التقارير التي تحدثت عن قيام روسيا بنشر قوات خاصة في قاعدة عسكرية في مصر من أجل مساعدة جنرال الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، لم تكن مفاجئة تماماً. كما لم يكن النفي الروسي الرسمي لصحة هذه التقارير مفاجئاً أيضاً. فبعد كل شيء، استرشدت التغطيات الإعلامية للأعمال السرية دائماً بقاعدة جورج شولتز: “إذا نفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية الأمر، فهو منفي”.
لكن التقارير تبدو صحيحة. فلم تجعل روسيا سراً كبيراً من مسألة دعمها للجنرال حفتر، الضابط العسكري الليبي المشاكس الذي كان قد عمل مع الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي خلال انقلاب العام 1969، وعمل بشكل متقطع مع السوفيات تارة ومع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تارة أخرى. وفي العام 2011، قام بدور المفسِد للجهود الغربية من أجل إضفاء الاستقرار على ليبيا.
ومع حلول العام 2017، أعاد حفتر ابتكار نفسه كمقاتل ضد “الإرهابيين الإسلامويين المتطرفين” وقائد للجيش الوطني الليبي -القوة التي تسيطر على معظم شرقي ليبيا. وتصطف هذه القوة بشكل فضفاض مع البرلمان الليبي المنشق في طبرق (انتخب في العام 2014)، والذي لا يعترف بسلطة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فايز السراج، والتي تتمتع بدعم الأمم المتحدة.
في تموز (يوليو) وتشرين الثاني (نوفمبر)، قام حفتر بزيارتين رفيعتي المستوى لموسكو. وهناك، تلقى معاملة زوار السجاد الأحمر، والتقى بصناع سياسة رئيسيين، بمن فيهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، ووزير الخارجية سيرجي شواغو، وأمين المجلس الأمني الروسي نيكولاي باتروشيف.
وعلى الرغم من أن تفاصيل تلك المباحثات لم تنشر، فإن من الواضح أن البحث تطرق إلى دعم قوات حفتر من أجل السيطرة على كل ليبيا واستعادة الاستقرار والحكم المركزي تحت حكم نوع من الدكتاتورية العسكرية.
كما تطرق البحث في الاجتماعات إلى النظر في ما تريده روسيا في المقابل -صفقات أسلحة وطاقة. ولا يغيب عن البال أن موسكو ما تزال تتألم بسبب خسارتها عقوداً عسكرية وتجارية بقيمة تجاوزت 4 مليارات دولار كانت قد أبرمتها مع معمر القذافي بوسطاة بوتين في العام 2010.
وهكذا، يوم 11 كانون الثاني (يناير)، اعتلى حفتر حاملة الطائرات الروسية “الأدميرال كوزنتسوف” أثناء رحلة عودتها من مهمات قصف في سورية، للتوقيع على طائفة من الاتفاقيات مع الجيش الروسي، والتي لم يتم كشف النقاب عنها. وبينما كان على متن حاملة الطائرات، عقد مؤتمراً بواسطة الفيديو مع الوزير شواغو. وكان ذلك دليلاً قاطعاً على اعتبار حفتر واحداً من الأصول الروسية الرئيسية في ليبيا.
تبدو غزوة روسيا العسكرية في ليبيا معقولة من منظور سياسي. فإذا كسب حفتر كل شيء في ليبيا واستعاد دكتاتورية على غرار دكتاتورية القذافي، فسيكون ذلك بمثابة قلب صادم لاتجاهات انتفاضة العام 2011 الليبية، ونتائج التدخل العسكري الغربي الذي أطاح بالعقيد الدكتاتور على الرغم من الاعتراضات الروسية. وأي استعراض لقدرة روسيا على إحباط الجهود الغربية في تغيير النظام وترويج الديمقراطية في ليبيا يمكن أن يكون أفضل من هكذا إجراء؟
ولكن، هل يمكن اعتبار الرهان على حفتر رهاناً في محله؟ تحاول موسكو أن تبيع دعمها لحفتر على الغرب باعتبار أنه سيكون أفضل طريقة لاستعادة الاستقرار في ليبيا وكبح تنظيمي “داعش” و”القاعدة” ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ومنع انتشار الأسلحة ووصولها إلى المجموعات الإرهابية في إفريقيا.
كما أنها تحاول إقناع أوروبا بأن حفتر هو الحل المختصر لسيطرة فعالة على الحدود. لكن نفوذ الجنرال قد يكون محدوداً مع ذلك. فجيشه الوطني الليبي ليس جيشاً ولا وطنياً. ولا يوجد أمام الائتلاف الفضفاض المكون من مليشيات الرعاع المحلية المتمركزة حول بنغازي أي طريق واضح لتحقيق الانتصار على الحكومة في طرابلس.
سوف يتطلب تحقيق حفتر انتصاراً في ليبيا إلى وضع برنامج روسي للتدريب والتجهيز، وزج قوات عمليات خاصة روسية ومستشارين عسكريين على الأرض من أجل تنسيق الضربات الجوية. وكل ذلك يعتبر في الوقت الراهن غير قانوني.
سوف يكون حفتر من هذا المنظور “تمرداً” و “مفسداً”. ومن المرجح أن ينظر اللاعبون الدوليون الرئيسيون إلى الهجوم المعاكس المحتمل الذي قد يشنه حفتر على طرابلس باعتبار أنه وصفة لحرب أهلية شاملة، والتي سيكون من شأنها أن تدفع بالمزيد من اللاجئين إلى أوروبا.
وكان الاتحاد الأوروبي والجزائر قد طلبا من روسيا المساعدة في التوسط لعقد صفقة بين حفتر وحكومة الوفاق الوطني، والتي تنص على الاعتراف بحفتر كوزير للدفاع. وقد أثنى السراج على الخطة في شباط( فبراير) الماضي، وأبدت روسيا اهتماماً بها. لكن حفتر رفض الانسجام مع هذا الخط. والآن، رفعت روسيا قيمة رهانها بنشرها مشغلي قوات خاصة لدعم حفتر.
يبدو الأمر كما لو أن روسيا تدير سياستين منفصلتين في ليبيا. فمن جهة، تبدو وزارة الخارجية أكثر ميلاً إلى تبني “خيار المصالحة” المدعوم من الاتحاد الأوروبي، وحيث يكون حفتر جزءاً من الحل، وليس “الحل”.
لكن وزارة الدفاع والبعض في الكرملين يدفعون “ببسالة” نحو تبني برنامج دعم عسكري شامل لحفتر لضمان سيطرته وحده على كل البلد. وسوف يؤدي هذا إلى تهميش الغرب وإلى تعظيم “خيارات جني النقود” الروسية المستقبلية إلى الحد الأقصى.
من الواضح أن هذين النهجين يتعارضان مع بعضهما بعضا بشكل ما، إلا إذا عملت وزارة الخارجية ببساطة على توفير غطاء “لمشغلي” وزارة الدفاع. ونحن على وشك أن نعرف.
فلاديمير فرولوف
صحيفة الغد