أكملتْ قوات درع الفرات، المسنودة، بشكل مباشر وفعلي، بعناصر الجيش التركي وآلياته، مهمتها التي بدأتها انطلاقاً من رأس جسر جرابلس غرباً نحو أعزاز، ووضعت تحرير مدينة الباب استراتيجيا قصيرة المدى، باعتبار الباب تطل على مدينة حلب، وتحتفظ بأواصر جغرافية قوية مع كل من جرابلس وأعزاز.
تقدّمت قوات درع الفرات ببطء، وعينها على قوات سورية الديمقراطية، وراقبتها وهي تقتحم مدينة منبج، وتقدّم مادة إعلامية لافتة، بإعلانها الحملة على الرقة. حافظت قوات الدرع على تقدمها البطيء نحو مدينة الباب، حتى أحكمت الحصار عليها. وخلال ذلك، تلقت هجومين، أحدهما من قوات النظام، والآخر كان ضربة جوية “غير مقصودة” من الطيران الروسي، فقدت خلالهما بعض العناصر العسكرية، وتم تجاوز الحادثتين بفضل التعاون الروسي التركي الكبير، والمنسَّق على مستوى الرؤساء، والذي رعى كل التحرّكات منذ بداية الدخول التركي إلى جرابلس.
يبدو التحالف التركي الروسي قوياً حتى الآن، وقد مرّ مقتل الجنود الأتراك الثلاثة وجرح زملائهم بقذيفة روسية، مرور الكرام، بعد أن سارع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للاعتذار، وتحجج بقلة التنسيق الذي يحتاج إلى تفعيل أكبر ليمنع الاحتكاكات المميتة التي يمكن أن تحصل بين جيش النظام ومليشياته وبين الجيش المنضوي تحت راية “درع الفرات”. وسيشكل، بحسب ما أعلن الجانب الروسي، أوتوستراد تادف حداً فاصلاً بين الجيشين، وهو أقصى خط يمكن أن تصل إليه مليشيات النظام، وقد وصلت بالفعل، فيما يبدو الجهد العسكري والدبلوماسي نشطاً للحفاظ على الهدوء في محيط الباب، على الرغم من أنها تعج بخليط مختلف من الأعداء الذين يتربص كل منهم بالآخر.
تعرف قوات النظام أنها ممنوعة من تجاوز تادف، وتعرف قوات سوريا الديمقراطية أنها غير قادرة على الاقتراب من الباب، وقد ردت على انتصارات قوات “درع الفرات” بمزيد من النشاط في محيط الرقة، والرقة معركة الجائزة الكبرى. وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد هاتف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي قال إن الحديث الهاتفي دار حول مكافحة الإرهاب في الباب والرقة. عند هذه النقطة، على الجانب الروسي أن يتوقف قليلاً، ليراجع حساباته التي بدأت بالتعقد، فهو مطالَبٌ بكبح جماح جيش النظام، ومن خلفه إيران التي ترغب بمزيد من التقدّم، ولا مانع لديها من الاحتكاك العسكري مع “درع الفرات”، وهو الأمر الذي حصل بالفعل، وجرى احتواؤه. وكان أردوغان قد التقى أيضاً رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وبرئيس المخابرات الأميركية (سي آي إيه) الذي جاء بشكل خاص إلى أنقرة. وقد تنفخ هذه المتغيرات المتلاحقة الروح في التعاون الغربي التركي في سورية، ووجود الأعداء وجهاً لوجه وبشكل مباشر داخل مدينة الباب، وعلى تخومها قد يجعل تركيا تختار المواجهة، بعد أن حصلت عملياً على الخمسة آلاف كيلو متر المنشودة، وهي مثلث جرابلس أعزاز الباب، وحمايتها من الجو قد يتيحها الوجود الأميركي، وعندها قد تصبح روسيا بمأزق عليها الخروج منه، ولن تجد إلا مزيداً من التورّط العسكري سبيلاً لمعالجة الأمر.
نشأ الحلف الروسي التركي في غياب شبه كامل للعامل الأميركي، وحضور أوروبي في الشق الإنساني فقط، وبعد أزمة دبلوماسية حادة، وجد الطرفان نفسيهما في خندق واحد. الآن وقد حصلت تركيا على معظم ما ترغب به، ولم يبقَ إلا المعركة الكبرى في الرّقة، والتي ستصر على المشاركة فيها وبقوة، وهي معركة لن تغيب عنها أميركا بأي حال، يبقى العامل الروسي موضع شك، ونحن نشاهد اهتماماً روسياً لافتاً بالمناطق الساحلية، وإصراراً مغالياً في الجهود السلمية لتقريب المعارضة والنظام.. وسيتطلب الأمر جردة حساب دبلوماسية وعسكرية قبل الانتقال إلى معركة الرقة، فمن غير المعقول أن يبقى الجيش الحر وجيش النظام، ومن خلفه مليشات إيران وقوات سورية الديمقراطية في مكان واحد، وعلى جبهة واحدة بدون أن تُجبر روسيا وتركيا على إعادة النظر بالحلف الذي تأسّس في غفلةٍ من اللاعبين الكبار.
فاطمة ياسين
صحيفة العربي الجديد