واشنطن – لم تمر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تنفيذ ما وعدت به من إجراءات كبرى تمس أساسيات السياسة الأميركية في مناطق مختلفة من العالم، واستغرق عملها في تفاصيل صغيرة مثل حظر مسافرين من بعض الدول من دخول الولايات المتحدة، وتتبع نوعية الأجهزة التي يسمح باصطحابها داخل مقصورة الطائرة.
وأثار قرار البيت الأبيض بمنع مواطني عشر دول عربية وإسلامية من اصطحاب أجهزة إلكترونية داخل مقصورة الطائرة تساؤلات حول مدى قدرة إدارة ترامب على تنفيذ الوعود الكبرى التي قطعتها للخروج بالولايات المتحدة من عثرات عصر الرئيس السابق باراك أوباما، في وقت تركز فيه الإدارة الجديدة كل جهدها على قضايا هامشية.
وأعلنت واشنطن منع حمل أجهزة إلكترونية داخل مقصورات لطائرات تسع شركات طيران قادمة من عشرة مطارات دولية في دول عربية وتركيا إلى الولايات المتحدة بسبب مخاطر من حدوث اعتداءات إرهابية.
وثمان من الدول المعنية بهذا القرار هي حليفة أو شريكة للولايات المتحدة، وهي الأردن ومصر وتركيا والسعودية والكويت وقطر والإمارات والمغرب.
وقال مسؤولون أميركيون إن شركات الطيران المعنية التي تسير رحلات نحو الولايات المتحدة أمامها مهلة 96 ساعة “أربعة أيام” اعتبارا من الثلاثاء لمنع ركابها من حمل أجهزة إلكترونية أكبر من هاتف نقال.
وأضاف المسؤولون أن كل الأجهزة الإلكترونية مثل الكمبيوتر المحمول والأجهزة اللوحية وآلات التصوير يجب أن توضع في حقائب الأمتعة التي تشحن في الطائرة.
ويرى متابعون للشأن الأميركي أن تركيز إدارة ترامب جهودها على مثل هذه القضايا التفصيلية الصغيرة يبدد آمال الأميركيين فيها خاصة ما تعلق بتصويب أسباب تراجع الولايات المتحدة في ملفات مختلفة.
وأشار المتابعون إلى أن ترامب، إلى حد الآن، يطبع أداء الإدارة الأميركية بمزاج شخصي ويغرقها في تفاصيل لا تتناسب مع ثقل دورها، مثل السعي للالتفاف على قرار قضائي بإبطال حظر دخول مواطني سبع دول عربية وإسلامية بحظر أجهزة إلكترونية بأحجام صغيرة من مقصورة الطائرة.
سايمون كوبر: ترامب سيكون بحاجة إلى العثور على طرق أخرى لجعل أميركا عظيمة
والمثير للتساؤل أن الأمر يتعلق بالطائرات والرحلات الجوية المعنية والمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، ولكن ما إن تحط الطائرة على التراب الأميركي، يكون ما في مقصورة الطائرة وما هو مشحون من أمتعة موجودا على الأرض ويمثل نفس الخطر، فأين الحكمة في كل هذا؟
ولا يقوم هذا الحظر الاعتباطي على محاذير جدية، وهو لا يعدو أن يكون مجرد تشكيك بإجراءات أمنية لدى دول معروف عن الكثير منها أنها متشددة في إجراءات المراقبة، وأن لا تأريخ للإرهاب على خطوطها الجوية.
ولم يستبعد هؤلاء المتابعون أن يكون الأمر كله مفتعلا وهادفا إلى التغطية على عدم وجود استراتيجية واضحة للولايات المتحدة للخروج من عثرات عصر أوباما والعودة إلى الواجهة الدولية كقوة عظمى.
ويعتقد على نطاق واسع أن إدارة ترامب لم تدخل بعد إلى الملفات الكبرى، وأن الأمر مرتبط بتشدد الرئيس الأميركي وسعيه إلى فرض أفكاره على مستشاريه، وهي أفكار تميل إلى معاداة الآخر وتضخيم الأنا الأميركية في تناقض كامل مع دور واشنطن في ريادة العالم.
واعتبر المحلل السياسي سايمون كوبر “أن ترامب سيكون بحاجة إلى العثور على طرق أخرى لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى. لقد زاد وتيرة هجمات الطائرات دون طيار بنسبة 432 في المئة عما كان في رئاسة أوباما، وهو يطور اهتماما أميركيا مبكرا بفكرة الهجمات النووية المحدودة التي يمكن أن تستثني الآلاف من الأشخاص عن طريق التحذير”.
وتوقع كوبر في تقرير له بصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية أن ترامب لن يصنع هذا المستقبل، موضحا “ربما يتصور أنه سيكون الفارس الذي يقود حصان التاريخ، إنه يتمسك بالحصان من أجل حياة عزيزة في الوقت الذي يحمله في اتجاهات لم يكن يتصورها أبدا”.
وتتجه الولايات المتحدة برئاسة ترامب إلى انغلاق في الهوية وضيق بالمختلف في ضوء الخطر الإرهابي الذي أنتجته أدبيات مجموعات إسلامية متشددة استفادت من الحرية في الغرب ثم انقلبت عليه.
وقال المسؤولون الأميركيون إن القيود الجديدة أثارتها تقارير تفيد بأن جماعات إرهابية تريد تهريب عبوات ناسفة في أجهزة إلكترونية، وأن المعلومات تم جمعها من غارة لقوات خاصة أميركية في اليمن في يناير استهدفت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بما في ذلك تقنيات صنع القنابل.
وتميزت الحملة الانتخابية لترامب بمواقف حادة أعلن خلالها أن سياسته “ستضع دائما مصالح الشعب الأميركي وأمن الأميركيين فوق كل اعتبار. سيكون هذا أساسا لأي قرار أتخذه. أميركا أولا سيكون شعارا رئيسيا ومسيطرا في إدارتي”.
ولن تكون دول الشرق الأوسط وحدها المستهدفة من خلال شعار “أميركا أولا”، فقد باتت الصين هدفا لانتقادات الإدارة الأميركية الجديدة التي تتهمها بالمساهمة في القضاء على الوظائف في الولايات المتحدة من خلال صادراتها الرخيصة.
ولم يخف ترامب غضبه خلال لقائه الجمعة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من استراتيجيتها بشأن ملفي التبادل الحر والهجرة.
العرب اللندنية