يميل اتجاهان مألوفان جداً في صنع السياسة والنقاش السياسي نحو نحو صنع التزامات خارجية غير حكيمة، أو نحو القيام باستكشافات خارجية مفرطة في التمدد. أحدهما هو التعامل مع هدف هو في الغالب متوسط، وكأنه غاية في حد ذاته. ويتجاهل القيام بذلك التحليل الواضح للسبل والغايات، ويتغاضى عن الطرق الأخرى لتحقيق نفس الغايات، ويشوه الإحساس بالتكاليف والمزايا المقترنة بإنجاز الهدف المباشر.
الميل الآخر يكمن في إعطاء اهتمام غير كاف لما يأتي بعد تحقيق الهدف الفوري. وعلى المرء أن يستحضر مثال الاهتمام غير الكافي الذي أعطي لما كان سيأتي بعد الهدف المتمثل في إسقاط صدام حسين من أجل تقدير المشاكل المترتبة على ذلك.
ويستطيع المرء أن يضيف ظاهرة ثالثة معروفة بشكل أقل، لكنها تثار أحياناً وتكمن في محاولة الوفاء بوعد حملة انتخابية، لغاية الوفاء بالوعد وحسب.
تبدو كل العوامل الثلاثة حاضرة الآن في موضوع الخطوات التالية التي سيتخذها الجيش الأميركي في سورية لمطاردة “داعش”. ويقول قائد القيادة الوسطى الأميركية بهذا الصدد: “من الممكن أننا نحمل بأنفسنا عبئاً أكبر”. ويأتي تعليقه في غمرة إعداد وزارة الدفاع الأميركية لخطة طلبها الرئيس ترامب، الذي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بالإسراع في إلحاق الهزيمة بـ”داعش”.
بطبيعة الحال، يشكل “داعش” مجموعة مرعبة، ويوافق كل من لا ينتمي إليها على أن العالم سيكون أفضل حالاً من دونها. لكن، وقبل أن تضطلع القوات الأميركية بتحمل أي مشاركة أضخم من عبء قتال المجموعة الإرهابية، ثمة ثلاث حقائق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
الأولى، هي أن شبه الدولة التي يديرها “داعش” في سورية والعراق هي في طريقها إلى الفناء على أيدي قوى منخرطة أصلاً في قتالها. ولا يجب أن يكون هذا الأمر مستغرباً في ضوء افتقار المجموعة إلى الدعم الخارجي، والطرق الوحشية التي أفقدتها أي دعم من جانب المواطنين الذين دخلت في تماس معهم. وليس الموضوع المتعلق بدراسة أي تصعيد مع القوات الأميركية هو ما إذا كانت شبه الدولة ستفنى، وإنما يتعلق فقط بسرعة وتيرة القضاء عليها.
ثانياً، إذا كان اهتمامنا الرئيس هو كيفية تعريض “داعش” أرواح الجنود الأميركيين للخطر من خلال الهجمات الإرهابية، فيجب علينا أن ندرك أن الصلة بين الخطر ومصير شبه الدولة في سورية والعراق كانت دائماً هزيلة في أفضل الحالات، وأقل مما هو مفترض عموماً. وثمة توتر أكثر من الصلة المباشرة بين الإرهاب المتخمر لـ”داعش” في الغرب من جهة، وبين استخدام المجموعة لمواردها المتوفرة للدفاع عن دولتها المسخ من جهة أخرى. وإلى المدى الذي يتجسد معه الإرهاب وراء البحار، فإنه ما يزال إلى حد بعيد مسألة إلهام وأيديولوجية أكثر منه اعتماداً تنظيمياً على قطعة عقار وأملاك في الشرق الأوسط.
ثالثاً، مشكلة “داعش” لن تنتهي عندما يتم القضاء على شبه الدولة. وسوف تستمر المشكلة في شكل الأيديولوجية والإلهام، وربما أيضاً في شكل التمرد الذي خرجت شبه الدولة من بين ثناياه.
تقود هذه النقطة الأخيرة إلى ملاحظة أبعد، مؤداها أنه بالنظر إلى أن الإرهاب المعادي للغرب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط هما المستهدفان، فإن ما يهم أكثر ما يكون ليس السرعة التي يتم بها القضاء على شبه الدولة وسحقها، وإنما الترتيبات التي ستترك على الأرض بعد سحق “داعش”.
مناخ خصب
كلما سادت الفوضى العارمة والنزاعات وحالة عدم اليقين، كلما ظلت الأرض أكثر خصوبة لصعود التطرف الإرهابي، سواء تحت ماركة “داعش” أو تحت أي ماركة أخرى. وأمام باقي القصة السياسية والدبلوماسية والعسكرية للصراع في سورية طريق طويل لتقطعه قبل تقديم بديل أكثر وعداً واستقراراً لما سيلي بعد “داعش”. ولن يكون من المفيد للحملة العسكرية المعادية لـ”داعش” أن تستبق القصة. وليس التسرع في هذه الحالة جيداً بالضرورة.
كل هذا بالإضافة إلى واحدة من أكبر سلبيات اضطلاع القوات الأميركية بدور عسكري أكبر: الوقوع في شباك أيديولوجية ودعاية “داعش” والمتطرفين المشابهين، الذين يوجهون نداء لطلب الدعم، مقرونا برسالة عن كيفية استخدام الولايات المتحدجة لقوتها المسلحة لكي تتدخل في الأراضي الإسلامية ولقتل المسلمين.
هذا المجموع من القضايا سوف يكون اختباراً مبكراً للمستشار الجديد للأمن القومي الأميركي، اتش أر مكماستر. وهو الضابط العسكري المرموق الذي يصب تركيزه الحرفي، من دراسة الحرب في فيتنام إلى ممارسة الحرب في العراق، على استخدام القوة، وكم هو حجم القوة اللازم لتحقيق هدف الانتصار العسكري. وقد يكون ميله الطبيعي، وميل آخرين أيضاً، هو القيام بالاجتثاث الكاسح لدويلة “داعش” كهدف، ومعاملة ذلك كغاية أكثر منه كوسيلة. لكنه كمستشار للأمن القومي يقوم بأداء أكثر كمالاً وحصافة، سيقدم بدلاً من ذلك على توسيع مسألة السياسة، وأخذ الأمور التي ذكرت آنفاً بعين الاعتبار.
بول بيلار
صحيفة الغد