أعلن صندوق النقد الدولي في 18/ اذار /2017 ، عن ارتفاع ديون العراق من 32 % إلى 64% من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2014-2016، وتباطؤ نمو الائتمان وارتفاع القروض المتعثرة لدى المصارف الحكومية ، مع انخفاض الاحتياطي النقدي بمقدار7 مليارات دولار سنويا.
وعقدت السلطات العراقية وخبراء صندوق النقد الدولي (IMF) مناقشات في العاصمة الاردنية عمان خلال الفترة من 5- 17 آذار 2017 بشأن مشاورات المادة الرابعة لعام 2017، وستكون هناك مراجعة ثانية لاتفاق الاستعداد الائتماني (SBA) مع العراق، البالغة مدته 36 شهراً، والذي وافق عليه المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 7 تموز 2016.
وفي السياق فان صندوق النقد الدولي يمنع موظفيه من السفر الى العراق ويدير جميع اعماله من مكاتبه في العاصمة الاردنية عمان، ويعتمد كليا على ارقام وبيانات الدولة العراقية، الصادرة عن وزارة المالية، وديوان الرقابة المالية، والبنك المركزي .
ويهدف اتفاق الاستعداد الائتماني الى تصحيح ميزان المالية العامة وتوازن المركز الخارجي، وتحسين الإدارة المالية العامة، مع حماية الإنفاق الاجتماعي. وإكمال المراجعة الأولى بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني في 5 كانون الأول 2016.
رئيس بعثة صندوق النقد الدولي كرستيان جوز اكد في بيان حصل مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية على نسخة عنه ان الاقتصاد العراقي تعرض لضرر كبير جراء الصدمة المزدوجة التي سببتها هجمات تنظيم داعش من جهة وانخفاض اسعار النفط من جهة اخرى؛ مما يفرض ضغوطا على موارد البلاد، وحدوث موجات جديدة من النزوح الداخلي، حيث أصبح عدد النازحين داخليا أكثر من 4 ملايين نسمة، ونحو 10 ملايين نسمة فقراء يحتاجون لمساعدات إنسانية، أي حوالي 27% من السكان العراق .
وحسب بيان الصندوق ، ففي عام 2016 كان هناك نمو حقيقي لا جمالي الناتج المحلي بنسبة 11% مدعوم بزيادة كبيرة في انتاج النفط الذي استفاد من الاستثمارات النفطية السابقة، فيما ان الاقتصاد غير النفطي تقلص بنسبة 8% بسبب الصراعات والفساد الاداري.
ويتوقع صندوق النقد الدولي ان يبقى النشاط الاقتصاد العراقي في عام 2017خاملا، بسبب تقلص انتاج النفط 1.5% بموجب اتفاق منظّمة الدول المصدّرة للنفط (الأوبيك)، والتعافي المتواضع للقطاع غير النفطي.
واوضح البيان عواقب وانعكاسات انخفاض اسعار النفط على الاقتصاد العراقي، ومنها انخفاض الاحتياطي النقدي من 53.7 الى 46.5 في عام 2015 – 2016 ، وازدياد الضغوط المالية الكبيرة اذ وصل العجز الحكومي 12% في 2016، بسبب استمرار ضعف أسعار النفط، وارتفاع الإنفاق الإنساني والأمني”.
واشار جو الى ارتفاع الدين العام من 32% الى 64% ، في 2014 -2016 ، من اجمالي الناتج المحلي، كما ان الرصيد الاجمالي الخارجي ويمثل نسبة صافي التدفقات النقدية الاجنبية (الداخلة -الخارجة)الى الناتج المحلي الاجمالي ، هو في وضع مطمئن نسبياً، وتعد من المؤشرات المريحة للعراق حسب وصف الصندوق !
واكد خبراء اقتصاديون ان ميزان المدفوعات ، وإيرادات الموازنة يواجهان ازمة مالية كبيرة من جراء الهبوط الحاد في أسعار النفط، نظرا لاعتمادهما الكبير على إيرادات النفط.
وان الاحتياطي الاجنبي للبنك المركزي العراقي يغطي 8 اشهر فقط، من الاستيرادات في ظل الهبوط المستمر للاحتياطي عن طريق نافذة الفساد في مزاد بيع الدولار، والاستيرادات التي لا تخضع للرقابة ، مما يؤدي حتما الى اختلالات في الاستقرار المالي، و ينذر بانهيار سعر صرف الدينار العراقي.
ولكن التحدي الاكبر هو تراكم الدين الداخلي والخارجي في ظل تزايد الالتزامات الاقتصادية، مما ادى الى تباطؤ نمو الائتمان وارتفاع القروض المتعثرة لدى المصارف المملوكة للدولة والمصارف الخاصة في عام 2016.
وقد اتخذت الحكومة سياسات تصحيح مالي عديدة تركز في معظمها على تقليص النفقات الرأسمالية التي تفتقر إلى الكفاءة مع حماية الإنفاق الاجتماعي، وتوفير التمويل، مؤكدة ان تواصل ربط العملة بالدولار الأمريكي، يتيح ركيزة أساسية للاقتصاد.
الخبير الاقتصادي ومستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح، يرى ان السياسة الإصلاحية للحكومة في الوقت الحاضر والفترة التي مضت وبالذات في ضغط النفقات كانت من اسباب عدم انهيار الرصيد النقدي للبنك المركزي، وثبوته عند هذا الحد رغم تأثيرها المباشر في توقف النشاطات التنموية والخدمية .
واضاف صالح اننا نعمل مع الصندوق في موضوع اسمه DSA اي استدامة الدين او طاقة تحمل الدين دون التأثير على النمو الاقتصادي للبلاد، او الدخول في مخاطر الاخفاقات في تسديد خدمة الدين مستقبلاً، مبينا انه رغم الاطمئنان هناك الكثير من المخاوف على المدى المتوسط، والاشتراطات الإصلاحية على الوضع الحالي والذي نتفق على صعوبة تنفيذها في ظل هذه الظروف الحالية .
وبين ان ربط سعر الصرف بالدولار، وهو ركيزة اساسية هامة، مشيرا الى ان آفاقُ النمو ستبقى على المدى المتوسط متواضعةً بسبب ثبات إنتاج النفط المتوقع، وثبات استثماراته في مواجهة القيود على الإيرادات، والانتعاش المتواضع في النموّ غير النفطي، المدعوم بالتحسّن للوضع الأمني، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
واضاف رئيس البعثة ان العراق بحاجة لمزيد من الإصلاحات لخلق حيّز مالي للنموّ الشامل، وتعزيز بيئة الأعمال، والحدّ من الفساد، وإصلاح القطاع المصرفي لدعم النموّ الذي يقوده القطاع الخاص، والتنويع في الاقتصاد، حالما تنطلق عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد تنظيم داعش”.
واكد “ان المخاطر مرتفعة؛ وهذا ينبع بشكل أساس من عدم اليقين المحيط بآفاق أسعار النفط، والوضع الأمني، وعدم التيقّن السياسي، ومواطن الضعف الإدارية. ”
وعند مراجعة بيان الصندوق الخاص بالوضع المالي العراقي رقم 16/04، نجد انه اعتبر التصحيح المالي للفترة 2016-2019 تصحيحا ملائما لمعالجة الضغوط المالية من انخفاض إيرادات النفط وارتفاع الإنفاق على الاحتياجات الإنسانية والأمنية، ولكن عناصر التصحيح المالي ينبغي تحسينها بالتدريج، لإتاحة المجال أمام إنفاق استثماري أكبر وأكثر كفاءة، ومن الضروري إجراء إصلاح شامل لنظام الإدارة المالية العامة بغية تحسين الانضباط المالي ورفع جودة الإنفاق.
واضاف البيان ان اتفاقية اقتسام الموازنة مع حكومة إقليم كردستان ادى إلى تحسين وضع الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان بما يتيح لهما مواجهة هجمات داعش وأسعار النفط.
ويشير البيان الصحفي رقم 16/321، الصادر عن الصندوق والخاص بالوضع المالي العراقي 2016 ، الى ان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي وافق على اتفاق للاستعداد الائتماني مع العراق بقيمة 3.831 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 5.34 مليار دولار أمريكي، أو 230% من حصة العراق) لدعم برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي، وتتيح موافقة المجلس صرف 455 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 634 مليون دولار أمريكي) للعراق.
وكان العراق حصل في يوليو 2015 على دفعة بلغت 891.3 مليون وحدة حقوق سحب خاصة ، ما بعادل 1.24 مليار دولار أمريكي وقت الموافقة، من خلال “أداة التمويل السريع”.
ويهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يدعمه اتفاق الاستعداد الائتماني إلى سد احتياجات ميزان المدفوعات العاجلة، والوصول بالإنفاق إلى مستوى يتوافق مع انخفاض أسعار النفط العالمية، وضمان بقاء الدين في حدود يمكن الاستمرار في تحملها، وحماية الفقراء، وتعزيز الإدارة المالية، ودعم استقرار القطاع المالي، وكبح الفساد؛ ويتطلب تنفيذ هذه السياسات توافُر الدعم من المجتمع الدولي
وذكر صندوق النقد الدولي في البيان 16/ 540: ” ان برنامج المالية العامة المعدل في 2016 ومشروع موازنة 2017 جاءا متسقين مع ما ورد في اتفاق الاستعداد الائتماني، مشيرا الى انه ينبغي التدرج في تحسين عناصر التصحيح المالي، عن طريق زيادة الإيرادات غير النفطية وتخفيض الإنفاق الجاري – بما في ذلك مدفوعات الأجور ومعاشات التقاعد – وإصلاح قطاع الكهرباء، والدعم، والمؤسسات المملوكة للدولة، لإفساح المجال أمام إنفاق استثماري أكبر ولكنه أكثر فاعلية وكفاءة بما يدعم تحقيق النمو.
وتشمل إجراءات دعم استقرار القطاع المالي تعزيز الإطار القانوني للبنك المركزي العراقي، وإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة، وإلغاء قيود الصرف، و تطبيق إجراءات لمنع غسل الأموال، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز قانون مكافحة الفساد.
وزاد البيان:” انه سيكون من المهم تحقيق تحسن كبير في إدارة المالية العامة، بإعادة تقييم المتأخرات وسدادها بعد التحقق منها، وتعزيز إدارة النقدية والتزامات الإنفاق لمنع تراكم متأخرات جديدة. ” وتشمل إجراءات دعم استقرار القطاع المالي تعزيز الإطار القانوني للبنك المركزي العراقي، وإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة، وإلغاء قيود الصرف، و تطبيق إجراءات لمنع غسل الأموال، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز قانون مكافحة الفساد.
وقال البيان:” تنفيذ اتفاق اقتسام الموازنة مع حكومة إقليم كردستان العراق أن يضع كلا من الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان بوضع أفضل لمواجهة الازمات التي تواجه الاقتصاد العراقي”.
واقترح صندوق النقد الدولي خلال الجلسة المنعقدة في 18/3/2017 عدة مقترحات للتصحيح المالي في العراق ؛ ومنها الاصلاح الاقتصادي والاداري للحد من الفساد ، تعزيز وتهيئة البيئة المناسبة للأعمال والاستثمار، واصلاح القطاع المصرفي والتنويع الاقتصادي اي تنويع مصادر الدخل، ودعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص ، وبالأخص ان البلد مقبل على مرحلة الاعمار لما بعد الحرب على داعش .
وطالب الصندوق بالالتزام بتعديل قانون هيئة النزاهة الحالي لكي يتوافق مع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، والمسودة الجديدة في طور التشريع، وتعديل قانون البنك المركزي يشكل يقوي الرقابة الداخلية للعمليات المالية ، بما ينسجم مع معايير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فضلا عن ان برنامج الاستعداد الائتماني للصندوق يتابع تعديل قانون الادارة المالية ، جميع تلك التعديلات هي لمحاربة الفساد.
ويشير خبراء الى اصرار مراكز القوى في العراق لابقاء الفساد وحالة الفوضى خصوصا في الجانب المالي و الاداري، التي من مظاهرها:
– التضارب في اعداد موظفي مجلس النواب، اذ يقول رئيس اللجنة المالية بالمجلس النائب محمد الحلبوسي عدد الموظفين 3000 موظف ، بينما عضو اللجنة المالية رحيم الدراجي يقول انه بعد عمل احصائي دقيق تبين انهم 1950 موظفا؛ مما يعني ان هناك فارقا كبيرا هو 1050 موظفا.
– تصريح لرئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الدفاع السابق خالد العبيدي، اكدا فيه وجود 40 الف فضائي في القوات المسلحة.
– التخصيص ضمن الموازنة لعام 2017 مبلغ 588 مليون دولار امريكي للأوقاف رغم ان ديوان الاوقاف الذي هو مصدر من مصادر الدخل القومي، للصرف على المستحقين من الرعاية الاجتماعية له دخول مرتفعة من خلال اموال الاوقاف المنقولة و غير المنقولة التي تركها و ما زال يتركها المحسنون من اموالهم بعد الوفاة او في حياتهم و كذلك من ريع المزارات ، والاضرحة ، والجوامع، وحسب وزارة التربية فان تكلفة بناء مدرسة نموذجية هي مليار دينار عراقي ما يعادل ٨٤٤ الف دولار امريكي ، موازنة الاوقاف لليوم الواحد تكفي لبناء مدرستين نموذجيتين في اليوم اي ٧٢٠ مدرسة في السنة.
وتبقى المخاطر على الاقتصاد العراقي قائمة بسبب عدم التيقن او التنبؤ بأسعار النفط والوضع الامني ، والضعف الاداري السياسي في البلد .
وتابع المبعوث أن “السلطات العراقية وخبراء صندوق النقد الدولي بدأوا مناقشات بشأن المراجعة الثانية لاتفاق الاستعداد الائتماني”، موضحا ان “المناقشات ستستمر خلال اجتماعات الربيع المقبلة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الفترة بين 21-23 نيسان 2017 في واشنطن العاصمة”.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية