تمرّ الدول العربية بمرحلة صعبة من تاريخها، تبدو شاملة من حيث التأثير الخارجي لكنها مختلفة محليّا، نظرا لاختلاف تجاوب الجبهات الداخلية مع دعوات التغيير بما فيها تلك التي قضت على استقرار بعض الدول، وأيضا للفروق الجوهرية في أنظمة الحكم لجهة الترشيد في الحكم والعدالة في توزيع الثروة وتحقيق الأهداف المنشودة للنمو.
وبغض النظر عن الاختلاف السابق، فإنه لا يمكن للدول العربية تجاهل التحديَّات الراهنة وتأثيرها على أمنها، وهذا يتطلب المزيد من التنسيق والتعاون في جميع المجالات. الأمر الذي لا يمكن تحقيقه على مستوى المنظومة العربية الشاملة أو عبر مؤسساتها الرسمية، جامعة الدول العربية مثلا.
وهنا لا بد من البحث عن صيغ أخرى للتعايش على مستوى التجمعات الإقليمية الكبرى، والتي لم يبق منها صامدا سوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية إضافة إلى التعايش المرتبط بدور القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأميركية.
وبعيدا عن اعتبار العلاقة الخليجية الأميركية تحالفا استراتيجيا ثابتا يتجاوز المتغيرات، منها وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، أو اعتبارها تحالفا تكتيكيا يتحكم في مساره الرئيس الجديد والسياسات المطروحة خلال فترة حكمه، فإنها اليوم عرضة للمساءلة والامتحان وأيضا للتقييم على خلفية العقود السابقة، وهو ما سنجده في إجابات ثلاثة خبراء أميركيين التقتهم “العرب” خلال المؤتمر السنوي الثاني والعشرين لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في أبوظبي (من 21 إلى 22 مارس)، الذي حمل عنوان “المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط”.
تتركّز الأسئلة حول قضايا ثلاث رئيسية وهي: تغير العلاقة من عدمه، اتجاه مسارها، ومحدداتها، وقد شملتها الأسئلة التالية: هل ستتغيّر العلاقات الأميركية الخليجية في عهد الرئيس دونالد ترامب؟ وبأيّ اتجاه ستسير؟ وما هي محددات تلك العلاقة على خلفية الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة خليجيا وعربيا؟
لم يتم تفصيل الإجابات بحيث تغدو تابعة لترتيب الأسئلة، ولكنها جاءت متداخلة غير أنها تُوصلنا إلى معرفة التصور الأميركي على مستوى الخبراء والباحثين، لجهة تحديد العلاقة بين الدول الخليجية والولايات المتحدة في ظل مواقف ترامب من دول المنطقة ومن توجيهه للسياسة الخارجية.
وذهب جون ديوك أنتوني، الرئيس المؤسس والمدير التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية، إلى التأكيد على أن “الأهمية الاستراتيجية التي توليها الولايات المتحدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لن تتراجع”.
فيما ينطلق أنتوني، وهو مؤلف وصاحب العشرات من المقالات حول العلاقة الأميركية العربية، من فكرة أساسية مفادها أنه “لا يتعيَّن على أي أحد أن يتوقع تسجيل تراجع في وعي وتقدير إدارة ترامب للمكانة والدور الحيويَّين لمنطقة الخليج كلها”، وهذا من وجهة نظره “يدحض كل التقييمات التحليلية التي تحدثت عن نيّة الولايات المتحدة الأميركية تقزيم دور منطقة الخليج مقابل التركيز بشكل أكبر على منطقة آسيا الباسيفيكية”.
حليف دائم
عن سؤال “العرب” كيف يمكن للولايات المتحدة أن توفّق بين توجهها الجديد القائم على التواجد في منطقة آسيا الباسيفيكية وبين دعم حلفائها في الخليج العربي، قال أنتوني إن الولايات المتحدة قوة عظمى يمكن أن تتواجد في أكثر من مكان في وقت واحد، وهذا يعني أنها لن تغادر المنطقة ولن تتخلى عنها وستستمر كحليفة لها.
ويرى أن سياسات واشنطن ومواقفها وتصرفاتها تجاه المنطقة العربية لن تتغير لأن الأساس الذي تقوم عليه شديد الصلابة، إذ كانت منذ زمن بعيد ولا تزال إلى اليوم قائمة على تصورات استراتيجية نابعة من أحداث مفصلية بارزة تضاف إليها التطورات التي تشهدها المنطقة وتأثيراتها في شؤون العالم.
ولكن كيف للولايات المتحدة أن تظل حامية لدول المنطقة وترامب يطالب دول الخليج بأن تدفع أموالا للجيش الأميركي من أجل حمايتها، يجيب أنتوني عن هذا التساؤل مشيرا إلى أن “دول الخليج العربي ما فتئت تدفع لأميركا، سواء بشراء السلاح منها أو بدعم اقتصادها من خلال الاستثمارات والمشاريع داخل الولايات المتحدة، وترامب يعلم هذا جيدا”.
والدور السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في نظر أنتوني “لا يخص الولايات المتحدة وحدها إنما له تأثيره على الكثير من دول العالم”، حيث أن دول الخليج أصبحت من خلال موارد الطاقة لديها ونفوذها الجيوسياسي وقدراتها المالية والاستثمارية المتزايدة مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالنمو الاقتصادي العالمي.
ترامب وإيران
يُفهم من كلام أنتوني أن واقع العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج أكبر من أن تؤثر فيها سياسة ترامب المستقبلية ليس فقط لأنها علاقة تحالف صمدت لعقود، ولكن لأنها تحقق المصالح الأميركية وإيجابياتها أكثر من سلبياتها، ومن هنا لا خوف من تغيّرها.
ويرجع ذلك إلى التواجد العسكري الأميركي في منطقة الخليج مثل وجود مقر القيادة المركزية الأميركية في قطر والأسطول الخامس الأميركي في البحرين. وكل هذا في نظره يهدف إلى تحقيق المصالح القومية الأميركية واحتواء السياسات التوسعية الإيرانية في منطقة الخليج العربي.
ويؤكد زاخم أن العلاقات المستقبلية بين بلاده ودول الخليج العربي ستنطلق من بعدين، الأول استفادة ترامب من أخطاء أوباما وتفادى تكرارها ومنها تقوية إيران والوقوف في صفها على حساب الدول العربية. أما البعد الثاني فيتمثل في الحضور العسكري الأميركي إلى جانب الحلفاء خاصة في مناطق النزاع من أجل فرض السياسة الأميركية.
ويؤيّد سام زاخم بشكل كبير الرئيس ترامب بل يراهن عليه من أجل “أميركا قوية” بحيث لا تكرر أخطاءها السابقة ومنها دعم جماعات الإسلام السياسي على غرار ما قام به باراك أوباما.
لكن، لا يحظى رأي زاخم بتأييد باحثين أميركيين آخرين، منهم مارك تسلر، أستاذ كرسي صموئيل ألدرسفلد للعلوم السياسية في جامعة ميشيغان بالولايات المتحدة الأميركية، حيث يرى أنه من المبكر جدا الحديث بشكل تفصيلي عن سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط، فضلا عن تقييم هذه السياسة.
ويرى في تصريحات ترامب، خلال حملته الانتخابية والأسماء التي اختارها لشغل أبرز المناصب السياسية، ملامح لتحديد بعض الجوانب التي يرجَّح أن تكون مصدرا للقلق ومن أبرزها زيادة الدعم لإسرائيل وتراجع الدعم لحل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وزيادة تعقيد العلاقات مع العالم الإسلامي.
في تفسيره لبعض قرارات ترامب المثيرة للجدل، منها منعه جنسيات من دول ذات أغلبية مسلمة دخول الولايات المتحدة، يعتبر مارك تسلر أنها “حالة من الارتباك وعدم اليقين، وهذا يعد تنفيذا لأكاذيب أشاعها في السابق ومنها أن بعض من المسلمين كانوا يحتفلون بتفجير البرجين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهذا يدخل ضمن تنفيذ ترامب للإجراءات المناهضة للمسلمين التي وعد بها أثناء الحملة الانتخابية”.
ويتوقع تسلر أن تشهد العلاقات الأميركية الخليجية توترا لأن ترامب لن يكون محل ثقة بناء على تصريحات أدلى بها أثناء الحملة الانتخابية ومواقفه الراهنة، ناهيك على أنه سيكون مزعجا للدول الخليجية في مجال النفط، وستكون لوعوده بدعم التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة الأميركية تأثيرات سلبية على كل الدول المصدرة للنفط، وخاصة الخليجية منها.
تكشف آراء الخبراء الأميركيين الثلاثة عن خلافات في النظرة الأميركية على مستوى التحليل، رغم كونها في مجال اتخاذ القرار أعمق، لذا فإن التصور المستقبلي للعلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي لن تنتهي ولكنها لن تكون مميزة، وتظل مرهونة بموقف ترامب من كل دول العالم.