اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي توعد اثناء لقائه بالجنود الامريكيين في الكويت بالقضاء على “الدولة الاسلامية” وهزيمتها ولم يستبعد ارسال قوات برية امريكية، لكنه لم يقل كيف سيتحقق هذا الهدف.
لا خلاف على ان “الدولة الاسلامية” باتت تشكل خطرا على حكومات المنطقة جنبا الى جنب مع المصالح الامريكية بالتالي، وتبث الرعب في نفوس وقلوب مئات الملايين من المسلمين، بسبب اعداماتها الوحشية لخصومها وللابرياء في الوقت نفسه، مثلما جرى للمسيحيين الاقباط في ليبيا، ولكن الولايات المتحدة التي اخرجت هذا المارد من قمقمه باحتلالها للعراق ودعمها للمعارضة المسلحة في سورية، وتحويل ليبيا واليمن الى دولتين فاشلتين تتحمل المسؤولية الاكبر.
الادارة الامريكية تريد “نصرا ما” على “الدولة الاسلامية” لطمأنة حلفائها المذعورين في المنطقة، ولهذا تسارع في استعداداتها للبدء في هجوم عسكري لاستعادة مدينة الموصل في غضون الشهرين المقبلين، وقبل حلول شهر رمضان المبارك، ولا نعتقد ان هذا الانتصار سيكون سهلا، ولا نستبعد اعطاءه نتائج عكسية تماما.
صحيح ان الفارق في موازين القوى يبدو هائلا، بالنظر الى الامكانيات والقدرات العسكرية الامريكية الضخمة، ولكن الصحيح ايضا ان الحرب المقبلة لن تكون نزهة، خاصة بعد تزايد الحديث عن استخدام قوات برية.
الضربات التي تشنها الطائرات الامريكية جنبا الى جنب مع طائرات عربية مقاتلة ازالت الحدود جويا بين دول المنطقة، وبين سورية والعراق خاصة، مثلما ازالت “الدولة الاسلامية” الحدود البرية، والغت اتفاقات سايكس بيكو بعد مئة عام على اعتمادها، ولكن عندما يتعلق الامر بالهجوم البري فان الحسابات مختلفة، والنتائج ايضا.
“الدولة الاسلامية” لا تملك القدرات لاسقاط الطائرات الامريكية والعربية، لكن الحال سيكون مختلفا عندما يتعلق الامر بالهجوم البري لاستعادة مدينة ضخمة مثل الموصل، تعتبر ثاني اكبر مدن العراق، لان الوحدات البرية التي ستقوم بهذه المهمة ستدخل في حرب عصابات ليست مؤهلة لها.
الولايات الامريكية حققت نجاحا كبيرا عندما وظفت العرب لخوض حروبها ضد عرب آخرين، وغيرت العقيدة العسكرية للجيوش العربية، او ما تبقى منها، بحيث لم تعد اسرائيل تحتل مرتبة الصدارة في هذا الخصوص طوال الستين عاما الماضية.
الاحتلال الامريكي للعراق يعتبر مصدر كل الشرور في المنطقة، وهو الذي اعطى شريان حياة جديد واعاد الحياة الى تنظيم “القاعدة” بعد الضربات المميتة التي تعرض لها في افغانستان بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، وعملية تفتيت الدول المحورية العربية، وتفكيكها قطعا ستفرخ تشددا اسلاميا يصب في زيادة قوة، وربما شعبية “الدولة الاسلامية”.
نظريا تبدو الاستعدادات الامريكية لاستعادة الموصل واخراج قوات “الدولة الاسلامية” مقنعة، لكن عندما تبدأ عملية التطبيق العملي على الارض فان احتمالات النجاح تتوازى مع احتمالات الفشل، خاصة اذا طال امد القتال وتزايدت احجام الخسائر البشرية في صفوف المهاجمين والابرياء معا.
ما يؤلمنا ان منطقتنا العربية تشهد اربع حروب دفعة واحدة، في سورية والعراق واليمن وليبيا، والولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين متورطون فيها جميعا، ولكن من المقاعد الخلفية، بينما تقف الحكومات العربية، وجيوشها ومواطنيها في الخندق الامامي مكرهة او متواطئة، ودون اي ضمانات حقيقية لمستقبل افضل سواء في حال الانتصار في هذه الحروب، وهو احتمال ضئيل، او في حال خسارتها وهو الاحتمال الاكثر ترجيحا لان هذه الحروب مرشحة للاستمرار لسنوات او لعقود مقبلة.
وزير الدفاع الامريكي الجديد سيجرب حظه في منطقة تحولت الى حقل تجارب للاسلحة الامريكية والنظريات العسكرية الجديدة، وسيجد كل الدعم من حلفائه العرب وامبراطورياتهم الاعلامية الجبارة المسخرة لمخططات التفكيك والتفتيت، ولكن من غير المستبعد ان يكون درسا الموصل والرقة اكثر دموية وايلاما لهذا التحالف من درس العراق وافغانستان، لان العدو هذه المرة اكثر شراسة ودموية، واستوعب دروس الحروب السابقة جيدا على عكس اعدائه الامريكان والعرب الذين ينتقلون من خطأ الى خطيئة، ويقعون في المصيدة نفسها.
عبد الباري عطوان
راي اليوم