خلال حملته الانتخابية من أجل المنصب، وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوضع خطة لهزيمة “داعش”. والآن، تتخذ إدارته خطوات نحو الوفاء بذلك الوعد. وقبل نحو أسبوعين، عقد التحالف العالمي لمكافحة “الدولة الإسلامية” اجتماعه الأول منذ تولت إدارة ترامب السلطة –في أول تشاور لها مع كل الأعضاء الثمانية والستين للتحالف منذ أواسط العام 2016. وقد افتتح وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، الجلسة التي انعقدت في مقر وزارة الخارجية في واشنطن، بإعلان أن القتال ضد “داعش” هو الأولوية العليا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن الذي غاب بشكل ملحوظ عن أجندة الاجتماع كان تقديم إجابة واضحة ليمكن القول بأنه أكثر الأسئلة أهمية فيما يتعلق بالحملة الرامية إلى الإطاحة بالمجموعة الجهادية وإخراجها من العراق وسورية: ما الذي سيحدث بعد أن تنتهي العمليات العسكرية في الموصل والرقة؟
بعقدها هذا الاجتماع في هذا الوقت المبكر من ولايتها، تكون إدارة ترامب قد أكدت على التزام الولايات المتحدة بالجهد العسكري ضد “الدولة الإسلامية”، وعلى دورها كقائد للحملة. ومع ذلك، ينتهي موضع التركيز الأميركي في ميدان المعركة. ففي العراق، أصبح القتال من أجل استعادة مدينة الموصل يقترب من مراحله النهائية بعد أشهر من المعارك الشاقة. وبمجرد أن تتم استعادة المدينة نفسها في الأشهر القليلة القادمة، سوف تبدأ الهجمات على الجيوب المتبقية للمجموعة الجهادية في محافظتي نينوى وكركوك.
على النقيض من ذلك، يشرع الهجوم من أجل مدينة الرقة السورية في التكون تواً. وسوف تبدأ المعركة من أجل استعادة المدينة نفسها في غضون أسابيع. ولكن، في هذه الأثناء، تحركت قوات سورية الديمقراطية، بدعم كثيف من القوات الأميركية، بسرعة لعزل المدينة. وفي الحقيقة، قطع المقاتلون في هذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة خطوة حاسمة في هذه المرحلة يوم الأربعاء 22 آذار (مارس)، عندما استولوا على رأس جسر إلى الجنوب من نهر الفرات. وبعيداً عن الأسباب التكتيكية لهذا التحرك، فإن تطويق المدينة سيمكن الولايات المتحدة أيضاً من اقتطاع مسرحها الخاص في ميدان القتال. وتحاول واشنطن أن تحد من التدخل الروسي والإيراني في العملية من أجل تحقيق خطتها المثالية للمعركة.
لكن نهاية القتال لن تؤشر بالضرورة على انتهاء الحرب. وعلى المدى الطويل، سوف تكون القوى الإقليمية –وليس الولايات المتحدة أو معظم شركائها في الائتلاف- هي التي ستشكل مستقبل المناطق المستعادة. وسوف تكون الحدود الكردية العربية في شمال سورية والعراق مسرحاً للمنافسة بين الفصائل المحلية والمتنافسين الإقليميين على حد سواء. وما تزال تركيا، على الرغم من احتكاكاتها مع الولايات والمتحدة وروسيا في الرقة، ملتزمة بالحفاظ على وجود طويل الأمد لنفسها في المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل تركيا على إقامة منطقة آمنة في شمال سورية من أجل الحفاظ على روابطها الاقتصادية والأمنية مع شمال العراق. ومع ذلك، فإن هدف أنقرة سوف يسترعي انتباه إيران المنافسة، التي تنوي هي الأخرى إدارة المناطق المستعادة في سورية والعراق بالشكل الذي تراه مناسباً. وبطبيعة الحال، سوف يجعل عدم الاستقرار في هذه المناطق من أمر حكمها مسعى صعباً وخطيراً بالنسبة للقوى الخارجية، لكن ذلك لن يوقف هذه القوى عن السعي إلى كسب النفوذ هناك -عادة مع رؤى متعارضة.
في الأثناء، تنظر روسيا إلى تدخلها في سورية على أنه رافعة استراتيجية بعيدة الأمد، والتي يمكن أن تستخدمها في تعاملاتها مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، ظلت روسيا في المدى القصير مقطوعة تماماً عن حملة الرقة. وقد أدى هجوم قوات سورية الديمقراطية من أجل إحكام الطوق حول المدينة إلى إغلاق جزء كبير من الطريق السريع رقم 4، وهو طريق حاسم كانت القوات الموالية للنظام، بدعم روسي، قد خططت لاستخدامه للوصول إلى ميدان معركة الرقة. ومع عدم وجود طريق تقدم سهل للعملية، سيكون على روسيا أن تواجه وقتاً أكثر صعوبة في استخدام دعمها للقوات الموالية للنظام في سورية كورقة مساومة مع الولايات المتحدة.
الآن، يجد التحالف العالمي أن أدواره قد حُدِّدت في الحملة العسكرية التي تنتظر في الأمام. ومع ذلك، تبقى مهمة إضفاء الاستقرار على المناطق بعد ذهاب المجموعة الإرهابية ما يزال أكثر غموضاً بكثير مقارنة بالعناصر التكتيكية الأكثر وضوحاً في الجهود المبذولة لتخليص الموصل والرقة من “داعش”. وكلما زاد حجم التقدم التي تحرزه الدول التي تقاتل “داعش” في ميدان المعركة، كلما أصبحت الانقسامات بينها أكثر حدة. ففي حين تركز واشنطن على محاربة المجموعة المتطرفة في الموصل والرقة، تظهر بقوة تساؤلات حول كيفية توزيع السلطة السياسية في تلك المدن، وتعزيز النمو الاقتصادي، ومنع التطرف، والتعامل مع ضحايا العنف. ولدى كل عضو في التحالف العالمي ضد “داعش” إجابة مختلفة، وكذلك حال اللاعبين الإقليميين والمحليين المشاركين في القتال.
صحيفة الغد