اكد الشيخ جمال الضاري في مقال نشرة على صحيفة اللوفير الامريكية بأن الشعب العراقي تعلم دروسا كثيرة من الاحتلال العسكري الأمريكي وما أعقبه من فوضى وحرب أهلية وحملة إرهاب لا نهاية لها , وعلى الرغم من هزيمة داعش الارهابي الوشيكة لا يزال العراقيون يخشون من مستقبلهم , ولا يزال الكثيرون من بينهم انا شخصيا يشككون حول ما اذا تعلمت الولايات المتحدة من أهم الدروس المستفادة من مشاركتها في العراق، و هنالك قلق بأنها ستكرر نفس الأخطاء.
و اضاف الشيخ جمال الضاري بأن الرئيس دونالد ترامب اعترف علنا بأن الغزو العسكري الأمريكي للعراق كان خطأ, وهذا اعتراف ضروري للعراقيين خاصة انه صدر عن زعيم من زعماء الدول الغربية , و اكد الشيخ جمال الضاري بأن تجاهل الخسائر في الحرب يمثل إهانة خطيرة وعدم احترام لما عاناه العراقيون و لا زالوا يعانوه من موت و دمار منذ عام 2003 حتى يومنا هذا.
و على الرغم من ذلك يبدو ان البيت الابيض يركز طاقاته فقط على مكافحة الارهاب فى العراق و مازلنا في انتظار سماع شيْ حول سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة ناهيك عن رؤيتها الأساسية التي تتضمن مشاركة جنودها حاليا في الحرب .
هل يعتقد الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة لها دور كوسيط ذي مصداقية في بغداد؟ هل سيبقى الجيش الأمريكي أو يخرج من العراق بعد هزيمة داعش الارهابي؟ وإذا بقيت القوات الأميركية في البلاد، ما هي القدرات والدور الذي ستتخذه؟ وهل ستوازن بين النفوذ الإيراني ومنع عودة داعش أو أن تكون أداة سياسية لرئيس الوزراء للاستيلاء على السلطة؟
وفي حين أنه لم يكن مسؤولا عن الخطأ الكارثي الذي قام به سلفه في غزو العراق، حاول الرئيس أوباما وفشل في تحقيق الاستقرار في بلدنا. ووعدت حملته بانهاء الحرب فى العراق و سحب الجيش الامريكي و لكن لم ينتج عن ذلك اي انهاء للحروب , على الاقل ليس للشعب العراقي.
و بمناسبة نهاية الاحتلال العسكري في في ديسمبر 2011 بقرار من البيت الابيض، وصف أوباما علنا رئيس الوزراء نوري المالكي بالزعيم المنتخب لبلد ديمقراطي لكن المالكي لم ينتخب من قبل الشعب العراقي، كما أنه لم يؤمن بالديمقراطية وحتى قبل عودة طائرته الى بغداد من واشنطن، شن رئيس الوزراء حملة استبدادية لتعزيز سلطته السياسية وسعى الى اعتقال نائب الرئيس. و اضاف الشيخ جمال الضاري ان الثقة في قيادة المالكي كانت خطأ، ولكن إدارة أوباما اتخذت من هذه الثقة سببا للانسحاب من العراق.
كما عكس اعتماد إدارة أوباما على المالكي موقف إيران, في الواقع تنافس كلاهما للحصول على نفوذ مع المالكي ولكن التصور بين العديد من العراقيين كان أن التحالف قد تم تشكيله بين واشنطن وطهران و اعتقد العراقيون السنة أنه إذا كانت الولايات المتحدة تتفق مع إيران فأن هنالك أمل ضئيل في وجود حكومة شاملة في بغداد.
و اوضح الشيخ جمال الضاري بأن عدم رغبة الولايات المتحدة في تحقيق التوازن مع إيران ساعد في تغذية حركة الاحتجاجات السنية الضخمة في عامي 2012 و 2013. حيث كان المالكي مدعوما من واشنطن وطهران ولم يشعروا بالاضطرار لتقديم تنازلات للمطالب المشروعة للمتظاهرين، وانتهت الاحتجاجات في إراقة الدماء عندما استخدمت قوات الأمن الحكومية القوة المميتة ضد المدنيين في أبريل / نيسان 2013.
وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي ماكماستر هما شخصان يتمتعان بقدر كبير من الخبرة في العراق ويحترمان الكثير من السنة من ضمنهم انا , حيث عملنا معهم لمحاربة بروز تنظيم القاعدة في غرب العراق خلال فترة الاحتلال الامريكي للعراق و انهم يعرفون مخاطر وعواقب الاخطاء الامريكية الماضية فى العراق وبتفصيل كبير ولكن من غير الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب سوف يأخذ بنصيحتهم، ناهيك عن تخصيص سلطة كبيرة لهم لصياغة سياسة الإدارة تجاه العراق.
يجب على البيت الأبيض أن يأخذ على محمل الجد التحديات الهائلة المقبلة ويضع السياسات وبرامج المساعدة اللازمة لإعادة بناء العراق والتوفيق بينهما بعد هزيمة داعش الارهابي. ويعرف كل من ماتيس وماكماستر من خلال تجربتهم الشخصية أن الأهداف العسكرية الأمريكية في العراق لا يمكن تحقيقها دون وجود نظام سياسي ناجح من أجل استقرار المناطق المحررة وحكمها.
ولسوء الحظ لم يشهد أي من زملائي العراقيين الكثيرين و انا من ضمنهم, أي استعدادات جادة أو التزام جاد للمرحلة المقبلة التي أبلغتها الولايات المتحدة حيث إن مشاركة الولايات المتحدة في العراق لا تزال قائمة فقط على الحملة العسكرية في الموصل مع مراعاة القليل من التحديات السياسية التي تنتظرنا وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يعرفون أن الإرهاب لا يمكن هزيمته من خلال الوسائل العسكرية وحدها، فإنني لا أزال حائرا من استعدادهم المتخلف و ارتكابهم نفس الأخطاء مرارا وتكرارا.
وعلى هذا النحو، ليس من المستغرب أننا نشهد الآن عودة الهجمات الارهابية من قبل تنظيم داعش الارهابي إلى مدينتي الفلوجة والرمادي المحررة. وهذا الامر سيحدث في الموصل المحررة أيضا.
وذلك لأن ثلث البلاد والمدن والقرى تم تدميرها و اصبحت غير صالحة للعيش؛ و ان ملايين الأشخاص مشردون وسيظلون كذلك، كما أن الخدمات الأساسية غير موجودة وتسيطر قوات الميليشيات الموالية لإيران على المناطق المحررة وتعرض السكان المحليين للضرر بل وتمنع الأسر من العودة , وبطبيعة الحال سيبقى زعماؤنا السياسيون لصوص الدولة غير قادرين على الوقوف معا لتقديم أي حلول حقيقية.
وفي غضون العامين المقبلين سيخضع العراق لتحول سياسي هائل من خلال الانتخابات الإقليمية والبرلمانية المقبلة وسوف تتنافس الميليشيات الإيرانية في تلك الانتخابات، وقد تأتي لاحتلال مقاليد الحكومة الجديدة في بغداد, وفي ظل هذا السيناريو المحتمل من المحتمل أن يعود المالكي إلى السلطة كرئيس للوزراء حيث أنفق الكثير من اجل دعم المكائد السياسية في بغداد ضد رئيس الوزراء حيدر العبادي العام الماضي , و هذا الامر قد يوصل المالكي الى الرئاسة مرة اخرى و بالتالي سيؤدي إلى نهاية العراق و خوض دائرة حرب جريئة , و لن يتردد الأكراد في إعلان الاستقلال، فإن الشيعة سيتقاتلون فيما بينهم ولن يجد السنة خيارا سوى التمرد والسعي إلى دولتهم.
في حين أن ترامب ليس مسؤولا عن جلب العراق إلى نقطة الانهيار، فهو الآن الرئيس الأمريكي و و على بعد خطأ واحد فقط عن المساهمة في كارثة. جديدة , يجب عليه ان يأخذ السياسة الامريكية فى العراق على محمل الجد، بهدف فهم حساسيات سياستها وتاريخها والاستجابة لنصيحة المستشارين مثل ماتيس وماكمستر.
و ان لم يتم ذلك سيكون ترامب هو الذي فقد العراق وليس أسلافه .
ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية