مهما قد تكون إدارة دونالد ترامب فوضوية ومنقسمة ومحيرة وغير متساوقة، فإنها تبدو موحدة حول موضوع واحد كما تبدو: إيران. وهناك أدلة على أنه منذ توقيع الصفقة في منتصف العام 2015 لكبح جماح برنامج إيران النووي، المعروفة باسم خطة العمل الشامل المشتركة، فإن إيران استفادت من ميزة تخفيف العقوبات ورفع التجميد عن حوالي 100 مليار دولار، والتي تمثل قيمة أصول خارجية لها، فاستعرضت قوتها في المنطقة بجسارة وجرأة أكبر. ويعتقد الفريق الجديد أن باراك أوباما قد ترك لإيران الحبل على الغارب.
منذ توقيع الصفقة، زادت إيران من دعمها للرئيس السوري بشار الأسد، مع الدعم الجوي الروسي، إلى النقطة التي يبدو فيها استمرار نظامه أكيداً في المستقبل المنظور. وعملت إيران أيضاً مع روسيا على تزويد حزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية التي تقاتل في سورية، بأسلحة ثقيلة. كما أنها صبت مليشيات شيعية أخرى في داخل سورية من العراق وأفغانستان وباكستان. وفي العراق، تقاتل المليشيات المدعومة إيرانياً على طول الخط مع القوات الأمنية العراقية ضد “داعش”. لكن هذه الميليشيات يمكن أن تصبح، متى ما تم طرد “داعش”، سلاحاً محتملاً في محاولة إيران لتحويل العراق إلى ولاية فارسية. وفي اليمن، الحرب الأهلية المستعرة هناك هي حرب بالوكالة بين دول الخليج السنية التي تدعم الحكومة المعترف بها ضد الثوار الحوثيين، الذين تزودهم إيران بالتدريب والأسلحة، بما في ذلك صواريخ مضادة للسفن أطلقت على سفن حربية أميركية في البحر الأحمر.
وفي الأثناء، أجرى الحرس الثوري الإيراني النخبوي سلسلة من التجارب على صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، في مروق، مع أنه ليس انتهاكاً صريحاً، على قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الذي يؤيد الصفقة النووية. وأسفرت التجارب الأحدث عن فرض وزارة الخزينة الأميركية عقوبات جديدة على عدة أفراد وشركات إيرانية، ممن لهم صلة بالبرنامج النووي. وكان الرد مدروساً (وربما مستخلصاً من شيء أعدته إدارة أوباما). لكنه تلقى الدعم من بيان صدر عن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، مايك ماتيس، الذي شغل المنصب لفترة قصيرة، والذي قال إن إيران “وضعت رسمياً تحت الملاحظة والتمحيص” فيما يتعلق بسلوكها.
ما الذي عناه بذلك؟
لكن فلين كان غامضاً فيما يتعلق بما يعنيه ذلك. إن قرارك أن إيران يجب أن تواجه ويتم إيقافها شيء، ومعرفتك كيف تفعل ذلك من دون إغراق أميركا في أتون حرب شرق أوسطية أخرى وزيادة حدة الفوضى والاضطراب في منطقة لديها الكثير منهما مسبقاً، هي شيء آخر تماماً.
يبدو مستقبل الصفقة النووية محل شك أيضاً. وكان ترامب، خلال حملته لانتخابات الرئاسة، قد وصف الصفقة بأنها “أسوأ صفقة في التاريخ”، كما أن لدى الجمهوريين في الكونغرس القليل من الإعجاب بها. ولكن، في ضوء النفوذ المتزايد لجيمس ماتيس، وزير الدفاع، وزريكس تيلرسن، وزير الخارجية، ثمة القليل من الشهية لدى الإدارة لإجهاض اتفاقية دولية سحبت أصلاً الموضوع النووي عن الطاولة للعقد المقبل أو نحو ذلك، والتي تتمتع بدعم دولي قوي.
بدلاً من ذلك، سوف يكون التركيز منصباً على تنفيذ قوي. لن يتم التسامح مع التجاوزات الإيرانية الصغيرة مثل الانتهاك الأخير لكمية المياه الثقيلة المسموح لها بالاحتفاظ بها لمفاعلاتها. وإذا ضبطت إيران وهي تغش عن قصد، تستطيع أميركا إقناع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاقية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وإنما ليس روسيا أو الصين) بأنها تجب إعادة بعض العقوبات.
كانت الصفقة النووية قد رفعت العقوبات ذات الصلة النووية فقط عن إيران. وما تزال العقوبات الأخرى سارية، مثل النشاط الصاروخي الباليستي ودعم الإرهاب وإساءة حقوق الإنسان. ومن الممكن فرض المزيد عند إجراء المزيد من تجارب الصواريخ أو عند انتهاك حالات الحظر التي فرضتها الأمم المتحدة على تسليح حزب الله في سورية والحوثيين في اليمن. كما أن لدى أميركا قوانين صارمة خاصة بالنشاط المالي غير المشروع -وتعتقد جهات عديدة بأن إيران تعتبر منتهكاً محترفاً- وإجراء معاملات تجارية مع أي كيانات تجارية مرتبطة بالحرس الثوري الذي له يد في معظم قطاعات الاقتصاد الإيراني. ولا يترتب على إدارة ترامب أن تبذل جهداً كما سبق وأن فعل جون كيري (سلف السيد تيلرسن) لتطمين البنوك الدولية بأنها لن تعاقب على إبرام صفقات مالية مع إيران. وحتى مع تشجيع السيد كيري، ظلت البنوك حذرة.
سوية مع العقوبات، من المرجح أن تتطلب مواجهة إيران مكوناً عسكرياً، على الرغم من أنه هو أيضاً يجب أن يكون محسوباً بدقة. ويكمن هدف إيران في تأسيس قوس من السيطرة يشمل بغداد ودمشق وبيروت. وقد طُلب من السيد ماتيس وضع خطة للحيلولة دون ذلك. ومن المرجح تقديم المزيد من المساعدة المباشرة للسعوديين والإماراتيين في اليمن، مثل تسيير دوريات هجومية في المياه الدولية لوقف تدفق الأسلحة من إيران للحوثيين. وقد لا تمارس السفن الحربية الأميركية التي كانت قد تعرضت للمضايقة بشكل خطير من جانب قوارب الدورية الإيرانية في السابق، ضبط النفس في ردها على أي مضايقات إيرانية جديدة. وفي سورية، تبدو الأمور ذاهبة إلى محاولة تقاسم جائزة التحالف بين روسيا وإيران. وسوف يكون هناك عرض لموسكو من أجل التعاون العسكري ضد “داعش” والاعتراف بدور روسيا في تقرير شروط أي تسوية مستقبلية. ولكن، إذا فشل ذلك، كما هو مرجح، فإن السيد ماتيس قد يقرر أن أميركا سوف تحتاج إلى أكثر من مجرد حفنة جنود القوات الخاصة الذين لديها حالياً على الأرض في سورية. ولم يكن معجباً بسياسة أوباما القائمة على التحدث بصوت عال وحمل عصاً صغيرة.
سوف يكون التحدي الأكبر في العراق. وقال السيد ماتيس أثناء زيارة له للعراق هذا الأسبوع أن القوات الأميركية المكونة من 6.000 جندي والتي تساعد في القتال ضد “داعش”، ستمكث لبعض الوقت بعد استعادة الموصل. وهو يعرف أنه من دون تواجدها والنفوذ السياسي الذي تشتريه، فإنه سيكون هناك القليل مما يمكن عمله لوقف إيران عن تنصيب حكومة جديدة في بغداد على هواها.
قد تكون إيران تماماً كما وصفها السناتور ليندسي غراهام يوم 19 شباط (فبراير) بأنها “العامل السيئ بكل ما في الكلمة من معنى”. لكنها عامل غني بالموارد. وستنطوي أي محاولة لمواجهتها على مخاطر. ويعتقد المستشار ستيفن بانون، وهو موضع ثقة الرئيس ترامب، بأن الولايات المتحدة منخرطة في نضال حضاري من المرجح أن يفضي إلى “حرب إطلاق نار رئيسية في الشرق الأوسط مرة أخرى”. ويعود الأمر إلى السيد ماتيس والسيد تيلرسن لوضع نهج يضبط إيران، من دون تحقيق هذه النبوءة.
ترجمة: عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد