أوشكت الحربان الأهليتان في العراق وسورية على أن تضعا أوزارهما. وفي كلتا الحربين كسب الشيعة -بفضل الجيش الأميركي في الجزء الضخم منه في حالة العراق، وبفضل التدخل العسكري الروسي في سورية. ومع ذلك، فإن روسيا والولايات المتحدة ليستا حليفتين في الشرق الأوسط. على الأقل ليس الآن.
قد يتفق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الروس والشيعة في نهاية المطاف، لكنه لا يبدو وأنه فكر في هذا الموضوع كثيراً بعد. ولذلك، ما تزال الولايات المتحدة ما تزال تتبع في الوقت الراهن الخط الذي كان قد رسمه باراك أوباما.
وكان أوباما قد صمم على عدم إرسال قوات أميركية إلى أتون حرب شرق أوسطية أخرى. وحتى مع توسيع المتطرفين السنة في “داعش” سيطرتهم، ومن ثم استيلائهم على الكثير من العراق، فقد قصر أوباما التدخل الأميركي على تدريب قوات محلية ونشر قوة جوية أميركية.
في العراق، كانت القوات التابعة للحكومة شيعية في غالبيتها (كما هو حال معظم المواطنين). وكان الدعم الأميركي كافياً من دون إقحام قوات أميركية في القتال البري. ويمر الجيش العراقي راهناً بالمراحل النهائية لاستعادة الموصل، عاصمة متشددي “داعش” في العراق، والتي هي مدينة سنية في سوادها الأعظم. ومع ذلك، لم يسجل ارتكاب مجازر ضد السنة هناك، ولم يقع سوى نزر يسير من الخسائر بين الأميركيين.
وفي سورية، عارضت الولايات المتحدة بشدة نظام الرئيس بشار الأسد الذي يسيطر عليه الشيعة، لكنها لم تخض قتالاً ضده. ووجد أوباما حلفاء محليين يقومون بخوض الحرب البرية ضد “داعش”، في شكل الأكراد السوريين. وهم من السنة، لكنهم يبدون اهتماماً أكثر بقيام دولة كردية منفصلة مما يهتمون بإقامة سورية تحت حكم سني.
وقد عمل ذلك التعاون أيضاً. فمع التدريب والدعم الجوي الأميركيين، استطاع الأكراد السوريون رد “داعش” على أعقابه على نحو ثابت، وأصبحوا الآن يطبقون على الرقة، عاصمة “داعش” في سورية. وفي كل ذلك الوقت، رفض أوباما اختيار جانب ليصطف معه من بين الشيعة والسنة، في ما يراه معظم العرب حرباً شيعية-سنية.
بل إن أوباما استطاع الحفاظ على تحالفات أميركية تقليدية مع العربية السعودية وتركيا، على الرغم من حقيقة أن هذين البلدين اللذين يحكمهما نظامان سنيان ملتزمان، كانا يرسلان أموالاً وأسلحة للمتطرفين في “داعش” و”جبهة النصرة”. واستطاع أوباما -وبنجاح- أن يسير على ذلك الخط الرفيع في الشرق الأوسط طوال ست سنوات كاملة.
من المشكوك فيه أن ترامب يتوافر على المهارة والمعرفة والصبر للاستمرار في السير على ذلك الخط. وتنصب غريزته على معاملة إيران كأخطر عدو لأميركا في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يسعد العربية السعودية بالتأكيد. لكن إيران هي حليف روسيا في الحرب السورية، ولدى ترامب ميل إلى التقرب كثيراً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وثمة مشكلة مشابهة مع تركيا. فمن جهة، تعتبر تركيا حليفاً مهماً لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد أرسلت جيشها إلى داخل سورية فيما يبدو ظاهرياً أنه للمساعدة في تدمير “داعش”.
ومن جهة أخرى، يحكم تركيا حاكم سلطوي ومستبد، رجب طيب أردوغان، وهو الصورة المصغرة لترامب، والذي يكيل الإساءات لكل شخص يتعارض معه (وصف الألمان مؤخراً بأنهم “نازيون” ووصف الهولنديين بأنهم “فلول النازية وفاشيون”).
في العام 2015، قام أردوغان عمداً باستئناف حرب ضد الأقلية الكردية في تركيا، بغية اجتذاب ناخبي الجناح اليميني، وكسب بذلك انتخابات قريبة. والآن أرسل قواته إلى داخل سورية بزعم المساعدة في تدمير “داعش”، لكنه أرسله في الحقيقة بهدف سحق الدولة الجنينية للأكراد السوريين في مهدها، والتي يعكفون على بنائها في عموم شمالي سورية. وكان هؤلاء الأكراد يشكلون أوثق حليف لأميركا ضد “داعش” على مدى سنوات.
بل إن هناك قوات تركية متواجدة في شمالي العراق (من دون إذن)، وقد هدد أردوغان باستخدام هذه القوات إذا أساء الجيش العراقي معاملة العراقيين السنة خلال استعادة مدينة الموصل. ورد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في تشرين الثاني (نوفمبر) بالقول: “نحن لا نريد خوض حرب مع تركيا… أما إذا اندلعت مواجهة ما فنحن لها”.
اختط أردوغان خطاً مشاكساً، ولا تحد المصالحة الأخيرة الهشة تماماً، والتي توصل إليها مع الروس من تصرفاته. ويشرف البلدان، سوية مع إيران، على وقف مترنح لإطلاق النار في سورية، لكنهما لا يشتركان في نفس الأهداف، وهما ليسا حليفين في الحقيقة.
إلى داخل كل هذا التعقيد العنيف، يدخل الرجل/ الصبي ترامب، بجهله لكامل الطيف، ومدى انتباهه القصير والمزاج الأكثر حدة. ومما لا شك فيه أن مرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، الجنرال مايكل فلين (الذي أعفي من منصبه لاحقاً) كان قد نصحه حتماً بدعم طموحات تركيا، لكن فلين اضطر إلى الاستقالة، وكُشف النقاب عن أنه كان يتقاضى أموالاً من الحكومة التركية.
إذا دفأ ترامب العلاقات مع الروس بدلاً من ذلك، فإنه سوف يقبل بعلاقة وثيقة مع نظام الأسد الوحشي في سورية (ولا مشكلة هنا)، وإنما أيضاً مع حليف روسيا الرئيسي في سورية، إيران، (يحتمل أن يكون مشكلة كبيرة).
لكن من المرجح أن تنفجر الصراعات الكامنة المختلفة وتشتعل بينما تترنح الحربان الأهليتان الكبيرتان في العراق وسورية ذاهبتين إلى نهايتيهما. وسوف يضطر ترامب عندئذٍ إلى أن يقفز إلى جانب بطريقة أو أخرى.
غوين داير
صحيفة الغد