معركة الموصل المرتقبة ستضع استراتيجية أوباما لاحتواء «داعش» على المحك سيناريوهاتها تؤرق البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأميركية

معركة الموصل المرتقبة ستضع استراتيجية أوباما لاحتواء «داعش» على المحك سيناريوهاتها تؤرق البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأميركية

1424622986453666700

تحاول وكالات الاستخبارات الأميركية والبنتاغون جاهدة تحديد مدى صعوبة استرداد الموصل التي تحولت عاصمة فعلية لـ«داعش» في العراق، مع تكاثف التخطيط لمعركة يبدو أنها ستضع على المحك استراتيجية إدارة الرئيس باراك أوباما لوقف تمدد هذا التنظيم الإرهابي في الشرق الأوسط.

ويكتسب هذا التقييم أهمية محورية في صياغة الخطة والقرارات العسكرية التي سيحتاج الرئيس أوباما لإقرارها في غضون الأسابيع المقبلة، بما في ذلك تحديد ما إذا كان سيتعين على البنتاغون نشر قوات برية أميركية على الأرض لمعاونة الضربات الجوية لقوات التحالف وتقديم النصح للقوات العراقية بخصوص حرب المدن.وحسب مسؤولين أميركيين، تستلزم إعادة السيطرة على الموصل، التي يفوق عدد سكانها مليون نسمة وتعد ثاني كبرى مدن العراق، ما بين 20 ألفا و25 ألف جندي عراقي وكردي لتطهيرها من مبنى لآخر، مع احتمال أن يكون الكثير من الشوارع والمباني مفخخة، علما بأن من المقرر أن تبدأ المعركة في أبريل (نيسان) المقبل.

وتفيد تقديرات أميركية بأنه ما بين ألف وألفين من مسلحي «داعش» يتمركزون داخل المدينة التي تقع على واحد من أهم الطرق التي يستخدمها «داعش» في نقل الجنود والإمدادات إلى شمال العراق من سوريا.

من جهتها، تقول وكالات استخبارات أميركية إنها لا تعلم بعد ما إذا كان مقاتلو «داعش» سيرابطون في المدينة للدفاع عنها حتى الموت، أم سيخافون التعرض لحصار مما يدفع معظمهم للتسلل إلى خارج المدينة باتجاه مدن عراقية أخرى أو عبور الحدود إلى سوريا، مخلفين وراءهم قوة أصغر ومباني مفخخة لجر الجنود العراقيين إلى معركة دموية طويلة.

وقال مسؤول في القيادة الوسطى الأميركية في مؤتمر صحافي بالبنتاغون الخميس الماضي: «ندرس جميع العناصر هناك، مثل الوضع النهائي للعدو داخل الموصل». واستطرد المسؤول: «جميع هذه العناصر ستتعين مناقشتها في التحليل النهائي، ثم سيجري عرضها في نهاية الأمر على الرئيس لاتخاذ قراره بشأنها».

وتواجه خطة استعادة الموصل مجموعة من التحديات. وتقوم الخطة على استخدام 5 من أكثر ألوية الجيش العراقي تمرسا يبلغ إجمالي عدد مقاتليها نحو 10 آلاف جندي من المقرر إخضاعهم لعدة أسابيع من التدريب الخاص، إلى جانب التعاون مع وحدات البيشمركة الكردية، وقوات أخرى، في شن الهجوم الأساسي. بيد أن كلتا القيادتين الأميركية والعراقية أثارت الشكوك حول مدى استعداد القوات البرية العراقية للمعركة، لا سيما أنها استعادت بصعوبة مدنا أصغر بكثير من الموصل.

والتساؤل الرئيسي الذي سيتعين على أوباما الإجابة عنه هو ما إذا كانت التحديات التي تنطوي عليها عملية إعادة السيطرة على الموصل تعني ضرورة وجود فرق أميركية مشتركة للإشراف ميدانيا على الهجوم النهائي حيث يمكن شن ضربات جوية دقيقة. وفي حال نشر مثل هذه الفرق، فإن الاحتمال كبير لأن تتطلب حماية من قوات العمليات الخاصة. كما ستكون هناك حاجة لوجود قوات رد سريع إضافية للتدخل في حالات الطوارئ، إلى جانب فرق طبية ومروحيات حال تعرض القوات الأميركية لقصف بنيران مكثفة، حسبما أوضح قادة عسكريون سابقون.

واستعدادا للهجوم على الموصل، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها إلحاق الضعف بـ«داعش» عبر قطع خطوط إمداده. وبالفعل، تمركزت قوات كردية، مدعومة بقوة جوية تقودها واشنطن، أخيرا قرب مفارق طارق مهمة عند كسكي، الواقعة على بعد 25 ميلا غرب الموصل. وقال مسؤول القيادة المركزية: «يجري حاليا عزل الموصل».

إلى جانب ذلك، اتخذ مسؤولون أميركيون خطوة غير عادية، الخميس الماضي، بإعلانهم عن موعد المعركة وعدد القوات العراقية والكردية المقرر نشرها. وعادة ما تكون مناقشة العمليات العسكرية المستقبلية من المحظورات لتجنب مساعدة العدو، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم فعلوا هذا هذه المرة لزعزعة عزيمة مقاتلي «داعش» ودفع سكان الموصل للانتفاض ضدهم ومعاونة القوات البرية العراقية. ويضيف هؤلاء المسؤولون أن الإعلان عن موعد المعركة قد يدفع كثيرا من مقاتلي «داعش» إلى الفرار مما يسهل استرداد الموصل، لكنهم أقروا بأنهم لا يعرفون على وجه التحديد كيف سيتعامل المسلحون مع هذه المعلومات.

من جهتهم، أعرب بعض الخبراء الذين زاروا العراق أخيرا عن اعتقادهم بأن تصرفات «داعش» في كوباني السورية وناحية البغدادي بمحافظة الأنبار العراقية لا تنبئ بأن مقاتلي التنظيم سيفرون. وقالوا إن «داعش» لن يحاول التشبث بالمناطق التي يسيطر عليها في الموصل فحسب، وإنما سيعمد كذلك لشن هجمات ضد القوات العراقية في أماكن أخرى لتشتيت جهودها. وقال كينيث إم. بولاك، المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والذي يعمل حاليا لدى معهد «بروكينغز»: «سيقاومون بشدة، ولن يحاولوا التشبث بالموصل فحسب، وإنما سيحاولون تخفيف الضغط عبر شن هجمات مضادة في مناطق أخرى».

من جهته، أوضح مايكل نايتس، الخبير بالشؤون العراقية لدى «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، أن قوة «داعش» في الموصل تتركز في الجزء الغربي من المدينة الذي يضم مباني حكومية مهمة، ويهيمن عليه العرب. أما شرق الموصل فيضم أعدادا أكبر من الأكراد. وقال: «أعتقد أنهم سيستمرون في بذل جهود عسكرية متواضعة والاضطلاع بمهام مراقبة وشن غارات على الضفة الشرقية من المدينة حتى يشتعل حماس الأكراد ويندفعوا نحو الأمام، وحينها سيتوجه التنظيم للغرب وينسف الجسور». وأضاف: «إنهم سيقاتلون بجنون دفاعا عن غرب الموصل، وسيحولون المنطقة بأسرها إلى حقل ألغام ضخم».

ومن المتوقع أن يظهر تحد آخر.. فبينما يغلب السنة على سكان المدينة، فإن القوة العراقية المهاجمة من المحتمل أن يغلب عليها الشيعة، الأمر الذي قد يخلق تصدعات مع السكان المحليين. ويمكن أن يشعر السكان العرب السنة بالسخط لدى رؤية أحيائهم تسقط في قبضة وحدات يهيمن عليها الشيعة أو قوات البيشمركة.

ولتفادي هذا السيناريو، تتضمن الخطة المقترحة بناء قوة لحفظ الأمن تتألف من ضباط شرطة سابقين من الموصل ومقاتلين من العشائر العربية السنية، إلا أنه من غير الواضح بعد مدى تزامن هذه الجهود بعضها مع بعض. وقال مسؤول عسكري أوروبي مطلع على بعض الخطط العسكرية: «قد تستعد القوات العراقية للهجوم خلال شهرين، لكن ما سيتبع ذلك ومن سيسيطر على الأرض المحررة، فإن هذا قد لا يقل صعوبة عن المعركة ذاتها».

واشنطن: مايكل آر. غوردن وإريك شميت*

جريدة الشرق الاوسط

* خدمة «نيويورك تايمز»