رفض التحديث والاحتجاج ضده، الذي غالباً يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، يعبر عن جيوب تخشى رياح التغيير. وهذه الاعتراضات المتشنجة، في الحقيقة، هي شهادة للحكومة السعودية دولياً على أنها تكافح في سبيل تحسين وضع المرأة، وضد التطرف الديني، ومع الانفتاح الاجتماعي، وتريد الطلاق من الاعتماد الكامل على موارد النفط.
والشأن السعودي الداخلي يتجاوز حدودها، كدولة إقليمية فاعلة ودولياً مؤثرة. وهذا ما لا يدركه البعض الذي يظن أن ما يجري في السعودية يبقى في السعودية، وهو ليس صحيحاً، خاصة في هذا الزمن الذي تحكمه معايير دولية وليست محلية.
إشكالات التحديث التي تعيشها المملكة الآن تتزامن مع مشروع التغيير الاقتصادي الجريء والضخم. التحديث الاجتماعي مع التطوير الاقتصادي مهمتان ثقيلتان تتعهد بتنفيذهما الحكومة بنفسها. والأصوات التي تنتقد السعودية في أنحاء العالم مستغربة لا تفهم صعوبة التغيير، خاصة جوانبه الاجتماعية. الآن، وشكراً للمعترضين على التغيير في الداخل، تبدو الحكومة للعالم هي قائدة التغيير وبسببه تتحمل الإشكالات المرافقة. والمبادرات الحكومية تشمل توسيع دائرة عمل المرأة وفرضها على القطاعين العام والخاص، ومنحها مراكز حكومية عالية، وإنهاء حالة التضييق على الشباب، الذي صار في حالة سفر جماعية هروباً من المناخ المحافظ المغلق، بما قد يعنيه هذا الهروب الجماعي من نزيف للاقتصاد واندماجهم في مجتمعات بعيدة. وتشمل خطط الحكومة تصحيح التعليم، بتنظيف مناهجه ومؤسساته من التطرف، وتحديث الإعلام الرسمي، وإدخال الترفيه من دور سينما وحفلات فنية، واحتفالات شعبية. هذه البرامج من الطبيعي أن تجد مقاومة شديدة من البعض، ومعظمهم يفعل عن جهل وحسن نية.
ومن الطبيعي بعد سنين من تسلق المتشددين على المنابر، ونشرهم فكرهم، أن توجد جيوب ترفض كل محاولة لتطوير مناحي الحياة، لا تترك وسيلة إلا وتعبر من خلالها ضده وتحرض عليه. ومن المفارقة العجيبة أن مفهوم التحديث المطروح اليوم في المملكة العربية السعودية يعني العودة إلى الماضي، أي زمن الستينات والسبعينات، عندما كان المجتمع متديناً ومتسامحاً أيضاً، وكانت معظم الفعاليات التي ترفض اليوم مسموحاً بها في تلك الحقبة.
وكل مجتمعات العالم مرت بموجات التغيير، كانت تجابه بالرفض، وأتذكر في بريطانيا عندما تقرر السماح للمحلات التجارية بأن تفتح أبوابها للمتسوقين يوم الأحد، لقيت تلك الخطوة اعتراضات كثيرة بحجة قدسية تقاليد المجتمع ورفض التغيير، لكن تيار التغيير أقوى منهم. لا توجد أمة لم يمسسها التغيير والتحديث الذي قد لا يعجب كل الفئات. وليس خطأ أن يعبر الرافضون عن رأيهم لكن التيار أكبر منهم، لهذا يلجأ بعضهم لأخطر الأسلحة للتخويف مثل التكفير، ويسيئون استخدام المنابر الدينية بالهجوم على الآخرين، مع أن المساجد ليست ملكاً خاصاً بهم، وبإمكانهم أن يعبروا عن آرائهم الشخصية في الوسائل التواصلية المتاحة للجميع. وهذه الأفكار المحافظة، على ما تبدو عليه من حرص على التقاليد والتفاسير الدينية المتشددة، لا يدرك أصحابها الأخطار التي يعرضون بلدهم ومجتمعهم لها. تقييد المرأة يكلف الأسر مادياً، ويحرمهم من مداخيل إضافية، في وقت لم يعد دخل رب العائلة لوحده كافياً لإعاشة عائلته، والكثير من هذه النفقات الإضافية إرضاء لهذه الفئة المحافظة. التكلفة عالية على المجتمع والحكومة، وتهدد المستقبل الذي لن يستمر النفط فيه دخلاً يفي بحاجاتهم. ومن أجل تغيير هذه الأوضاع الخاطئة لا بد من التغيير ليس من قبيل الترفيه بحد ذاته ولا إرضاء للانتقادات الخارجية بل من أجل هذا البلد، وجوده وازدهاره.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط