ذهبت العلاقات الاميركية – الايرانية الى تصعيد متقدم خرج الى العلن في الساعات الماضية على نحو غير مسبوق منذ أعوام عدة. ومن أحدث الدلائل ما أوردته وكالة أنباء “فارس” الايرانية الرسمية تحت عنوان: “وزير الدفاع الايراني: العسكريون الاميركيون في الخليج الفارسي لصوص مسلحون”. الظروف المباشرة التي جاء فيها كلام الوزير الايراني العميد حسين دهقان مرتبطة بشهادة قائد القيادة المركزية الاميركية جوزف فوتيل أمام مجلس النواب حيث عرض لنشاطات إيران في تهريب الاسلحة الى الحوثيين في اليمن وتهديد الملاحة عند مضيق هرمز ومضيق باب المندب، قائلا: “إن هدف إيران هنا هو الهيمنة الاقليمية. إنهم يريدون ان يكونوا القوة السائدة في المنطقة”.
أما الظروف المتزامنة مع هذا التصعيد في العلاقات بين طهران وواشنطن فترتبط بالتصريح المفاجئ للسفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي التي قالت إن “أولويتنا لم تعد إبعاد الاسد عن السلطة”، وهو موقف يمثل بحسب المراقبين تغييرا كبيرا عن موقف إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما من القضية. وكان من المفترض ان يثير هذا التحوّل في الموقف الاميركي إبتهاجا في طهران التي تقاتل بضراوة من أجل بقاء رئيس النظام السوري في منصبه. لكن واقع الامور يشير الى تحوّل في الميدان بما لا تشتهيه سفن الجمهورية الاسلامية، إذ نقلت وكالة أنباء الاناضول التركية عن رئيس الشؤون الاستراتيجية في “معهد الدراسات السياسية والدولية” التابع لوزارة الخارجية الايرانية مصطفى زهران في مقال نشره على موقع “ديبلوماسي إيراني” قوله ان بشار الاسد “يدير ظهره لإيران ويتجه الى روسيا”. إن كلاما إيرانيا من هذا النوع ينطوي على خيبة أمل بدأت تتسرب الى المشروع الطموح للمحافظين الايرانيين والذي يسعى الى نفوذ امبراطوري يمتد من بحر قزوين الى البحر المتوسط.
لا يستطيع المرء التكهن بما سيؤول اليه التصعيد اللفظي بين إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وبين المرشد الايراني الامام علي خامنئي. لكن الامر مفتوح على كل الاحتمالات بما في ذلك احتمال الاشتباك الميداني الذي هو في المرحلة الراهنة مرجّحا أن يكون غير مباشر على امتداد الساحات من اليمن الى العراق فسوريا وانتهاء بجنوب لبنان. من أجل فهم الارتياب الايراني بسلوك الاسد أكثر، تفيد معلومات ان موسكو لفتت الرئيس السوري أخيرا الى ضرورة الانضباط في مسار الحل الذي يجري صوغه بين روسيا والولايات المتحدة. وتلمّح هذه المعلومات أيضا الى أن الاشتباكات التي وصلت أخيرا الى داخل دمشق تمثل أحد أوجه الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس فلاديمير بوتين على الاسد من خلال التراخي في الدفاع عن العاصمة السورية، مما يشكل تنبيها الى ما ستنتهي اليه الاحداث إذا ما قررت موسكو إدارة الظهر لحليفها السوري. كأننا نفهم من كلام وزير الدفاع الايراني أن الاميركيين “لصوص سرقوا الاسد أيضا”!
أحمد عياش
صحيفة النهار