كشف تدمير طيران التحالف العربي لطائرة دون طيران، إيرانية الصنع، في محيط مدينة المخا (غربي تعز)، في 28 يناير الماضي، عن استمرار النظام الإيراني في خرق قرارات الحظر الدولية المفروضة على توريد الأسلحة للمتمردين الحوثيين والاستمرار في سياسة العبث بأمن المنطقة.
وأعلن التحالف عن تدمير الطائرة الإيرانية بينما كان الحوثيون على وشك إطلاقها من منصة متحركة بهدف تصوير أماكن تمركز قوات التحالف العربي والجيش الوطني وإرسال إحداثيات يمكن استخدامها في توجيه صواريخ من نوع “زلزال”، وهي إيرانية الصنع أيضا.
وتشير العديد من الوقائع إلى ارتفاع وتيرة تهريب الأسلحة النوعية الإيرانية للحوثيين، حيث تم ضبط الكثير من شحنات السلاح قبل وصولها إلى الحوثيين بحرا وبرا. ومن بين الأسلحة التي دأبت إيران على إرسالها لجماعة أنصارالله صواريخ حرارية وقطع غيار للصواريخ الباليستية، إضافة إلى طائرات من دون طيار تستخدم في أعمال التصوير والاستطلاع.
وفي السابع من ديسمبر 2016، أعلنت قوات الجيش اليمني عن إسقاط طائرة تجسس تابعة للحوثيين في جبهة ميدي على الحدود مع السعودية. وبعد ذلك بأيام عرض مسؤول عسكري رفيع في الجيش اليمني ما قال إنها شحنة سلاح إيرانية تم ضبطها في مأرب، كانت متجهة للحوثيين واحتوت على طائرات استطلاع إيرانية دون طيار. وقالت مصادر عسكرية إنها واحدة بين عدة شحنات مشابهة تم ضبطها ولم يعلن عنها.
في البداية كانت جيهان
بدأ التدخل الإيراني في اليمن منذ وقت مبكر من خلال التأثير الفكري وبناء نواة لمشروع يستند إلى أفكار الثورة الإيرانية. غير أن التدخل الذي بدأ ثقافيا وماليا تحول مع بداية حروب صعدة بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين ليأخذ طابعا عسكريا ولوجيستيا من خلال تقديم التدريب والاستشارات العسكرية ومن ثم البدء بسياسة ممنهجة لتهريب السلاح إلى المتمردين.
وتصاعد الحديث في الأوساط الرسمية والشعبية اليمنية عن الأسلحة الإيرانية التي تصل إلى الحوثيين طوال فترة الحروب صعدة الست (2004-2010). لكن، لم يكشف النقاب رسميا عن طبيعة التدخل الإيراني وحجمه إلا في يناير 2013 عندما عرضت وزارة الداخلية اليمنية ما قالت إنها حمولة سفينة إيرانية تحمل اسم جيهان كانت في طريقها لإفراغ 48 طنا من الأسلحة والقذائف والمتفجرات في ميناء ميدي بمحافظة حجة الذي كانت تسيطر عليه الميليشيا الحوثية.
وفي مارس 2015 انطلقت عمليات عاصفة الحزم على حين غرة من الحوثيين الذين خسروا جزءا كبيرا من الأسلحة والعتاد الذي سيطروا عليه. وازدادت حاجة الحوثيين للسلاح مع استمرار الغارات الجوية على مخازن أسلحتهم إلى جانب ما فقدوه بسبب المواجهات التي نشبت بينهم وبين المقاومة الشعبية، ثم الجيش الوطني في الكثير من الجبهات.
ودفعت هذه الحاجة إيران إلى استئناف تسيير شحنات من السلاح باتجاه اليمن، ولكن بوتيرة عالية فاقت كل ما سبق ومن خلال خط بحري لم ينقطع حتى اليوم على الرغم من إعلان مجلس الأمن الدولي حظر توريد الأسلحة للمتمردين.
وقد منح القرار الأممي رقم 2216 الصادر في 14 أبريل 2015 الضوء الأخضر لدول التحالف العربي لمراقبة السواحل اليمنية وتفتيش السفن قبل رسوها في الموانئ اليمنية؛ وهو ما أعاق وصول الكثير من الأسلحة للحوثيين. ولكنه في ذات الوقت دفع إيران لمحاولة ابتكار حيل ووسائل جديدة لإيصال السلاح للانقلابيين.
وساهمت الخروقات الإيرانية لقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بحظر إرسال السلاح للمتمردين في اليمن في تفعيل قرار سابق صدر في فبراير 2014 وتضمن تشكيل فريق من الخبراء خاص بلجنة العقوبات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2140 لمعيقي عملية الانتقال السياسي السلمي في اليمن. وقد كشف النقاب مؤخرا عن التقرير النهائي للفريق الذي أكد تورط إيران بشكل هائل في تأجيج الصراع المسلح في اليمن.
وسلط التقرير الضوء على حجم عمليات التهريب وطرقها ونوعيات السلاح المضبوط. وأشار إلى استخدام السفن الإيرانية لثلاث طرق لتهريب السلاح؛ الأول عن طريق المراكب الشراعية المتجهة للموانئ في الساحل الغربي الواقعة تحت سيطرة الحوثيين مثل (المخا، الخوخة، الحديدة، وميدي) وذلك من خلال ذهابها إلى سواحل القرن الأفريقي أولا كجيبوتي والصومال بعد أن تمر من خليج عدن إلى البحر الأحمر من خلال مضيق باب المندب.
وهذه المنطقة، بحسب التقرير، تتواجد فيها دوريات للقوات البحرية المشتركة٬ وقطع الأسطول الأميركي الخامس والقوات البحرية الملكية السعودية، وهو ما يحول دون استخدام هذا الطريق بشكل كامل و”الاحتمال أن يتم التهريب عبر شحنات صغيرة جدا على المراكب الشراعية الساحلية٬ بما يضع احتمال أن بعض الشحنات يتم احتجازها نظرا للرقابة البحرية المشددة”.
من بين الأسلحة التي تم ظبطها ألفي رشاش تحمل مميزات صناعة إيرانية و64 بندقية قناص من طراز هوشدار-إم إيرانية الصنع
أما الطريق الثاني فهو بواسطة المراكب الشراعية الساحلية المتجهة إلى الموانئ العمانية فهناك ميناءان صغيران يوجدان غرب مدينة صلالة في محافظة ظفار مرتبطان بطريق إلى الحدود العمانية اليمنية التي من شأنها أن تكون مناسبة لتفريغ الأسلحة.
طرق الموت
يشير التقرير إلى احتمال رسو المراكب الشراعية في الشواطئ العمانية في محافظة ظفار المحاذية للحدود اليمنية٬ والانتقال في مرحلة ثانية عبر المركبات عبر الحدود في نقطة “صرفيت-حوف” المحاذية لمحافظة المهرة اليمنية. ورجح التقرير أن الأدلة على الأرض تؤكد أن هذا الطريق قد يكون قيد الاستخدام حاليا للشحنات صغيرة الحجم.
ويتمثل الطريق الثالث في استخدام المراكب الشراعية لتفريغ الأسلحة مباشرة في الموانئ اليمنية مثل ميناء نشطون الذي يصفه التقرير بأنه الأنسب للتفريغ المباشر للأسلحة. غير أن ما يعيق استخدام هذا الميناء هو وقوعه تحت سيطرة الحكومة الشرعية، إلا إذا تم تمرير الأسلحة من خلال صفقات فساد أو اللجوء إلى استخدام ميناء آخر هو ميناء “الغيضة” الواقع أيضا تحت سيطرة الحكومة الشرعية ويمكن استغلاله بصورة سرية عن طريق مهربين محليين.
واستعرض التقرير نماذج من الشحنات التي تم ضبطها، إما عن طريق التحالف العربي وإما عن طريق قوات البحرية الدولية المتواجدة قبالة سواحل اليمن ومن ذلك ضبط خمس شحنات من قبل البحرية الأسترالية والفرنسية والأميركية إلى جانب البحرية السعودية التي ضبطت سفينتين شراعيتين محملتين بالأسلحة كانتا على وشك الرسو في ميناء الصليف بمحافظة الحديدة (غرب اليمن).
وغلبت على الأسلحة التي تم ضبطها بنادق القنص والصواريخ الحرارية المضادة للدروع. كما تم الكشف عن بعض العصابات التي تتولى عملية التهريب وهي في معظمها صومالية كانت تقوم قبل ذلك بعمليات القرصنة في المياه الدولية. أما نقطة انطلاق الشحنات فتبدأ من الموانئ الإيرانية مثل ميناء شاهبار وميناء سيربك قبل أن تصل إلى الموانئ الصومالية الصغيرة مثل ميناء بوصاصو وقاندالا وكالولا.
وأفرد التقرير حيّزا للحديث عن طرق التهريب البرية القادمة عبر الحدود العمانية وصولا إلى شبوة ثم مأرب، حيث تذهب الشحنات بعد ذلك إلى البيضاء ومنها إلى العاصمة صنعاء. وذكر أن هذه التهريب البري كان مخصصا في معظمه لنقل الصواريخ الحرارية المضادة للدبابات والآليات من نوع كونكورس وتوسان الإيراني وميتيس وطوفان وكورنيت وديهلفا.
ولفت إلى مصدر آخر للحصول على السلاح يتمثل في شراء السلاح بشكل مباشر من خلال تاجر السلاح الشهير الموضوع على قوائم منتهكي حظر توريد السلاح للقرن الأفريقي فارس مناع والذي تم تعيينه وزيرا في حكومة الحوثيين التي أعلن عنها في أواخر 2016.
ورصد تقرير صادر عن مركز أبحاث التسلح والصراع الدولي، ترجمه “الموقع بوست”، تفاصيل مهمة تتعلق بعمليات تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن خلال الفترة الأخيرة من العام 2016، وهي الفترة التي شهدت تضييق الخناق على شحنات الأسلحة المرسلة عبر المحيط الهندي إلى الموانئ الصومالية قبل إعادة إرسالها للسواحل اليمنية.
وقد تمكنت القوات البحرية المشتركة متعددة الجنسيات من اعتراض ثلاث مراكب شراعية خلال شهري فبراير ومارس 2016 فقط، وهو ما يكشف حجم التهريب ونوعية الأسلحة المرسلة وخطوط سيرها. وقد كشف البحث في طبيعة هذه الأسلحة أن إيران هي مصدر هذه الأسلحة وأن اليمن والصومال هما البلدان المقصودان.
صالح البيضاني
صحيفة العرب اللندنية