مع الاقتراب حثيثاً من إنجاز طرد ما تدعى “الدولة الإسلامية” من مدينة الموصل، التي كانت ذات مرة ثاني كبريات المدن في العراق، تشرع الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن في محاولة استعادة الرقة؛ المدينة السورية التي تشكل عاصمة الأمر الواقع للخلافة المعلنة ذاتياً.
في الآونة الأخيرة، بدأ مئات الثوار السوريين ومستشاروهم العسكريون الأميركيون، مدعومين بالمدفعية الأميركية والطائرات العمودية الهجومية بإغلاق الطرق الغربية المؤدية إلى المدينة. وهناك حديث عن إرسال تعزيزات لما يقرب من 900 جندي أميركي الموجودين الآن في البلاد. وبدلاً من شن الضربات الجوية والاعتماد على القوات السورية والكردية في العمليات البرية، كما كانوا يفعلون منذ شهور، أصبح الأميركيون يشاركون الآن بالدبابات والقوات، وهو دور أكثر مباشرة وأكثر خطورة بكثير.
ولكن، وفي حين يقوم الجيش الأميركي بعمله، يرفض الكونغرس الأميركي القيام بواجبه. فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من بدء الحرب على “داعش”، تخلى المشرعون عن مسؤوليتهم الدستورية عن شن الحرب من خلال عدم تمريرهم تشريعاً يجيز القتال ضد “داعش”. وليست هذه مجرد مسألة بيروقراطية. فبينما يتمتع الرئيس بسلطة توجيه الأمر للقوات بالقتال، كان الآباء المؤسسون يصرون على ضمان أن يكون الكونغرس وحده هو الذي يمتلك صلاحية إلزام الأمة بالقيام بالأعمال العسكرية المطولة في الخارج.
منذ أن بدأ الرئيس أوباما الحرب ضد “داعش” في العام 2014، عملت وزارة الدفاع الأميركية بموجب التفويض الذي صدر في العام 2001 باستخدام القوة العسكرية، الذي تم تمريره بعد هجمات تنظيم القاعدة في نيويورك في 11 أيلول (سبتمبر). ولكن شرعية هذا التبرير أصبحت موضعاً للشك الآن، لأن “داعش” لم يكن موجودأ عندما تمت الموافقة على منح ذلك الإذن بالقتال.
تستطيع الولايات المتحدة أن تدعي الآن أساساً قانونياً لتورطها في العراق، لأن بغداد سعت للحصول على المساعدة الأميركية، والتي تشمل توجيه الضربات الجوية واستخدام الطائرات من دون طيار ونشر الآلاف من الجنود الذين قام بعضهم بتدريب وحدات عراقية، بالإضافة إلى غيرهم من المستشارين المتمركزين الآن قريباً جداً من القتال. ولكن، لم يكن هناك مثل هذا الطلب من الحكومة السورية التي تعتقد بأن الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة على الرقة سيكون غير شرعي إلا إذا تم تنسيقه مع دمشق، كما قال كبير المفاوضين السوريين لمحادثات السلام في جنيف، بشار الجعفري، يوم الجمعة الماضي. ولا يبدو مثل هذا التنسيق مرجحاً الآن، بالنظر إلى الطريقة المستخفة التي تفكر بها وزارة الدفاع الأميركية عندما يتعلق الأمر بالرئيس بشار الأسد وداعميه الروس.
حتى الآن، تمت عرقلة الجهود السابقة لإصدار تفويض جديد باستخدام القوة العسكرية فيما يتصل بمحاربة “داعش”، والتي كان قد بذلها السيناتور تيم كاين، الديمقراطي من فرجينيا، وغيره، بسبب ضعف الكونغرس وقلة فعاليته. ولكن السيد كاين يسعى بهدوء إلى حشد الدعم لاقتراح جديد. وقال السيناتور توم أودال، الديمقراطي من نيو مكسيكو، لوزير الدفاع جيم ماتيس، إنه يمكن القول الآن بأن الولايات المتحدة “اجتاحت فعلياً شمال سورية، منتهكة بذلك سيادة دولة في الشرق الأوسط”.
في الرد على ذلك، قال السيد ماتيس بأنه نظراً لأن “داعش” قام بإزالة الحدود بين العراق وسورية بشكل أساسي، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع “رسم هذا الخط الخيالي وسط منطقة يسيطر عليها عدو”، وأن تقول بعد ذلك إنه آمن على أحد الجانبين. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، قال إنه “لن يختلف أو يجادل” إذا وافق الكونغرس على إصدار تفويض جديد، والذي اعتبر أنه سيكون “إعلاناً عن تصميم الشعب الأميركي” على محاربة “داعش”.
مع ذلك، وأكثر من كونه مجرد تأييد سياسي للقوات، يستطيع استصدار تفويض جديد باستخدام القوة أن يدفع الكونغرس إلى أن يناقش بجدية الكيفية التي ستخاض بها بقية الحرب ضد “داعش”، وأن ينظر في أمر قرار حاسم يجب على الإدارة أن تتخذه قريباً بشأن تسليح السوريين الأكراد من أجل معركة الرقة، والمخاطرة بذلك بإغضاب تركيا، الدولة الحليفة في حلف شمال الأطلسي.
كما أن تقاعس الكونغرس عن العمل ربما يثير مشكلة أكبر؛ حيث تعتزم إدارة ترامب إحضار معتقلي “داعش” في المستقبل إلى سجن خليج غوانتانامو. وبمجرد أن يحدث ذلك، كما كتب جاك غولدسميث، محامي إدارة بوش السابق في مدونة “القانون”، فإن تحديات المحكمة وحيثياتها يمكن أن تؤدي إلى نتائج تفيد بأن الحرب ضد “داعش” هي نفسها غير قانونية.
صحيفة الغد