بُعيد وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أصبح التوتر هو العنوان البارز في العلاقات الأمريكية -الإيرانية، والذي أجّج ذلك قيام النظام الإيراني في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، بإطلاق صاروخ باليستي على سبيل التجربة، التي عُدتها الإدارة الأمريكية عملًا استفزازيًا من قبله، لذا لم يتأخر الرد الأمريكي عليها حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات اقتصادية على النظام الإيراني، تشمل 13 شخصاً و12 كياناً. ومن جانبه علق دونالد ترمب عن تلك التجربة في تغريدة على موقع تويتر قائلاً: “إيران تلعب بالنار”، مضيفا أن الإيرانيين لا يقدّرون كم كان سلفه باراك أوباما طيبا معهم، مؤكدا أنه لن يكون مثله.وأكد الرئيس الأميركي قبل ذلك أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة للنظام الإيراني، كما وصف النظام الإيراني بأنه “الدولة الإرهاب الأولى” في العالم.
ويبدو أن سياسة فرض العقوبات الإمريكية ضد النظام الإيراني لن تقف عند ذلك المستوى، حيث صرح مسؤولون أميركيون -قبل عدة أيام- بأن إدارتهم تبحث اقتراحا قد يؤدي إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعةً إرهابية. وهذا يعني في حال تنفيذ ذلك المقترح فإن العلاقات الأمريكية- الإيرانية ستشهد تحولًا نوعيًّا في طبيعة التوتر القائم بينهما، لأن هذه المرة ليس مجرد فرض عقوبات اقتصادية على مؤسسات أو أشخاص في النظام الإيراني وإنما توصيف الإرهاب لمؤسسة عسكرية إيرانية رسمية كالحرس الثوري الإيراني الذي يعد أحد أركان النظام الإيراني داخليًا وخارجيًا ويرتبط مباشرة بعلي خامئني مرشد الورة الإيرانية. وهذا المقترح أن طُبق فهذا يعني أيضًا أن دونالد ترمب يكون قد أعلن عن توجهاته المستقبلية حيال النظام الإيراني، فهو بذلك يتجه نحو مواجهة النفوذ الإيراني وتطويقه في المشرق العربي وخاصة بالعراق وسوريا.
وهذا يعني أن سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع النظام الإيراني ومجاملته في العراق قد أوشكت على نهايتها. فالرئيس السابق كان قد كرّس معظم اهتمامه من أجل الوصول إلى اتفاق دبلوماسي للمشروع النووي الإيراني، ينهي معه- من وجهة نظره- ولايتين من حكمه بانجازٍ لإدارته على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، كان رهان تلك الإدارة على أن الاتفاق سيفتح باب التغيير داخل النظام الإيراني، وفي سياسته الخارجية ليعود فاعلًا إقليمياً مسؤولاً عبر الأطر والمؤسسات الدولية. وهو ما لم يحصل حيث استمر بمشروعه التوسعي في المشرق العربي.
ومن جهة أخرى شعرت الدول الخليجية أن أوباما تعمَّد تهميشها واستبعادها عن الحديث الإقليمي، بل أراد تحجيمها وإذلالها فيما كان في الوقت ذاته يدلّل النظام الإيراني ويُطلِق عنانه في الجغرافيا العربية، عبر تدخّله في اليمن ودعمه للحوثيين هناك. شعرت أيضاً أن باراك أوباما قرر أن يدعم الشيعة ضد السنّة في الصراع المذهبي بينهما، وذلك بدعمه طموحات النظام الإيراني الإقليمية، وليس فقط نتيجة اتفاق نووي أعطى له حق امتلاك القرارات النووية كمبدأ، ونسف نظام منع انتشار الأسلحة النووية، واشترى منها تجميد النشاطات النووية غير المدنية لمجرد عشر سنوات.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل سيلجأ دونالد ترمب إلى استهداف الأراضي الإيرانية ردًّا على تحديات النظام الإيراني؟ إن تلويحه باللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل معه، لا يعد تصريحًا جديدًا في السياسة الأمريكية إزاء النظام الإيراني، فقد سبق أن لوّح به الرؤساء الأميركيون ضدّه، ولم يستخدمه أي منهم لأسباب واعتبارات تتعلق بتحالفاته الإقليمية والدولية. فهو ليس متعجّل لمواجهة حربية معه، ليس خشية من تهديدات الحرس الثوري بالصواريخ وغيرها، فهمها كانت جدّية، تبقى محدودة باستراتيجية دفاعية يتجنّب فيها النظام الإيراني تعريض أراضيه ومنشآته وبالأخص نظام حكمه لأي أخطار مباشرة. بل دونالد ترمب مصمم على كبح الجموح الإيراني أينما استطاع ذلك، لأن النظام الإيراني يصعّد خارج أرضه وبواسطة أتباعه، فهو يملك جيشاً كبيراً من الميليشيات المحلية، من العراق إلى سورية ولبنان. ولن يتساهل حيال تقليم أظافره، أو السماح بزعزعة البناء الذي أنفق سنوات في إقامته. علماً أن تأجيج الصراع معه قد يهدد مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في الإقليم. ومع ذلك فإن المواجهة المحتملة مرشّحة لأن تحصل حيث هناك تماس بين الدولتين، أي في العراق. لأنه بالنسبة الىه الركيزة الأساسية لأي نفوذ خارجي له. لكن طموح النظام الإيراني شاء أم أبى صار في مواجهة إدارة الرئيس دونالد ترمب الذي ذكر بأن بلاده تريد حصة متناسبة مع التريليونات الثلاثة التي أنفقتها في العراق.
كان واضحاً منذ فوز الرئيس دونالد ترمب وفريق عمله الذي يعد خليطاً من المحافظين الجدد والصهاينة أنه ليس وحده في الصراع مع النظام الإيراني. بل هناك شبه إجماع في أوساط الحزب الجمهوري على وجوب وضع حد لتمدده وانفلاشه. العداء للنظام الإيراني يبدو سمة مشتركة بالنسبة لكثيرين من المحيطين بدونالد ترمب، قأركان إدارته بدأت صياغة إستراتيجية التصدّي ليس فقط للمشروع الإيراني العابر من العراق إلى سورية إلى البحرين ولبنان وصولاً إلى اليمن. وإنما – بالمقدار نفسه من الأهمية – التصدي لأهم ركيزة في هذا المشروع وهو مبدأ إنشاء القوات العسكرية الموازية لجيش الدولة على نسق «الحرس الثوري، في إيران و «الحشد الشعبي» في العراق و «حزب الله» في لبنان وشتى الميليشيات التابعة لـ «الحرس الثوري» و «فيلق القدس» العاملة في سورية. هذا تحوّل جذري لافت في السياسة الأميركية الجديدة.
فضلاً عن قوى أوروبية وإقليمية تجهد لتقليم أصابعها في المنطقة والحد من نفوذها، لذا أصبح عليه أن يغيّر كل حساباته لردود الأفعال الأميركية عمّا كانت عليه في عهد باراك أوباما. ولا بدّ لها من مراجعة تكتيك التحرّش بالقطعات البحرية الأميركية، ومن نسيان حادث احتجاز الزورقين الأميركيين في كانون الثاني/ يناير عام 2016 وسكوت واشنطن على إذلال بحارتهما.
مضى أقل من شهر على حكم دونالد ترمب للولايات المتحدة الأمريكية والمؤشرات توحي بأن هناك تحولًا في السياسة الخارجية الإمريكية إزاء النظام الإيراني. فهناك قطيعة كاملة مع سياسة الإدارة السابقة. يمر كثير من المحللين على تعبير «اللعب بالنار» ليستخلصوا منه مجرد الرغبة في التصعيد أو التهديد من جانب ترمب، لكن «اللعب بالنار» في الحقيقة توصيف شديد لما يفعله النظام الإيراني في المنطقة، فهو لا يكف عن إشعال الحرائق حيثما وجد لها موطئ قدم، ويعمل بكل جهده على توسيع شقة الحرائق ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويرى في ذلك وسيلة لفرض حضوره ومد نفوذه على وقع الفوضى والدمار. أم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سيكون أميناً لكل الشعارات التي رفعها وللوعود التي قطعها في حملته الانتخابية فيما يتعلق بالنظام الإيراني، هل ستتحول تلك الشعارات إلى سياسات تعمل على تطويق النفوذ الإيراني أو إنهائه في المنطقة أم إنها مجرد بيانات لا قيمة لها؟
معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية