مقاول إيراني يحمل الجنسية الأميركية خرج على الإعلام باكيا في مطار نيويورك، تمّ اعتقاله مع أخيه لأجل التدقيق الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب على المسافرين القادمين من سبع دول إسلامية في مقدمتها إيران. يقول المهاجر الإيراني إنه لا ذنب له في سياسة بلاده الأصلية، وعمله هو بناء البيوت، ويحمل الجنسية الأميركية منذ 15 سنة، وقد هرب من الفقر والتطرف الديني في إيران. لقد فضح هذا المشهد بؤس الدولة الإيرانية التي ترفع شعار “الموت لأميركا” بينما طموح مواطنيها اللجوء إلى الولايات المتحدة.
هذه المشاهد صدمت شيعة العراق خصوصا، الذين اكتشفوا أنهم يعيشون الوهم الإمبراطوري الإيراني. لم تعد عندهم رغبة في غسل أقدام الزوار الإيرانيين كما فعلوا في الموسم الماضي. إن ما أطلق عليه كاتب عراقي مرة “الزهو الشيعي” يتعرض لهزة أرضية اسمها دونالد ترامب.
كان برميل البترول بـ12 دولارا في زمن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وأميركا دولة حليفة للعراق. وميزانية العراق وصلت إلى 150 مليار دولار. غير أن الإسلام السياسي كان مهتما بالتحالف مع إيران، والزيارات المليونية، والنواح بلا سبب. الحقيقة هذا وقت “اللطم” الحقيقي بعد صعود الرئيس ترامب. الآن يحتاج الزائر الإيراني إلى مَن يغسل قدميه في العراق ويتبرك به، بعد منعه من زيارة الولايات المتحدة.
واشنطن تفرض عقوبات على 25 كيانا إيرانيا اعتبارا من الجمعة الماضي، ومنع حوالي مليون إيراني في أميركا من التنقل بحرية خصوصا إلى زيارة بلادهم، أو تحويل المال إليها، أو التجارة وبناء المشاريع والعقارات التي تستقطب العملة الصعبة. هذا حصار اقتصادي وعلمي ضخم. ورغم قساوة هذه الإجراءات فإنها تعتبر مجرد “خطوة أولية” في نظر البيت الأبيض.
السؤال هو لو حدثت مواجهة عسكرية هل يتفرج شيعة العراق على ضرب إيران؟ بوجود ثلاث ميليشيات ضخمة تابعة لإيران شخصها الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، وبوجود أحزاب سياسية شيعية تابعة لإيران يعتبر هذا الانضباط مستحيلا. وإذا تدخلوا سيتم اقتلاعهم من السلطة. ليس عندهم قدرة الدول العربية المركزية التي تتحكم بالنفس ولا تتخذ قرارات ثورية مهما حدث.
دكتاتور قومي
لا ذكر لداعش في الإعلام الأميركي هذه الأيام، ولا توجد تصريحات مسؤولين في هذا الصدد، ولا حتى نقاشات في الإعلام عن داعش. الموضوع انقلب إلى إيران. تحرير الجانب الأيمن من الموصل تجرد سلفا من كونه نصرا شيعيا بسبب تهديد الرئيس ترامب لإيران. انتهى معنى النصر العقائدي، وبقي مجرد جنود يقومون بواجباتهم ويتلقون رواتبهم.
إعادة التوازن إلى العراق ربما ستكون من خلال حاكم سياسي قومي في بغداد، ومرجع روحي معتدل في النجف. هذا سيكون نصرا عربيا كبيرا على إيران لو تحقق
يقول ترامب لا يهمني إذا كان الأسد دكتاتورا، وقال إنه يحب صدام حسين لأنه كان الرجل المناسب لقمع الإرهاب والقاعدة وعملاء إيران. وهذا يوحي برغبته في تنصيب دكتاتور سني قومي عراقي، للحد من الإرهاب والتدخلات الإيرانية.
في جلسة استجواب مهمة، قال الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس مؤخرا “هناك شيء واحد يساعد العراق بصورة كبيرة؛ وهو سيطرة الحكومة المركزية على توزيع عائدات النفط ما يعيد الجميع إلى المركز. والسنة لم تعد لديهم مصادر طاقة كبيرة بعد تغير السيطرة على حقول الشمال، وعليهم العودة إلى بغداد للاستفادة من حقول النفط الهائلة لدى الشيعة”، بمعنى أن هناك أفكارا صحيحة متراكمة تحتاج إلى جرأة للرئيس ترامب.
منذ أسبوعين فقط كان المصلون في طهران يهتفون بالموت لأميركا بينما بلادهم توقع اتفاقا قيمته 16.6 مليار دولار مع شركة بوينغ. اليوم في حكومة ترامب الأمور تغيرت ومثل هذه الشعارات قد تكون لها عواقب وخيمة.
تبدو السياسة الإيرانية حذرة جدا ومتخوفة من المستقبل، ففي زيارته الخميس الماضي لقبور الشهداء لم يلق المرشد الأعلى علي خامنئي خطابه المعتاد. وحافظ على هدوء غير معتاد في مثل هذه المناسبات. إن المواجهة الحالية تهدد مستقبل الرئيس روحاني، فهو صاحب مشروع التقارب مع الغرب، ورفع العقوبات، والاتفاق النووي. ومن الواضح أن الرئيس الإيراني القادم سيكون نسخة متشددة من نوع أحمدي نجاد لقيادة المواجهة السياسية.
الولايات المتحدة نشرت مدمرة تابعة للبحرية قبالة اليمن لحماية الممرات المائية من المسلحين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، وسط تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران. مايكل فلن، مستشار الأمن القومي الأميركي، قال إن المشكلة تتجاوز تجربة إطلاق صاروخ باليستي إيراني. ونبه إلى أن استهداف سفينة حربية سعودية بصاروخ إيراني من قبل الحوثيين في البحر الأحمر يعتبر جزءا من الحرب بالوكالة التي تقودها إيران في المنطقة عموما سواء في اليمن أو لبنان أو العراق “إن إدارة الرئيس ترامب تستنكر أفعال إيران التي تهدد الأمن والرفاه والاستقرار في الشرق الأوسط وتعرض حياة الأميركيين للخطر”.
من جانبه صرح علي أكبر ولايتي أن إيران ستستمر في تجاربها الصاروخية. الرئيس روحاني وصف ترامب بالسياسي الساذج والمبتدئ. وقال أمين عام تشخيص مصلحة النظام الإيراني السيد محسن رضائي “ترامب غرد على تويتر بأنه أنذر إيران. لقد وجه من هو أكبر وأضخم منك إنذارا لإيران لكنه لم يستطع فعل شيء. كن حذرا حتى لا يجرك الملك سلمان ونتنياهو إلى التهلكة. أيها السيد ترامب فكر مليا”.
الولايات المتحدة نشرت مدمرة تابعة للبحرية قبالة اليمن لحماية الممرات المائية من المسلحين الحوثيين الذين تدعمهم إيران
غرد الرئيس ترامب على تويتر “إيران تستولي بشكل متسارع على العراق” الدولة المجاورة لها “بينما أميركا أنفقت 3 تريليونات دولار هناك” وهذا معناه أن المواجهة الأميركية مع إيران ستكون من خلال قطع أذرعها أولا، سواء في العراق أو اليمن ولبنان. العراق هو النقطة الأكثر أهمية في المشروع الإيراني لأنه دولة غنية وذات موقع استراتيجي وثقل روحي. إعادة التوازن إلى العراق ربما ستكون من خلال حاكم سياسي قومي في بغداد، ومرجع روحي معتدل في النجف. هذا سيكون نصرا عربيا كبيرا على إيران لو تحقق.
ماذا ينتظر إيران
تعرض الرئيس دونالد ترامب لسوء فهم من الجميع بسبب قراراته الغريبة مثل التضييق على المسافرين والمهاجرين من دول معينة، وهو أمر مؤقت مدته ثلاثة أشهر. المهم والذي يثير في الشرق الأوسط الأمل هو استعداد الإدارة الأميركية الجديدة لمواجهة إيران وكبح طموحها. إن ترامب لا يمنح المشروع الإيراني أي مكافأة على مكافحة الإرهاب، بل يعتبرها سببا مباشرا للإرهاب وعدم الاستقرار.
يعتقد ترامب أن العالم يقوم باستغلال الولايات المتحدة. وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط يعتقد أن دولا مثل إيران والعراق لا تقدّران الفرص الكبيرة التي قدمتها لهما أميركا، وتستمران في إنتاج التهديد وعدم الاستقرار. إيران مثلا حصلت من الرئيس أوباما على الاتفاق النووي الذي خفف العقوبات ومنح طهران 23 مليار دولار مباشرة ونقدا. ويعد الاتفاق بالإفراج عن 80 مليار دولار أخرى. كما ازدادت حصة إيران النفطية المصدرة بأكثر من مليون برميل يوميا، وخفف من التضخم والركود ورفع قيمة البورصة والتبادلات التجارية، والأهم فتح إيران كسوق واعدة للشركات الأوروبية ودول شرق آسيا. بالمقابل لم تغير إيران من سياستها الخارجية العدائية؛ لا تجاه الجوار العربي، ولا تجاه إسرائيل، واستمرت في دعم الميليشيات والحروب بالوكالة.
في القرن الثامن عشر ناصرت إسبانيا الهنود الحمر أو السكان الأصليين في أميركا اللاتينية (الأرجنتين والباراغواي والبرازيل). لكن ملك البرتغال تقاسم المقاطعات مع إسبانيا وأخذ البلاد الشاسعة التي ستسمى البرازيل. ولم تعجبه مسيحية المقاطعات التي قادتها الحملات الكاثوليكية. وقررت البرتغال حرق الكنائس عام 1750 وطرد المتوحشين إلى الغابات. أرادت البرتغال بناء مستوطنات للمهاجرين الأوروبيين، واستخدام السكان الأصليين في تجارة العبيد. لا تريد الولايات المتحدة اليوم الاستيطان أو استعباد الناس ولا حتى تنصيرهم أو الاستيلاء على ثرواتهم دون مقابل، بل تريد منهم فقط القبول والاعتراف بالقيم الغربية الحديثة التي من الواضح أنها تصطدم مع قيم الإسلام المتشدد.
ماذا ينتظر إيران؟ العقوبات وضرب مواقع عسكرية وحيوية تعتبرها الولايات المتحدة مصدر تهديد، ولكن المؤكد هو قطع أذرع إيران وخصوصا في العراق. ربما هناك تغيير سياسي وشيك. بغداد في حالة ترقب لشيء ما.
امتدح الرئيس ترامب عدة مرات سياسة الرئيس الأسبق رونالد ريغن لأنه يفقد خصومه توازنهم من خلال عنصر المفاجأة. هذا معناه بأن ترامب سيفاجئ خصومه، ولن يمنحهم الوقت الكافي لالتقاط أنفاسهم. ومنذ اليوم الأول للرئيس الجديد اكتشفنا أنه يفي عمليا بجميع وعوده الانتخابية. من بناء جدار مع المكسيك، إلى قيود على الهجرة، وحتى إجبار اليابان على الاستثمار في بلاده. لهذا لا أرى من الحكمة أن تتجاهل دول توعدها الرئيس وطالبها بالتغيير؛ توعد ترامب بملاحقة فساد السياسيين العراقيين، وربما يفتح ملفاتهم في حقوق الإنسان، التي قد تفضح ارتكاب بعضهم لجرائم حرب.
أسعد البصري
صحيفة العرب اللندنية