البيت الأبيض يعود للخيارات الأميركية التقليدية في الشرق الأوسط

البيت الأبيض يعود للخيارات الأميركية التقليدية في الشرق الأوسط

تولى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه والجيوبولتيك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي يغلي بتغيرات يرى ترامب أنه آن أوان إخماد نيرانها التي اتخذت نكهة استقطاب طائفي حاد.

لو شاء المراقب أن يصف المنطقة منذ تولى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما منصبه عام 2009 لأمكنه أن يوجزها في: اتساع رقعة الإرهاب واتساع الخلاف حول تعريفه وبزوغ ما يسمى بـ”الربيع العربي” وانهيار الكثير من الأنظمة العربية وشيوع الاستقطاب الطائفي وتعاظمه وهروب المكوّنات الصغرى من المنطقة وتعاظم النفوذ الإيراني التركي في الساحة العربية وانهيار مستمر لأسعار البترول وتراجع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن واجهة المشهد خلف تفاصيل محلية صغيرة.

فهل تعني توجهات دونالد ترامب، المثير للجدل في كل شيء، أنه سيغير هذه الحقائق؟ من الصعب التكهن بهذا خلال الأيام المئة الأولى لرئاسته، والتي مضى تقريبا نصفها، لكن يمكن للمراقب أن يسجّل مجموعة تغيرات جرت منذ الأيام الأولى وهي تنبئ بتغيرات في مشهد المنطقة الجيوسياسي العالمي.

* تبرئة حسني مبارك: بعد أخذ ورد دام سنوات، وافق النائب العام المصري في الثالث عشر من مارس 2017 على إخلاء سبيل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بعد قرابة أسبوعين من تبرئته نهائيا من اتهامات بالتورط في قتل متظاهرين عام 20111.

ونفس السلطة القضائية المصرية كانت قد عاقبت حسني مبارك في يونيو 2012 بالسجن المؤبد بعد أن أدانته بتهم تتصل بقتل 239 متظاهرا. ولكن محكمة النقض اعترضت.

وما جرى ليس بعيدا عن أروقة السياسة. ولكي يبدو المشهد متوازنا، أفرجت السلطات المصرية، قبل الإفراج عن مبارك، عن الناشط السياسي البارز أحمد ماهر، مؤسس حركة 6 أبريل المعارضة، التي شاركت في إطلاق ثورة 25 يناير 2011 من ميدان التحرير. وذلك بعد قضائه ثلاث سنوات في السجن، إلا أنّه مطالب بأداء عقوبة المراقبة التكميلية لثلاث سنوات.

*مصالحة دامية في ظل بقاء بشار:لا المعارضة حسمت الموقف، ولا الكرد نالوا حكما ذاتيا بحجم الاستقلال، ولا بشار وحزب البعث تنحيا عن السلطة. لكن الحقيقة الواضحة أن سوريا التي يعرفها العالم تغيرت. إذ يقدّر عدد من هاجروا وهُجّروا بنحو 9 ملايين سوري، وهو رقم لا يمكن الوثوق بدقته، فيما عمّ الخراب والموت والدمار في كل مفاصل البلد. والمشهد اليوم، بعد ست سنوات من انطلاق الغضب الشعبي في 15 مارس 2011، أن تركيا والولايات المتحدة وحلفاءها العرب لم يعودوا يتحدثون عن رحيل بشار الأسد، بل حتى المعارضة السورية تراجعت عن التمسك بهذا الطلب كحل مفصلي للصراع.

الصحفي والإعلامي الكردي السوري عارف جابو تحدث لـ”العرب”، مؤكدا “أنّ إدارة ترامب ستتعامل مع الأزمة السورية بشكل مختلف عن مقاربة إدارة أوباما لها. أولوية الإدارة الأميركية الجديدة هي محاربة تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية وهي مستعدة للتعامل والتحالف مع أيّ طرح حتى أولئك الذين لم تكن الإدارة السابقة تقبل بالتعامل معهم، كما أنها مستعدة لإرسال جنود أميركيين للمحاربة على الجبهات وليس خبراء ومدربين فقط”.

تطورات بعد وصول ترامب إلى السلطة

-مصر تعيد الاعتبار لمبارك وتطلق سراحه

-سوريا تسير إلى تسوية تفرض بقاء الأسد

– التصعيد الأردوغاني ضد أوروبا قد ينهي حلم الإخوان في تركيا

– ليبيا، تحالف دولي مع حفتر، وانتصارات قاعدية على الأرض

-اليمن لا شيء سوى المزيد من النزف والدمار والجوع في ظل تمادي الحوثيين

ولكن هذه الرؤية لا تعني أنّ الحرب ستتوقف قريبا، فكثير من الخبراء يرون أنّ “الحرب في سوريا ستستمر وإن بوتيرة مختلفة”، ما يعني أنّ “السلام الفوري” لا يبدو قريبا وسط التغيرات العميقة التي طرأت على النسيج الاجتماعي السوري وعلى طموحات المعارضة السورية، وهو ما تحدث به قيادي معارض سوري لـ”العرب”، رافضا الكشف عن اسمه.

بيّن المعارض السوري أنّ تنظيم داعش ليس له مستقبل في سوريا، لكن جبهة النصرة (فتح الشام حاليا) وضعها مختلف، وهي التي ستشكل الخطر المستقبلي، حيث أن معظم عناصرها وقياداتها من السوريين، ولها حاضنة شعبية وحلفاء من فصائل إسلامية أخرى.

* المجتمع الدولي مع حفتر : ليبيا هي المثال الوحيد في الربيع العربي الذي شهد تدخلا أميركيا مباشرا. لكن التحالف الغربي اليوم ومعه الولايات المتحدة الأميركية يضع ثقله مع المشير خليفة حفتر، كما انضم إلى تحالف روسيا التي دخلت نهاية عام 2016 على خط التحالفات مع حفتر وأرسلت حاملة طائرات إلى طبرق، ما أتاح لقائد الجيش الليبي إجراء مباحثات عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على سطح الحاملة.

اليوم، بات الغرب والشرق إلى جانب حفتر، وهو ما فسّره حسني اعبيدي، الباحث والخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقوله في تصريح لقناة دوتشي فيلله الألمانية إن “هناك فراغا استغلته روسيا، كما استغلت عجز الدول الأوروبية عن إيجاد أرضية مشتركة للعمل في ليبيا، ما سهّل المقاربة الروسية للمشهد الليبي”.

* الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: رغم تفاقم الوضع الاقتصادي في غزة، ورغم اتهامات كثيرة بالفساد وسوء الإدارة توجه للسلطة الفلسطينية في رام الله، ورغم الدعوات الفلسطينية والعربية والدولية لرأب الصدع بينهما، فإن التباعد بينهما يبدو سيد الموقف في المرحلة القادمة. مقابل كل ذلك فإنّ إسرائيل ما برحت تعلن أنها مع حل الدولتين لكنها تسأل “مع من نعلن حل الدولتين، ومع من نتفاوض، إذا كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك سلطة على حماس؟”.

لكن كل هذا يبدو في طريقه للتغيير، حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقائه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو “أنا أنظر إلى حل الدولتين، بنفس القدر الذي أرى فيه حل الدولة الواحدة، وأؤيد الطريق الذي يتفق على جدواه كلا الجانبين”. وتبع ذلك بتوجيه دعوة الى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لزيارة واشنطن.

الصحفي والإعلامي الفلسطيني أدهم مناصرة تحدث لـ”العرب” عن رؤياه للتغيرات وأثرها على المشهد الفلسطيني مشيرا إلى أنها “لن تُلقي بظلالها كثيرا على الحالة الفلسطينية الداخلية، فالمشهد المتمثل في سيطرة حماس على قطاع غزة سيستمر مقابل سيطرة السلطة الفلسطينية المنبثقة عن منظمة التحرير على الضفة الغربية، نظرا لاعتبارين اثنين؛ أولهما: حالة التوافق التي تجمع النظام المصري ومعه الإقليم واسرائيل وبعض دول العالم إزاء ضرورة المحافظة على الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية، وثانيهما أن هناك وجهة نظر شبه دولية تدعو إلى ترويض حركة حماس وتسييسها لا إنهاء حكمها في غزة”.

* من القوميين إلى الحوثيين: طالت الحرب اليمنية التي انبثقت عن الربيع العربي، فيما المجاعة تجتاح البلد الفقير بشكل يقرع ناقوس خطر عالمي. وعن التطورات في المستقبل يقول أحد المختصين في الشأن اليمني، إن “دول الخليج لن تسمح بقيام دولة حوثية لأنها ترى في قيام مثل هذه الدولة المدعومة من إيران تهديدا لأمنها القومي، ولكن قد يتمتع الحوثيون بامتيازات في إطار إقليمهم الفيدرالي في أقصى شمال اليمن في نهاية المطاف”.

وربما يدور في كواليس السياسة الأميركية اليوم أنّ عودة الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى واجهة المشهد قد يعيد لليمن لقبه “السعيد”، لكن هذا الرأي لا يحظى بدعم يمني، فصالح الذي حارب الحوثيين بات معهم، ويتوقع أن ينقلب ضدهم مرة أخرى، وعبدالله صالح الذي لجأ إلى السعودية بعد إصابته انقلب خصما لها، وبالتالي فمن غير المرجّح أن تغامر إدارة ترامب بإعادته إلى المشهد لا سيما أنّ هناك جيشا يمنيا مسلحا يحارب قوات علي عبدالله صالح وهو مدعوم جويا بترسانة الخليج الحديثة.

وردا على سؤال “العرب” إلى أين يسير اليمن في ظل التغيرات الدولية الجديدة” يقول الصحافي والإعلامي اليمني علي المخلافي “اليمن يسير إلى دولة اتحادية فيدرالية تعددية، لا سلطة فيها لحكم فرد، سواء أكان عائليا عسكريا تسلطيا (الرئيس السابق صالح) أم كهنوتيا إماميا سلاليا (قبيلة الحوثي)، وذلك لأن أوراق الضغط لهذين المشروعين هي عسكرية بامتياز. والمشهد العسكري العام على الأرض هو اندحارهما ولو ببطء، وكذلك نظرا لأن أغلب الأحزاب السياسية اليمنية اليسارية والوسطية واليمينية ومعظم المستقلين يؤيدون قيام دولة اتحادية لجميع اليمنيين على اختلاف أطيافهم، غير مطبوعة بلون واحد”.

في مطلع عهد الرئيس ترامب، نفذ الطيران الأميركي غارة جوية على أهداف في اليمن، وقبل الغارة كان الرئيس ترامب قد ظهر على قناة فوكس نيوز، مؤكدا “أنّ إيران سيطرت على المشهد في اليمن”، لكنّ نتائج الغارة لا تكشف عن تصور ايجابي أميركي محتمل لوضع نهاية للنزيف والخراب والجوع في اليمن.

انطلاقا من هذه الدول يبني ترامب ركيزة سياسته الخارجية وما ستشهده من تطورات في المرحلة القادمة سينعكس على موقع الولايات المتحدة الأميركية الذي انحسر إلى أدني درجة في السنة الأخيرة من حكم خلفه باراك أوباما، مثلما سينعكس على وضع المنطقة وأدوار إيران وتركيا وروسيا، التي صعدت في السنوات الأخيرة على خلفية ما تشهده دول مركزية في المنطقة من انهيار وتدهور للإدارة الأميركية السابقة دور كبير في التسبب فيه.

ملهم الملائكة

صحيفة العرب اللندنية