمختلف المحللين، ربما كانت إيران قد أطلقت صاروخها الأول من نوع “سيمرغ” في نيسان/أبريل عام 2016، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت رحلته ناجحة. وإذا كانت عملية الإطلاق يوم الأحد تجربةً فشلت فيها مركبة “سيمرغ” في حمل قمرٍ اصطناعي، فقد يشكل ذلك ضربة كبيرة بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية عشية الذكرى السنوية لثورتها، وبالتالي سبباً للسرية المحيطة بعملية الإطلاق.
التداعيات السياسية
مهما اتضح من [الاختبار] الصاروخي في 29 كانون الثاني/يناير، لا شك أنه خطوة غير مساعدة في وقتٍ تحاول فيه الإدارة الأمريكية الجديدة صياغة سياستها تجاه برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها الإقليمية الأوسع. ومنذ تنفيذ الاتفاق النووي، سعت حكومة روحاني إلى الحد من ردود الفعل الدولية العنيفة ضد طهران من خلال تقليص التجارب الصاروخية والمناورات العسكرية الرفيعة المستوى. بيد، كانت هذه المقاربة موضع انتقادات قاسية من قبل «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ومتشددين آخرين ومارس هؤلاء أنواعاً مختلفة من الاستفزازات. وفي أعقاب [الاختبار التجريبي] يوم الأحد، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف موقف ايران السابق بأن تجاربها الصاروخية الباليستية تشمل أنظمة التوصيل المسلحة التقليدية التي هي ذات طابع دفاعي بحت، وبالتالي فهي شرعية بموجب التزاماتها الدولية القائمة. إلا أنه لم يناقش [أي] تفاصيل عن عملية الإطلاق.
وفي المرحلة القادمة، ما زال أمام إيران فرصة لكي تثبت للإدارة الأمريكية الجديدة وبقية دول العالم أنها تريد أن تكون جزءاً لا يتجزأ من شرقٍ أوسط هادئ تراجعت فيه حدة الاضطرابات. بيد، إن ذلك يعني الامتناع عن الخطوات المثيرة للجدل التي تُجرى علناً أو سراً – وهو نهج قد يكون من المستحيل الالتزام به بسبب ضغط المتشددين. وقد يؤدي نقص آليات التطبيق في الأجزاء المتعلقة بالصواريخ من “قرار مجلس الأمن رقم 2231” إلى تعقيد جهود واشنطن للرد على مثل هذه الأفعال، سواء من حيث تنفيذ العقوبات الأمريكية الأخيرة المفروضة على الصواريخ أو تطبيق تدابير أخرى.
إن المجتمع الدولي قلق أيضاً من إمكانية استخدام إيران للدراية التي تكسبها من برنامج إطلاق فضائي لتطوير صواريخ باليستية أبعد مدى وأكثر دقة قادرة على بلوغ أهداف خارج نطاق منطقة الشرق الأوسط. وحتى الآن، يشير اعتماد إيران الظاهر على التصنيع الروسي، أو الصيني، أو الكوري الشمالي والتصاميم الأقدم إلى البطء في تحقيق مثل هذه القدرات في المستقبل. وحتى مع ذلك، يسير برنامجها الفضائي الخاضع للسيطرة العسكرية على حقل ألغام سياسي وتكنولوجي في الداخل والخارج [على السواء]. ومن أجل التخفيف من حدة هذه المخاوف، ستكون إيران بحاجة إلى إنشاء برنامج فضائي أكثر شفافية – وليس أكثر سرية – تحت سيطرة مدنية كاملة.
فرزين نديمي
معهد واشنطن