“الحشد المسيحي” فصائل مسيحية مسلحة بالعراق؛ تشكَّلت إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل ونواحيها في يونيو/حزيران 2014، وأصبح بعضها جزءا من مليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية فخاض معها معاركها ضد تنظيم الدولة، وخاصة في الموصل التي هدد قائد “حشد مسيحيي الموصل” بعض قبائلها بالإبادة.
ويرى مراقبون أن الحكومة العراقية وحلفاءها الإقليميين سعوا بتشكيل بعض هذه المليشيات المسيحية لتعويم الصبغة الطائفية لـ”هيئة الحشد الشعبي” التي تأسست بناءً على فتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني بعد انهيار الجيش العراقي وعجزه عنالدفاع عن الموصل، وإظهارها بمظهر الهيئة “الجامعة” لكافة المكونات الدينية والطائفية والقومية في البلاد.
وفي منتصف مايو/أيار 2016 أفادت صحيفة “كاثوليك هيرالد” الأميركية بأن الكونغرس يدرس تقديم دعم “للمليشيات المسيحية” بالعراق العاملة تحت لافتة “الحشد الشعبي”، وفقا لـ”قانون الإنفاق الدفاعي الأميركي الذي يقضي بدعم المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط”، وخاصة سوريا والعراق (يعترف الدستور العراقي بـ144 طائفة مسيحية في البلاد).
وفيما يلي تعريف بأبرز الكتائب المسيحية المقاتلة بالعراق والتي أصبحت تُعرف إعلاميا بـ”الحشد المسيحي”، لكنها -وقد ناهز عددها عشرة فصائل- تستبطن خلافا تاريخيا متأصلا بين الكلدان والآشوريين رغم وحدة المعتقد:
1- كتائب بابليون:
تأسست “كتائب بابليون” نهاية عام 2014 لتكون ذراعا مسلحة لما يسمى “الحركة المسيحية في العراق” بزعامة أمينها العام ريان سالم صادق الكلداني (من مسيحيي بلدة القوش قرب الموصل)، و”مكونا مسيحيا” في مليشيات “الحشد الشعبي” وجزءاً من المنظومة الأمنية والعسكرية الحكومية.
وأعلن الكلداني -المعروف بعلاقته القوية بالقيادة الشيعية الممسكة بـ”الحشد الشعبي” والتي مهدت له الطريق ليستقبله وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي بمكتبه يوم 6 أبريل/نيسان 20166- أن “الهدف الرئيسي من تشكيل قواتنا هو تحرير الموصل لكننا شاركنا في عمليات تحرير أخرى”.
وبينما أكدت الحركة مرات أن كتائبها هي “إحدى مكونات الحشد الشعبي المرتبطة برئاسة الوزراء، وتتلقى الدعم والإسناد والتجهيز من الحكومة”؛ أعلن بيان للبطريركية الكلدانية (أكبر كنيسة بالعراق) في مارس/آذار 2016 أنها “لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون أو غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة…، وأن ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب”.
لكن الأمين العام للحركة ريان الكلداني قال في 27 ديسمبر/كانون الأول 2015 إن الحماية الأمنية للكنائس العراقية تتولاها قوات كتائب بابليون التابعة للحشد الشعبي مع القوات الأمنية الأخرى.
ونسبت صحيفة “الأخبار” اللبنانية يوم 19 مايو/أيار 2016 إلى المتحدث باسم هذه الكتائب ظافر لويس كيلة قوله إن عدد مقاتليها “يقدر بالمئات ولديها القوة العددية واللوجستية، مما يؤهلها لخوض معارك التحرير ومسك الأرض”، وأنها “اشتركت في معظم عمليات التحرير في تكريت وبيجي وسامراء“. وقال إن الكتائب تعتمد على التمويل المقدم من الحكومة العراقية و”الحشد الشعبي”.
وفي يوليو/تموز 2016 كانت هذه الكتائب أول فصيل مسيحي يعلن جهوزيته بـ”أحدث الأسلحة والمعدات الحربية” للمشاركة في “تحرير الموصل”، وقالت إن لديها ثمانمئة مقاتل أكملوا تدريبهم في ثلاثة معسكرات ببغداد وصلاح الدين، وتزامن ذلك مع تعرض مقر الكتائب في منطقة الكرادة ببغداد لانفجار بعبوة ناسفة بينما كان يستضيف اجتماعا لقادة عسكريين برئاسة أبو مهدي المهندس نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي”.
وفي 20 أغسطس/آب 2016 اتهمت فصائل شيعية في “الحشد الشعبي” -من بينها “منظمة بدر” و”حركة النجباء“- رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بمنع “كتائب بابليون” من المشاركة في “تحرير الموصل”، مؤكدة “أحقيتهم في تحرير مناطق سهل نينوى أسوة بالشبك والتركمان واليزيديين”.
وفي 31 أغسطس/آب 2016 قال زعيم مليشيا “كتائب بابليون” ريان الكلداني إنه وقواته يتعرضون لـ”ضغوط دولية ومحلية” بسبب انضمامهم إلى “الحشد الشعبي”، مشيرا إلى أن لديهم “خيارات عدة من المؤمل أن تحسم قريبا”.
2- وحدات حماية سهل نينوى:
في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 أعلنت “الحركة الديمقراطية الآشورية” -التي تنشط على نطاق واسع في أوساط مسيحيي العراق بالمهجر- تأسيسها قوات محلية أسمتها “وحدات حماية سهل نينوى” (NPU)، وقالت إنها ستتشكل من “الشباب الغيارى من أبناء سهل نينوى… بغض النظر عن الانتماءات الحزبية”، ودعت “الضباط والمراتب من أبناء شعبنا في الجيش العراقي للمشاركة وتقديم خبراتهم” لهذه القوات.
وحددت الحركة مهمة هذه الوحدات -التي يقودها العميد السابق في الجيش العراقي بهنام عبوش- في الأهداف التالية:
أ- المساهمة في “الجهد العسكري لتحرير وتطهير وحماية.. مناطق شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في سهل نينوى” -الذي يقع بين مدينة الموصل ومحافظتيْ دهوك وأربيل– من قبضة تنظيم الدولة، بعد أن “تركتها القوات النظامية التابعة للحكومة الاتحاديةوالبشمركة دون أن تكون قادرة على حمايتهم… وممتلكاتهم ومقتنياتهم ومقدساتهم”.
ب- إعادة النازحين “من أبناء شعبنا من الموصل ومن كافة بلدات وقرى سهل نينوى” إلى مناطق سكناهم، مؤكدة أنهم “أكثر من مائة وخمسين ألفا”.
ج- المساهمة في “حماية مناطق أبناء شعبنا بأسلوب الأمن الذاتي” إلى جانب بقية المكونات، على “أن تكون الوحدات لاحقا جزءا من القوات النظامية المكلفة بإمساك الأرض والملف الأمني في هذه المناطق، إلى جانب القوات والأجهزة الأمنية النظامية الأخرى الموجودة فيها”.
وأعلنت الحركة توليها الإشراف على هذه الوحدات لـ”تهيئتها وتدريبها وتجهيزها وتسليحها”، وتنفيذ دورات عسكرية لتكوينها تتضمن “التدريبات الأساسية لحمل واستخدام السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، ودوريات المشاة، وكيفية تطبيق الأساليب الصحيحة في السيطرة ونقاط التفتيش والمراقبة، وغيرها من النقاط التي تتمحور حول الحماية”. وأقامت الوحدات معسكر تدريبها في “قاطع سنحاريب” نهاية عام 2015.
كما أكدت استعدادها للتنسيق مع القوات العسكرية الموجودة في سهل نينوى والتعاون معها عسكريا، وتعهدت بأن وحداتها “ستحترم حقوق الإنسان وتمارس مهامهما بمهنية بعيدا عن التعصب الديني أو القومي، وتلتزم بالقوانين والمعايير الوطنية والدولية الملزمة في النزاعات”.
وطبقا لتصريحات منسوبة إلى قيادة القوات فإن “وحدات حماية سهل نينوى” بلغ عدد مقاتليها -حتى فبراير/شباط 2016- ثمانمئة مجند؛ وأشارت تقارير إعلامية إلى أن بعضهم خدموا في القوات الأميركية بالعراق أو أفغانستان.
وشارك في تدريب هذه القوات بمعسكر جمجمال (80 ﻛلم ﻏﺮﺏ مدينة ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺎﻧﻴﺔ) خبراء عسكريون أميركيون وعراقيون مسيحيون، ثم أقامت لنفسها معسكرا دائما على مسافة كيلومترين من بلدة القوش، ويصفه قائدها العميد بهنام عبوش بأنه “المعسكر الأول في العراق وإقليم كردستان الذي يوجد فيه المسيحيون فقط”.
ويقول عبوش إن قواته تتلقى تمويلها من الأمن الوطني في بغداد ومن “المسيحيين أصحاب رؤوس الأموال المقيمين في الخارج”، كما تحدثت مصادر إعلامية عن حصولها على مساعدات مالية قدمتها منظمات مسيحية غربية خاصة في أوروبا وأميركا، من بينها “منظمة أبناء الحرية الدولية” و”منظمة ما بين النهرين الأميركية”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016 شاركت قوات وحدات حماية سهل نينوى في العمليات العسكرية على المحور الشمالي لمعركة الموصل والمتمثل في سهل نينوى، لكن قائدها العميد عبوش صرح قائلا “نحن الحشد الآشوري ولسنا الحشد المسيحي، وسنحرر قرانا كآشوريين وليس كمسيحيين”.
وفي 20 يناير/كانون الثاني 2017 أعلنت الوحدات “تحرير” قضاء تلكيف بالكامل من سيطرة تنظيم الدولة بمشاركة ودعم من القوات العراقية، و”تحريرها” عائلتين مسيحيتين من قبضة التنظيم في شمال شرقي الموصل.
– حشد مسيحيي الموصل:
أعلِن في فبراير/شباط 2016 أن الحكومة العراقية بدأت تشكيل وتدريب قوات من مسيحيي سهل نينوى لتدرجها ضمن مليشيات “الحشد الشعبي”، وأنه أطلق عليها “حشد مسيحيي الموصل”.
وأسندت قيادة هذه القوات إلى سلمان أسو حبة المدعوم من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والذي تولى رئاسة “مجلس أعيان قضاء تلكيف” (شمال الموصل) حتى عُزل عنها بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بقرار من أغلبية أعضاء المجلس، بسبب “انفراده باتخاذ القرارات… مخالفاً النظام الداخلي للمجلس”.
وفي 3 مايو/أيار 2016 أعلنت قيادة “حشد مسيحيي الموصل” مشاركتها في “عملية تحرير ناحية تلسقف شمال الموصل.. وقتل العديد من الانتحاريين، بعد سيطرة عصابات داعش عليها”، وذلك بمشاركة قوات البشمركة ومساندة طيران التحالف الدولي.
وفي 6 فبراير/شباط 2017 طالب قائد هذه المليشيا أسو حبة -المطلوب قضائيا على خلفية تعذيب عزل نازحين عن مدينة الفلوجة- أبناء القبائل العربية في قضاء تلكيف بمغادرة القضاء وترك منازلهم وقراهم خلال مدة أقصاها 72 ساعة، زاعما أن تلك المنازل كانت في الأصل لمسيحيين وحان أوان إعادتها لهم.
وتوعد أسو حبة -في تسجيل بثه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي- هذه العائلات بالقتل والتهجير إن لم تمتثل لأوامره خلال المدة التي حددها. لكنه تراجع عن ذلك مؤكدا أن تهديده “لم يكن إلا لإجبارهم على الرحيل”، مع أن قواته تُتهم بارتكاب انتهاكات واسعة وممنهجة في مدينة الموصل ونواحيها.
الجزيرة