وتحاول أنقرة إغراء موسكو بعدد من الأوراق، منها شراء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي “إس 400” في ما يُعد خرقاً لنظام التسليح التركي الذي يعتمد على حلف شمال الأطلسي، وكذلك عبر مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا والذي تمت الموافقة عليه بالخطوط العريضة، والدفع بشكل أكبر في ما يخص بناء مفاعل أكسويو النووي، بكل ما يحمله ذلك من تغيير الجغرافيا السياسية التركية لناحية تخفيف ميل الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي نحو بروكسل.
ويترأس أردوغان في موسكو الجانب التركي في اجتماعات مجلس التعاون الأعلى التركي الروسي، والذي اجتمع لآخر مرة في عام 2014، ولم يُعقَد مرة أخرى بعد الأزمة التركية الروسية إثر قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. وسيسعى الجانب التركي لإقناع الروس بإزالة بقية العقوبات التي فرضتها روسيا على تركيا إثر الأزمة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
ونجحت موسكو بعد التدخّل العسكري لصالح نظام الأسد في سورية، بالتحول إلى واحدة من أهم القوى اللاعبة على الأرض، بل باتت وجهة لمعظم الدولة الإقليمية بدل واشنطن، إذ تسبق زيارة أردوغان زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يحاول تأمين مصلحة إسرائيل في أي تسوية مقبلة في سورية.
وفي ما يخص تفاصيل اللقاء الذي عُقد في مدينة أنطاليا التركية في وقت سابق، بين رئيس الأركان التركي، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الأركان الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد، ورئيس الأركان الروسي، الجنرال فاليري غيراسيموف، فقد أكد مصدر تركي مطلع لـ”العربي الجديد”، أن هذه الاجتماعات لم تصل إلى أي نتائج نهائية بعد، ويتم رفع التقارير للجانب السياسي لاستمرار المشاورات، مشيرة إلى أن أكار أكد خلال الاجتماعات للأميركيين أن الجيش التركي لن يشارك في أي عملية ضد معقل “داعش” بوجود قوات “الاتحاد الديمقراطي”. وقدّم أكار تصورات مفصّلة لاقتراح أنقرة الخاص بعملية مشتركة تركية أميركية في الرقة لا تستثني القوات العربية في “قوات سورية الديمقراطية” من العملية، وتقدّم دعماً تركياً كبيراً للعملية عبر وحدات المدفعية والقواعد العسكرية التركية. بينما أشار دانفورد إلى أن الخطة الأولى بالنسبة لواشنطن لا زالت الهجوم على الرقة بالاعتماد على “قوات سورية الديمقراطية”، التي يشكل “الاتحاد الديمقراطي” عمودها الفقري، فيما شدد غيراسيموف بدوره على ضرورة تسليم المدينة إلى النظام السوري بعد تحريرها ضماناً لاستقرارها.
وبحسب المصدر، فإن النجاح الوحيد والصغير الذي قد تكون أنقرة حققته خلال اجتماعات أنطاليا، هو كبح جماح واشنطن في دعم “الاتحاد الديمقراطي”، إذ لن يتم تقديم أي عربات مدرعة إضافية أو مدفعية ثقيلة لقوات “الاتحاد الديمقراطي” خلال العمليات، بل ستدخل وحدات أميركية لتقديم الدعم المدفعي خلال العمليات، مشيراً إلى أن الأمور غالباً ستسير باتجاه إقامة عمليات روسية أميركية مشتركة للسيطرة على الرقة.
ويرى مراقبون أن أنقرة تبدو في موقف حرج للغاية بخيارات “أحلاها مر”. وبينما يستبعد بعض المحللين لجوء أنقرة إلى خطتها الأولى باقتحام مدينة تل أبيض من طرف واحد من دون التنسيق مع الأميركيين، لعدم إغضاب واشنطن، يرى محللون آخرون أن أنقرة، ربما، ستلعب في الوقت بدل الضائع للتقرب من موسكو، لدفعها لإخراج قوات “الاتحاد الديمقراطي” من منبج وتسلم المنطقة بالكامل مع النظام، الأمر الذي لا تعترض عليه أنقرة، وأشار إليه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، يوم أمس، قبل توجه أردوغان لموسكو، بعد أن صعّد لهجته ضد الأميركيين.
وبينما انتشرت صور لبعض وحدات القوات الخاصة الروسية في منطقة منبج وهي تضع شارات مجلس منبج العسكري التابع لقوات سورية الديمقراطية، قال جاويش أوغلو “إن لم تخرج قوات الاتحاد الديمقراطي من مدينة منبج، فإننا قد قلنا سابقاً إننا سنضرب قوات الاتحاد الديمقراطي إن صادفناها خلال توجهنا لمنبج، وهذا أمر أكد عليه الرئيس ورئيس هيئة الأركان”.
وأضاف جاويش أوغلو أن “قيام روسيا بنشاطات تستهدف حماية الاتحاد الديمقراطي أو دعمه، ستسبب مشكلة بالنسبة إلينا، وسنعترض على ذلك، ولكن إن عملت على تطهير المنطقة التي ذهبت إليها من الاتحاد الديمقراطي فإننا سنقدم لها الدعم. ما يهمنا هنا هو الاتحاد الديمقراطي الذي هو تنظيم إرهابي لا يقل عن داعش، وتواجد هذا التنظيم على الطرف الآخر من الحدود التركية أمر حساس للغاية لمستقبل تركيا وبالنسبة لنا أيضاً”.
كما يشير مراقبون إلى أن أنقرة قد تعمد للتفاهم مع موسكو لتمدد عملية “درع الفرات” غرباً باتجاه مدينة تل رفعت ومطار منغ العسكري، وصولاً إلى وصل تلك المنطقة مع ريف إدلب، مع تقديم ضمانات بأن لا تُستخدم هذه المنطقة في أي وقت لضرب النظام السوري، عبر إغراء موسكو بالتنسيق مع أنقرة لضرب “هيئة تحرير الشام” بدل أن يقوم النظام بهذا الأمر لوحده بعد الانتهاء من طرد “داعش” من حوض الفرات، وربما للتنسيق في وقت لاحق من خلال وضع اللمسات الأخيرة على الحل السوري بعد انتهاء “داعش” لضمان المزيد من المكاسب للنظام السوري على حساب حليف أميركا، أي “الاتحاد الديمقراطي”. ولكن ذلك سيتطلب من موسكو القبول بوجود “هيئة أحرار الشام” خارج قائمتها للتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي لا يبدو مستحيلاً بعد الانشقاقات الكبيرة التي حصلت عن “أحرار الشام” إثر تكوين “هيئة تحرير الشام” والاشتباكات والتوتر المستمر بينهما.