إثر العملية الإرهابية في قلب لندن أول أمس خاطب الناطق باسم الشرطة الجمهور البريطاني قائلا: «يجب أن نلاحظ الآن أن الجاليات المسلمة ستشعر بالقلق إذا أخذنا بالاعتبار تصرفات اليمين المتطرف في السابق وسوف نستمر بالعمل مع قادة الجالية في الأيام المقبلة»، وهو أمر مسّ عصباً شديد الأهمية لدى مسلمي بريطانيا الذين توجّسوا شرّاً بمجرّد الإعلان عن العملية، ولسان حالهم يقول: عسى ألا يكون المهاجم مسلماً!
في مقابل التصريح المنطقي والعاقل للمتحدث باسم «اسكوتلانديارد» فإن صحف «التابلويد» البريطانية اقتنصت الفرصة السانحة وأطلقت العنان لكتاب أعمدتها المتخصصين في التهجم على المهاجرين واللاجئين والمسلمين، وهم عادة من يدفعون ضريبة الإرهاب، كما يدفعون أثمان الفقر والتهميش والتمايزات الطبقية والاجتماعية واللغوية والعرقية.
مثال جليّ على هذا كان ما فعلته صحيفة «الدايلي ميل» ـ ولن تكون الوحيدة فيه ـ فكما فعل المهاجم، خالد مسعود، الذي حاول ضرب قلب لندن ورمز ديمقراطيتها (البرلمان)، فإن الصحيفة هاجمت لندن وأحد رموزها التي تجمع بين الديمقراطية التي صعّدته إلى منصبه، والإسلام، وهو العمدة صادق خان، فقالت إن لندن مدينة من الغيتوهات التي تغلفها قشرة خفيفة من الحضارة التي يقوم بتلميعها عمدة مسلم «تقوم مصداقيته على أن والده كان سائق باص» (لاحظوا الإهانة الطبقية والاجتماعية)، مؤكدة وجود حرب بين لندن وباقي بريطانيا، «بين الليبراليين والعقلاء».
والحقيقة أننا لن نرى فارقاً كبيراً بين منطق الصحيفة ومنطق المهاجم نفسه الذي جاء من وسط بريطانيا (الميدلاندز) ليطعن قلب لندن بسكينه، وكلا الطريقتين في التفكير تؤديان إلى النتيجة نفسها: ضرب الديمقراطية البريطانية وعزل المسلمين والأقليات والأجانب وتصعيد إجراءات تهميشهم وإقصائهم وطردهم، وهو أسّ النظريات العنصرية الصلب.
ويبدو أن موضوع ارتباط صادق خان بالمدينة جمع كارهي المسلمين عبر الأطلسي فقد حاول دونالد ترامب جونيور، ابن الرئيس الأمريكي، التعرّض لعمدة لندن بدوره بتحوير تنبيه أمنيّ حول خطورة وقوع حوادث إرهابية في المدن الكبرى قاله السنة الماضية للحطّ من شأنه والسخرية منه ما استدعى رداً من أحد النواب البريطانيين الذي قال لترامب «إنك تستخدم هجوما إرهابياً على مدينتنا فتهاجم عمدة لندن لتحقيق مكاسب سياسية. أنت عار».
ليست صدفة، هنا، أن أغلب الضحايا الذين وقعوا في هجوم خالد مسعود الإرهابيّ كانوا من الأجانب (وبينهم واحدة تدعى عائشة من أصل تركي)، والمثير للعجب أن هذا الأمر أثار حنق العنصريين، فإحدى منصّاتهم الالكترونية هاجمت مؤسسة الإرسال البريطانية «بي بي سي» قائلة «إنها تبحث عن مسلم جُرح في العملية كي تزعم إنهم (أي المسلمين) هم الضحايا وليسوا المجرمين»!
غير أن الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها أن المسلمين هم ضحايا هجمات الإرهاب، على شاكلة عملية لندن، مرتين. الأولى بسبب أن المجرم الذي نفّذها قام بها باسم منظمة تدّعي العلاقة بالإسلام، والثانية لأنهم طرف أضعف في المجتمع البريطاني وسيكونون هدفاً، كما رأينا، لتحميلهم وزر الجريمة.
وبذلك تتساوى الاتجاهات العنصرية الغربية مع الأنظمة الدكتاتورية العربية في استهدافها الجماعات أو «الحواضن الاجتماعية» على إطلاقها، وهذا ما يفسّر العلاقة الحميمة بين الاتجاهات العنصرية الغربية وأنظمة الطغيان العربية، فكلاهما يفكّر بالمنطق نفسه، ولعلّ العنصريين الغربيين يحسدون طغاة العرب على قدراتهم الهائلة على الفتك بمواطنيهم والنجاة من عواقب أفعالهم.