هل نحن عالقون فعلاً مع هذا الرئيس؟
إنه السؤال الذي يتم طرحه حول الكرة الأرضية، لأن الأسبوع الأول لدونالد ترامب كرئيس أوضح كل شيء: نعم إنه مجنون، كما خشي الجميع.
أتتذكرون تلك الخيالات المتفائلة التي سبقت التنصيب؟ لقد احترمتها أنا أيضاً. أتعرف؟: “بمجرد أن يصبح رئيساً، أنا متأكدة أنه سيدرك أن من غير العقلانية الانسحاب من كل تلك المعاهدات”. “متى ما صار رئيساً، من المؤكد أنه سيفهم أن عليه التوقف عن تغريد كل تلك الإهانات العشوائية”. “ما إن يصبح رئيساً، عليه أن ينحي جانباً كل ذلك التبجح السخيف الذي رافق حملته عن بناء سور على طول الحدود مع المكسيك”. وهكذا دواليك.
ولكن، كلا. في أول أسبوع له في البيت الأبيض أوضح مباشرة أنه كان يعني كل كلمة مجنونة مرعبة قالها.
النتيجة حتى الآن: رئيس الصين يحذر من حروب تجارية، ويعلن أن بكين ستتولى مهمة الدفاع عن العولمة والتجارة الحرة ضد الحمائية الأميركية. والرئيس المكسيكي يلغي زيارة رسمية لواشنطن، بينما يقول قادة مكسيكيون مرموقون أن سور ترامب المقترح قد يأخذنا إلى حرب -ليست تجارية”. ويدين قادة رفيعون في حزب ترامب الخاص إدعاءات الرئيس الجديد بأنه كان هناك زيف واسع النطاق في التصويت، ويشجبون خططه لإعادة فتح “المواقع السوداء” لوكالة المخابرات المركزية الأميركية. كما أن كل فريق الإدارة الرفيع في وزارة الخارجية الأميركية قدم استقالته.
في الأثناء، تسجل معدلات التأييد لترامب أقل من معدلات أي رئيس أميركي جديد في تاريخ استطلاعات الرأي العام: حيث يشعر 36 في المائة فقط من الأميركيين بالرضا عن أدائه حتى الآن. ويعتقد حوالي 80 في المائة من المواطنين البريطانيين بأن ترامب سيكون “رئيساً سيئاً”، سوية مع نسبة 77 في المائة من أولئك الذين استطلعت آراؤهم في فرنسا، و78 في المائة في ألمانيا. وكل ذلك في الأسبوع رقم واحد فقط.
وهكذا يكون السؤال: هل نحن عالقون فعلاً مع دونالد ترامب؟
الأمر يعتمد. فثمة أساساً أربعة طرق للتخلص من رئيس تافه. أولاً، بالطبع، يستطيع العالم الانتظار بصبر حتى تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2020 للقيام بشيء، وعند تلك النفطة، يفترض أن يعود الأميركيون إلى رشدهم ويكونون مستعدين للتخلص من الفاشل.
ولكن، بعد هذا الأسبوع الأول الكارثي، تبدو السنوات الأربع ردحاً طويلاً من الزمن. وهذه الحالة تجلبنا إلى الخيار الثاني: المقاضاة. وبموجب الدستور الأميركي، يجوز أن تصوت أغلبية بسيطة في مجلس النواب لصالح مقاضاة الرئيس بتهم “الخيانة، والرشوة أو أي جرائم أو جنح كبيرة أخرى”. وإذا جرمه مجلس الشيوخ بأغلبة ثلثي الأصوات، سيكون من الممكن إعفاء ترامب من الرئاسة -وثمة استطلاع جديد يقول أنه بعد الأسبوع الأول، فإن أكثر من ثلث الأميركيين يبدون أصلاً شغفاً برؤية ترامب وهو يواجه إقامة دعوى ضده.
إذا بدت لك المقاضاة حلاً جيداً، فالأخبار الجيدة تقول إن الكونغرس لا يحتاج إلى دليل على ارتكاب خيانة حقيقية أو جريمة للمضي قدماً في المقاضاة. وعملياً، يمكن اعتبار أي شيء “جريمة كبيرة أو جنحة.” (فلنتذكر أن الرئيس السابق بيل كلينتون أدين لكذبه فيما يتعلق بعلاقته الغرامية مع مونيكا لوينسكي). أما الأخبار السيئة، فهي أن الجمهوريين يسيطرون على مجلسي الكونغرس، مما لا يرجح توجيه تهم من الناحية السياسية، ما لم وحتى يستعيد الديمقراطيون السيطرة على مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، ولا يمكن لذلك أن يتم قبل انتخابات العام 2018.
على أي حال، يمكن أن يستغرق أمر الإقالة بهذه الطريقة بعض الوقت: شهوراً إن لم يكن أكثر -حتى بوجود كونغرس متحمس. وعندما يكون لديك معتوه يتحكم في الرموز النووية، فحتى بضعة أشهر تبدو وقتاً طويلاً محفوفاً بالمخاطر. فكم سيستغرق الأمر قبل أن يقرر ترامب: “أنت مُسرَّح”، وهي عبارة يمكن أن تنطبق أيضاً على الصواريخ النووية؟ (الموجهة، ربما، إلى المكسيك)؟
في هذه الأيام السوداء يجد البعض في أنحاء المعمورة سلوى في التعديل 25 للدستور الأميركي. وينص هذا التعديل الذي كان غامضاً سابقاً على أنه “يستطيع نائب الرئيس وأغلبية من… المسؤولين الرئيسيين في الإدارات التنفيذية” إعلان أن الرئيس “عاجز عن القيام بصلاحيات وواجبات منصبه”. وفي هذه الحالة “يتولى نائب الرئيس في الحال صلاحيات ومهام الرئيس كرئيس مؤقت”.
هذا هو الخيار الثالث للتخلص من ترامب: وهو شيء يلبي طموحات نائب الرئيس مايك بنس. فمن المؤكد أن بنس يريد أن يكون رئيساً يوماً ما، صحيح؟ وبنس ليس معتدلاً سياسياً بالضبط -فهو معادٍ شرس لحقوق المثليين، وهو مشكك في تغير المناخ، إلخ- ولكن، وبقدر ما قد تكون سياساته غير مقبولة للعديد من الأميركيين، فإنه لا يبدو مجنوناً في الحقيقة. (هذه هي العتبة الجديدة للقبول في السياسة الأميركية: “ليس مجنوناً حقا”).
من المفترض أن يكون بنس راشداً بما فيه الكفاية لمعارضة أي أعمال متهورة، مثل إلغاء كل التحالفات العسكرية الأميركية، أو استخدام أميركا أولاً للأسلحة النووية. وكما يفترض، إذا ذهبت الأمور إلى ما يكفي من السوء، فإن الأعضاء الآخرين في مجلس وزراء ترامب قد ربما يجنحون أيضاً نحو طرد رئيسهم واستبداله بنائبه. وسيترتب على الكونغرس أن يذعن لإزالة دائمة للتعديل 25. ولكن، إذا أعلن بنس ونصف أعضاء المجلس الوزاري أن ترامب غير مناسب، فحتى الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون سيوافق على الأرجح.
أما الاحتمال الرابع، فهو واحد كنت أقول حتى وقت قريب أنه غير وارد في الولايات المتحدة الأميركية: انقلاب عسكري، أو على الأقل رفض القادة العسكريين إطاعة أوامر معينة.
تم ترسيخ مبدأ السيطرة المدنية على الجيش بشكل عميق في الجيش الأميركي الذي يفخر بحرفيته غير الحزبية. والأكثر من ذلك، هو أننا نعرف أن باستطاعة مخالف للقانون من رتبة كبيرة، والذي يتمتع حتى بقليل من حدة الذهن، أن يتمتع بمهارات وقدرات أكثر من أي شخص آخر في الجيش الرسمي. ويشار هنا إلى أنه خلال السنوات الأولى من إدارة جورج دبليو بوش، على سبيل المثال، لم تستطع الاحتجاجات الرسمية من جانب المحامين العسكريين الرفيعين في الغالب وقف استخدام التعذيب. وعندما اعترض القادة العسكريون على أساليب مثل الإيهام بالغرق، تجاوزت إدارة بوش الجيش ببساطة، وكلفت وكالة المخابرات المركزية ومقاولين خاصين بالقيام بالعمل القذر.
لكن ترامب ليس حاذقاً أو متطوراً: إنه يضع السياسة من خلال الصخب وتغريدات آخر الليل، وليس من خلال تلميحات هادئة للمساعدين والمحامين. وهو قليل الحساسية، وغريب الأطوار وغير منضبط -كما أن تصريحاته غير المتوقعة وأهواءه مطلقة العنان تثير الرعب في نفوس الآخرين -حتى – أقرب مساعديه.
ماذا قد يفعل كبار قادة الجيش الأميركي إذا صدر إليهم أمر يصدمهم، باعتبار أنه ليس سيء المشورة فحسب، وإنما ينطوي على المخاطر أيضاً؟ أمر ليس على طريقة: “أعدوا خطة لغزو العراق إذا فوض الكونغرس بذلك استناداً إلى استخبارات مشكوك فيها”، وإنما من قبيل “استعدو لغزو المكسيك غداً”! أو “باشروا باعتقال الأميركيين المسلمين وإرسالهم إلى غوانتانامو”! أو “سوف أعلم الصين درسا- بالقنابل النووية”!
من المستحيل تخمين ذلك بطبيعة الحال. وسيكون أمراً مخيفاً احتمال استجابة قادة الجيش الأميركي لأمر رئاسي بعصيان معلن -وعلى نفس القدر يكون احتمال الانصياع العسكري لأمر غير عقلاني. فبعد كل شيء، يقسم ضباط الجيش على حماية دستور الولايات المتحدة والدفاع عنه، وليس على حماية الرئيس. ولأول مرة في حياتي، استطيع تخيل سيناريوهات مقبولة، حيث يقول مسؤولون عسكريون كبار ببساطة للرئيس: “لا يا سيدي، لن نفعل ذلك”، ليتلقوا التصفيق المدوي من هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز.
هيئوا أنفسكم. بطريقة أو بأخرى، سوف تعيشون بعض السنوات العاصفة.
روزا بروكس
صحيفة الغد