هل تنجح الأمم المتحدة في حماية الانتخابات العراقية المبكرة من التلاعب؟

هل تنجح الأمم المتحدة في حماية الانتخابات العراقية المبكرة من التلاعب؟

لا يزال موعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي يطالب بها المتظاهرون العراقيون، وتعهدت حكومة مصطفى الكاظمي بإجرائها، مجهولا، في ظل تعطيل يعده البعض متعمدا لاستكمال قانون الانتخابات في البرلمان، والذي لا بد من إقراره ليتم على أساسه تحديد موعد الانتخابات.

وأكدت الأمم المتحدة استعدادها لتقديم المشورة في الانتخابات العراقية، رافضة التدخلات السياسية في عمل مفوضية الانتخابات، وسط تكهنات بشأن مدى قدرة المنظمة الدولية على الحد من عمليات التلاعب التي اعتبرتها بعض القوى السياسية سبيلا للحفاظ على مواقعها في السلطة، بحسب مراقبين يعتقدون أن عدم وجود ضمانات لنزاهة الانتخابات قد يؤدي للعزوف عن المشاركة، بينما يرى برلمانيون أن التدخل الأممي يعد أمرا ضروريا، لا سيما وأن الأمم المتحدة على قناعة تامة بأن مفوضية الانتخابات الحالية خاضعة للمحاصصة، وفقا لرؤية القوى السياسية.

وقالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، إن الحكومة العراقية تعهدت بإجراء انتخابات مبكرة وحرة ونزيهة وذات مصداقية، إلا أنها غير قادرة على تحقيق ذلك بمفردها، معبرة، في تصريح صحافي، عن أملها في تعاون الحكومة والقوى السياسية من أجل تحقيق هذه الغاية، وبالنتيجة تلبية أحد المطالب والتطلعات الشعبية الرئيسة.

ولفتت الممثلة الأممية إلى أن “إجراء الانتخابات يتطلب وقتا، في ظل وجود عمل لا بد من القيام به، كاستكمال الملاحق الفنية لقانون الانتخابات، ولا بد من إنجاز ذلك بالشكل الصحيح”، مبينة أن “الانتخابات الشفافة تمثل ضرورة من أجل بناء ثقة الجمهور”.

وأوضحت بلاسخارت أن “الأمم المتحدة مكلفة بتقديم المشورة والدعم الفني للمؤسسات الوطنية العراقية، ونحن نقوم بذلك، وسنستمر في تقديم المشورة والدعم المطلوبَين، ونعيد التأكيد على وجهة نظرنا الراسخة بأن هذه الانتخابات يجب أن تكون بقيادة العراقيين وملكاً للعراقيين”.

وتابعت: “من أجل أن تكون الانتخابات ذات مصداقية ومقبولة من جميع العراقيين، تجب حماية المفوضية العُليا المستقلة للانتخابات من التدخل السياسي”، معبرة عن استعدادها لتقديم الدعم والمساعدة للحكومة لـ”تعزيز الحوار السياسي الشامل والمصالحة الوطنية والمجتمعية”.

بلاسخارت: الأمم المتحدة مكلفة بتقديم المشورة والدعم الفني للمؤسسات الوطنية العراقية، ونحن نقوم بذلك، وسنستمر في تقديم المشورة والدعم المطلوبَين

عضو البرلمان علي البديري أكد لـ”العربي الجديد” أن مشورة الأمم المتحدة في الانتخابات المقبلة “مهمة جدا”، مبينا أن “الرأي الأممي سيعطي مصداقية وقوة للانتخابات المبكرة”.

وأشار البديري إلى أن “الأمم المتحدة على قناعة تامة بأن مفوضية الانتخابات الحالية جرى تقسيمها على الكتل السياسية”، موضحا أن “دور الأمم المتحدة يمكن أن يحد من التلاعب والتزوير في العملية الانتخابية”.

وتابع أن “تدخل الأمم المتحدة سيعطي دافعا لكل العراقيين من أجل المشاركة الواسعة في الانتخابات، لأنه سيزرع الثقة عند الناخب العراقي”، مبينا أن “الانتخابات المقبلة مهمة وحساسة للغاية، ويجب أن تشهد دعما دوليا لها، لأن إجراء الانتخابات المبكرة يتطلب دعما من الدول الكبرى، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية”.

وأضاف: “إذا تم تمرير قانون الانتخابات الحالي على أساس الدوائر المتعددة، فإن ذلك سيقضي وبشكل كبير على هيمنة الكتل والأحزاب، وسينبثق مجلس نواب من شخصيات عراقية تمتلك الحرية الكاملة في اتخاذ القرار”.

إلا أن عضوا باللجنة القانونية بالبرلمان أكد لـ”العربي الجديد” صعوبة إكمال قانون الانتخابات قريبا، بسبب وجود إرادات سياسية تحول دون ذلك، مشيرا إلى “وجود رغبات لدى بعض الأطراف البرلمانية للعودة إلى قانون الانتخابات السابق الذي كان يقسم الدوائر الانتخابية على أساس المحافظة، ويتبع آليات تمنح المقاعد للأحزاب الكبيرة”.

ولفت إلى أن “بعض القوى تتعمد المماطلة في إكمال ملحق قانون الانتخابات كي لا تتم المصادقة على القانون من قبل رئيس الجمهورية، وبالتالي إجراء الانتخابات على أساس وجود دوائر انتخابية صغيرة”.

ونهاية العام الماضي، صوّت البرلمان العراقي على قانون انتخابات جديدة يتبع تقسيم كل محافظة إلى دوائر انتخابية صغيرة، استجابة للحراك الشعبي الذي طالب بذلك، إلا أن البرلمان لم يكمل ملحق القانون، وهو أمر اعتبره مراقبون “محاولة للالتفاف على آلية توزيع الدوائر الانتخابية”.

وأشار نائب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان محمد الغزي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن اللجنة بانتظار استئناف جلسات البرلمان من أجل إكمال عدد من القوانين المهمة، وفي مقدمتها ملحق الدوائر الانتخابية الذي يعد جزءا من قانون الانتخابات.

واعتبر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن “الحديث عن استعداد الأمم المتحدة لتقديم المشورة في الانتخابات المبكرة يندرج ضمن الدور الأممي في العراق”، مؤكدا، لـ”العربي الجديد”، أن المنظمة الدولية “تدرك أن العراق لا يزال بحاجة إلى المشورة في ظل تلكؤ عمل مفوضية الانتخابات، واختراق الأحزاب للمفوضية على مستوى المحاصصة، بالإضافة إلى عدم وجود ثقة بها كمؤسسة”.

وتابع: “كانت المفوضية في انتخابات 2018 محط تشكيك”، مشيرا إلى وجود رغبة بوجود الأمم المتحدة كجزء متعلق بضمان شفافية الانتخابات وحياديتها.

الشمري: الأمم المتحدة تدرك أن العراق لا يزال بحاجة إلى المشورة في ظل تلكؤ عمل مفوضية الانتخابات، واختراق الأحزاب للمفوضية، بالإضافة إلى عدم وجود ثقة بها كمؤسسة

ولفت إلى أن “الانتخابات النزيهة تعد أحد مطالب الحركة الاحتجاجية التي دعت أيضا إلى تدخل الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات، بسبب عدم وجود ثقة بالقوى السياسية التي يمكن أن تعرقل شفافية العملية الانتخابية”، مبينا أن “المنظمة الدولية تدرك جيدا أن هناك صراعا خفيا بين القوى والأحزاب السياسية على المفوضية، ليس فقط على أساس مجلسها، بل إنها حجزت لها مساحة على هيكلية هذه المؤسسة التي يجب أن تكون غير خاضعة للتقاسم الحزبي”.

وأوضح أن “استمرار تقاسم مناصب المفوضية سوف ينسف عملها، ويثير بشأنها علامات استفهام”، محذرا من “احتمال حدوث عزوف جديد عن الانتخابات المقبلة”، مشيرا إلى أن “تدخل الأمم المتحدة لا يعني أن ذلك سيحد من إمكانية التزوير بشكل نهائي، لأن بعض القوى السياسية تدرك أن مصيرها ومستقبلها السياسي مرتبطان بالانتخابات، ولذلك ستعد العدة لحشد بعض الأساليب التي تمكنها من التزوير”.

ولفت إلى أن “الأمر يتوقف على التقنيات التي سوف يتم اعتمادها من قبل مفوضية الانتخابات، ومدى القدرة على اعتماد آليات يمكن أن تحد من التزوير”، مضيفا: “حتى الأمم المتحدة قد لا تتمكن من السيطرة على كل المراكز والمحطات الانتخابية، ولا يمكن أن نرى عملية انتخابية من دون تزوير”.

واستدرك الشمري: “لكن لا بد من وجود تعاون بين مفوضية الانتخابات، والجهات الرقابية الدولية، ومن ضمنها الأمم المتحدة، فضلا عن المراقبين المحليين، من أجل وقف التزوير”، مبينا أن “قانون الانتخابات يمثل مساحة صراع بين القوى التقليدية التي تسعى لصياغة قانون يضمن لها العودة مرة أخرى للسلطة”.

وتابع: “أشك في أن هذه القوى يمكن أن تدفع بقانون انتخابات يمكن من خلاله بروز قوى جديدة، لكن مع ذلك فإن الأمر يتوقف على الناخب الذي يمتلك حق اختيار الأحزاب الممثلة لتطلعاته”، مبينا أن “قانون الانتخابات سيكون وفقا لما تريده الأحزاب التقليدية التي تريد الاحتفاظ بمكتسباتها”.

يشار إلى أن آخر انتخابات تشريعية أجريت في العراق كانت في مايو/ أيار 2018، والتي أفرزت حكومة عادل عبد المهدي، التي أطاحت بها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وتعرضت الانتخابات الماضية لاتهامات بالتلاعب والتزوير، رافقت ذلك حملاتٌ شنها سياسيون للتشكيك في نتائجها.