تصريحات وزير الخارجية الأميركية ريكس تيليرسون أن الولايات المتحدة تعتزم إقامة “مناطق مستقرة آمنة” والتي أدلى بها خلال المؤتمر للتحالف المناهض لتنظيم داعش، لا تزال في طور البحث الأولي. وحتى الآن لم تتلق وزارة الدفاع أية أوامر رسمية حول البدء بالتحضير لإقامة مثل هذه المناطق. ونبهت مصادر مطلعة من خطأ اعتبار هذه المناطق المستقرة، بمثابة المناطق الآمنة التي تقوم القوات الأميركية بحمايتها بريا.
وتأمل الولايات المتحدة العمل مع الأمم المتحدة ومع مختلف أطراف المعارضة السورية، باستثناء جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) إقامة هذه المناطق المستقرة بعيدا عن تواجد قوات النظام السوري، أو إذا كانت هذه القوات قريبة أن يتم التوصل عبر أطراف ثالثة إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار على المستوى المحلي لضمان استمرار هذه المناطق المستقرة التي يلجأ إليها المقتلعون من ديارهم. وتأمل واشنطن من أن يخرج المؤتمر بتوصية أعضائه بتوفير مبلغ ملياري دولار لإنفاقها على توفير الخدمات الإنسانية والطبية والتعليمية في المناطق المستقرة، وكذلك في الأراضي التي يتم تحريرها من احتلال تنظيم الدولة الإسلامية داعش. ويأمل الأميركيون أن تقوم الأمم المتحدة وفصائل المعارضة السورية بالتعاون مع ما تبقى من الأجهزة البيروقراطية المحلية لتوفير الخدمات الضرورية في المناطق التي يعود إليها الاستقرار.
وفي هذا السياق ليس من المتوقع أن تساهم واشنطن ماليا في عملية إعادة إعمار منطقتي نينوى والموصل بعد إنجاز عملية تحريرها والتي قدرّ رئيس وزراء العراق حيدر العبادي قيمتها بخمسين مليار دولار خلال اجتماعه بقيادات الكونغرس.
وقال الوزير تيليرسون “كتحالف نحن غير معنيين بمسألة بناء الأمم” ، وهذه نقطة جوهرية لإدارة ترمب التي لا تريد التورط في إعادة بناء المناطق المحررة في العراق أو سوريا، كما حاول الرئيس الأسبق جورج بوش بعد غزو العراق. ما يهم الولايات المتحدة آنيا، بعد تحرير أي منطقة من داعش، تضييق الخناق على التنظيم للقضاء عليه، ولكن في نفس الوقت إناطة مسؤوليات إدارة وحكم هذه المناطق إلى ممثلي الأمم المتحدة والسلطات المحلية والفصائل المعارضة.
عسكريا لا تزال القيادة المركزية المسؤولة عن القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط تنظر في سبل ترجمة الخطة العسكرية التي قدمتها وزارة الدفاع الى البيت الأبيض في الشهر الماضي بطريقة فعالة لا تتطلب بالضرورة نشر قوات أميركية إضافية. ايضا يعكف البيت الابيض على تعديل القيود التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما على استخدام الطائرات دون طيار، أو القيود المفروضة على عديد القوات الأميركية في العراق (5000) وسوريا (500).
ويشدد المسؤولون في واشنطن، على أن التخلص من السقف الاصطناعي لعديد القوات في العراق وسوريا، لا يعني بالضرورة زيادة عديد القوات الأميركية بشكل جذري، ولكنهم يشيرون إلى احتمال زيادة عناصر القوات الخاصة والمدربين والخبراء في الشؤون اللوجستية لتقديم المشورة والقصف المدفعي للقوات السورية المعارضة التي ستقوم في المستقبل المنظور بعملية تحرير الرقة. قيام الطيران الأميركي بنقل عناصر من المعارضة السورية الى مدينة الطبقة قرب الرقة، هو أفضل دليل على ذلك.
وكان من الواضح أن واشنطن أرادت استخدام منبر المؤتمر الدولي، والاجتماعات المغلقة التي عقدها الوزير تيليرسون مع نظرائه إلى الضغط عليهم للتعجيل بتوفير مساهماتهم العسكرية والمالية، وذّكرهم بأن القوات الأميركية تقوم بأكثر من 75 بالمئة من العمليات المباشرة ضد داعش، وأن مساهمات الولايات المتحدة الإنسانية تصل الى 25 بالمئة. وقال تيليرسون إن الولايات المتحدة ستقوم بما هو مطلوب منها، “ولكن الظروف المتغيرة على الأرض تتطلب المزيد منكم جميعا”.
كل ما سبق ذكره، يبين أن ترمب سوف يكمل ويطور ما بدأه سلفه أوباما في الحرب ضد داعش وضد القاعدة وخاصة في اليمن، بدلا من اعتماد استراتيجية جديدة. الباحثون عن حلول سريعة لمشكلة مزمنة ومتجذرة مثل مشكلة داعش، والقاعدة سوف تخيب آمالهم لأن ترمب، على الرغم من مواقفه خلال الحملة الانتخابية، لن يصعّد جذريا من الوجود العسكري في المنطقة، وسوف يوافق على خطط وزارة الدفاع لهزيمة داعش. ولكن ما لا تستطيع وزارة الدفاع الإجابة عنه هو السؤال البسيط والمعقد في آن: ماذا بعد هزيمة داعش؟ كيف سيبدو العالم في اليوم التالي، أو السنة التالية، وهل تعني هزيمة داعش انتصار التيارات المذهبية وسياسات الهوية؟
هشام ملحم
العربية نت