في ضربة جديدة لتنظيم داعش بالجزائر، أعلنت وزارة الدفاع الأحد الماضي أنها قتلت “إرهابييّن خطيرين”، أحدهما كان أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بمنطقة الساحل، وهو نور الدين العويرة الملقب بأبي الحمام، لا تخلط بينه وبين يحيى أبي الحمام.
كما كان أبو الحمام أمير كتيبة الغرباء (بقسطنطين ومحيطها)، وهي ميليشيات تنتمي إلى تنظيم داعش بعد انشقاقها عن تنظيم القاعدة في يوليو 2015.
داعش المتمركزة أصلًا في فوبور لامي- حي تقطنه الطبقة العاملة في قسنطينة- استفادت من القضاء على بلدة الصفيح في المنطقة، ونزوح سكانها نحو بلدة علي منجيلي الجديدة على بعد حوالي 15 كيلومترا من قسنطينة شمال شرق الجزائر، حيث بدأت المجموعة أيضا في توسيع نفوذها.
وطبقا للمعلومات التي جمعتها “ميدل إيست آي”، فإن كلا الرجلين اللذين قتلا في نهاية الأسبوع كانا قد تم تحديدهما ومتابعتهما من خلال المعلومات الاستخباراتية التي تلقتها قوات الأمن الجزائرية، والتي فضلت الانتظار حتى عزل المسلحين في حي جبل الوحش المطل على قسنطينة، لتقليل أي ضرر جانبي وتجنبًا لخطر الهروب.
السلطات زعمت أنها عثرت على سلاح دقيق -بيريتا 92- بحوزة أبي الحمام، والذي استُخدم لإطلاق النار على الشرطي عمار بوكعبور، الذي قُتل بثلاث طلقات نارية في أكتوبر، في حادث إطلاق نار تبنته داعش في وقتٍ لاحق.
“نُسبت جريمة القتل إلى أبي الحمام الذي يُشتبه في قيامه بالتخطيط لهجوم داعش المُجهض على مركز شرطة قسطنطين في 26 فبراير. حتى إن كان الانتحاري قد جاء من جيجل بقسنطينة، فمن المعروف أن ميليشيا الغرباء نظمت مؤامرة”، كما قال مصدر أمني جزائري.
ثلاث مجموعات وأقل من مائة رجل
على الرغم من بداياتها سيئة السمعة -باختطاف وقتل المهاجر الفرنسي هيرفيه جورديل في سبتمبر 2014 وانشقاق عدد من الشخصيات القيادية من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- إلا أن داعش لم تنجح في تطوير ولايتها بالجزائر، وهو الاسم الذي تطلقه داعش على جميع خلاياها الحضرية النائمة والانقسامات المسلحة النشطة في التلال الجزائرية.
وفقا لمصادر أمنية فعدد القوة الحالية لداعش تُقدر بثمانين رجلا فقط موزعين على ثلاث مجموعات.
“يوجد في الشرق ميليشيا الغرباء في قسطنطين، وميليشيات أنصار الخلافة في منطقة سكيكدة. تضم هذه المليشيات معا 50 رجلًا أو نحو ذلك. كما يوجد جنود سابقون من الجماعة الإسلامية المسلحة –تنظيم مسلح منذ التسعينات- يرتبط دورهم في الغالب بالتنسيق واللوجستيات”. وفقًا لمصدر عسكري.
جماعة أنصار الخلافة خرجت من كتائب شهداء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. في بداية 2000 استقرت كتيبة الشهداء حول سكيكدة على خليج ستورا، شمال شرق قسطنطين، وهي منطقة يصعب الوصول إليها؛ لإنها مُشجّرة، خاصة في أعقاب قرار العديد من جماعات سكيكدة وجيجل والبربر بالتخلي عن النضال من أجل ميثاق السلام والمصالحة الوطنية، والذي قدّم عفوًا عن جميع المقاتلين الإسلاميين المسلحين الذين اختاروا التخلي عن القتال.
يُقال إن هذه المجموعة، النشطة حتى الآن، يقودها عمار لملوم، الملقب بزكريا. منذ صيف 2015، فرض الجيش ضغوطا على المنطقة من خلال نشر أكثر من 4 آلاف رجل، في عمليات شهدت سقوط الكثير من القتلى.
“في المركز، في مثلث “البويرة – بومرداس – بجاية”، كانت جماعة تُدعى جند الخلافة، ولم يُعلن عن اسم أميرها منذ مقتل زعيمها عثمان العاصمي في مايو 2015” وفقًا للمصدر العسكري. يضيف: “لا نعرف من هو الأمير الذي يقود كل المجموعات، طُرح اسم أبو الحمام، لكننا نعرف أن الأمر ليس كذلك”.
خسائر لا تُعوض
لا يُرجح أن يكون أبو الحمام الزعيم العام لتنظيم داهش في الجزائر. أولًا لأنه أصبح مسلحا فقط عام 2008، وكان من قبل عضوا صغيرا نسبيا في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
يقول المصدر العسكري “إنه يعتبر جديد نسبيًا بالتالي لا يستطيع ادعاء مثل هذه المسؤولية. وهناك دليل إضافي على أنه قُتل عندما كان مسافرًا مع نائبه، إذا كان الأمير فحتمًا سيكون حوله أربعة أو خمسة مسلحون على الأقل. كما أن أمير الولاية لا يشارك في أي عمل مباشر في المدينة، مثل حادث اغتيال الشرطي في قسنطينة”.
يضيف: “وأخيرًا، فإن المجموعة الأكثر تأثيرا التابعة لتنظيم داعش هي جماعة جند الخلافة، كما تبيّن من العمليات التي قادها الجيش الجزائري منذ عام 2014 في سلسلة جبال البيبان. وفي عملية جرت في فبراير بشمال شرق مدينة بورا، حيث قُتل 14 إرهابيا و9 جنود. لذلك من المستحيل أن يكون الأمير في قسنطينة، في حين أن أكبر قوة داعش في هذه المنطقة، على بعد حوالي 300 كم من الشرق”.
مع وجود 200 رجل في المتوسط -في جميع المجموعات- يُقتلون سنويًا من قِبل الجيش، فإن الجماعات المسلحة في الجزائر تواجه اليوم صعوبات كبيرة، وتعاني من خسائر لا يمكن للمنضمين حديثًا تعويضها. ووفقًا لمصدر أمنى جزائري، فقادة داعش المحليون بلغ بهم اليأس أن يطلبوا من رجال في جماعات تونس وليبيا الانضمام لهم.
مسؤول بارز في مكافحة الإرهاب يقول: “إذا نظرنا عن كثب إلى ملف الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم في السنوات الأخيرة، يمكننا أن نلاحظ انضمامهم إلى الحروب قبل عام 2010. مما يدل أنهم يكافحون من أجل تجنيد المزيد. أما الجزائريون فيتم القضاء عليهم إما خلال العمليات العسكرية، أو يعتزلون للاستفادة من ميثاق السلام والمصالحة الوطنية، وهذا هو السبب أن القادمين الجُدد هم في الغالب أجانب من مالي والمغرب والنيجر وتونس وليبيا”.
مع ذلك، لا تشعر أجهزة الاستخبارات بهذا التفاؤل.
أحد خبراء مكافحة الإرهاب يقول: “صحيح أنه تم إضعافهم، ويعتبرهم البعض معزولين للغاية، لكن لا ينبغي أن ننسى أن أكبر انتصار بالنسبة للإرهابيين هو البقاء على قيد الحياة. إنهم يعرفون أن لديهم كل شيء للبقاء في الخفاء في انتظار وضع أكثر ملاءمة، مثل عدم الاستقرار السياسي. في هذه الحالة، وبين عشية وضحاها، سيمكنهم تجنيد كثيرين ويصبحون جاهزين للعمل. الاستئصال الكامل أمر مستحيل، وهذا هو مكمن الخطر”.
تنظيم القاعدة يتفوق على داعش
في الوقت نفسه، يبدو أن أمير تنظيم القاعدة حقق نجاحًا أكبر بكثير من نظرائه في داعش.
أصبح عبد المالك درودكال، البالغ 50 عامًا تقريبا، معزولًا جدًا على مر السنين. في جبال القبائل شمال البلاد، حيث يُفترض أنه يختبئ، رأى عبد المالك منظمته تتطور على مر السنين، وتكتسب نفوذًا مطردًا في منطقة الساحل، رغم ضعف أرضه المركزية الأصلية.
كما ظل من المتفرجين في الحركة الأخيرة، عندما أُعلن -عبر شريط فيديو- عن اندماج مجموعة “المرابطون” التي يقودها مختار بلمختار مع مجموعة أنصار الدين التي يقودها المالي إياد الغالي، وإمارة الصحراء -فرع من تنظيم القاعدة- بقيادة جمال عكاشة، الملقب بيحيى أبو الحمام.
اكتسبت الحركة الجديدة ولاء أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة. كما يقول مصدر أمني جزائري إن “أجهزة الأمن الغربية اعترضت رسائل البريد الإلكتروني في نوفمبر وديسمبر 2016 بين أيمن الظواهري، إياد الغالي وجمال عكاشة. طلب أمير القاعدة من الزعماء الجهاديين في شمال مالي أن يتحدوا تحت القائد نفسه؛ لإظهار أنشطتهم في شمال مالي كمقاومة مشروعة ضد الاحتلال الفرنسي”.
في بيان يوم السبت، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع يوم 29 مارس الماضي وأسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد قوات الأمن في مالي بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو. هذا الهجوم هو العملية الثانية التي أعلنت الجماعة مسؤوليتها عنها بعد عملية قتل 11 جنديا في نفس المنطقة في الخامس من مارس.
وبينما فقد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الكثير من الرجال، وفقا لما ذكرته أجهزة الاستخبارات، فإن المنظمة لا تزال تضم نحو 500 عضو. والأهم أنها أظهرت بمرور الوقت قدرة ملحوظة على التكيف.
خبير عسكري يقول: “لقد صمدت القاعدة أمام هجر جزء كبير من مديريها إلى داعش، إلا أنها قامت بتصحيح تكتيكاتها القتالية والاتصالات لتقليل خسائرها”.
ما يميز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب على تنظيم داعش، بخلاف عدد الأعضاء، هي أن لديها معرفة واسعة بالميدان وخبرة مُكتسبة من عدد سنواتها في الإرهاب، وقبل كل شيء، لديها أفضل الملاجئ للاختفاء”.
من جانبها، تسعى داعش بلاد المغرب إلى البقاء على قيد الحياة في انتظار عودة مُحتملة من داعش سورية أو ليبيا.
يقول الخبير: “تعبير الإرهاب المتبقي الذي تستخدمه السلطات واقعي بالفعل، لكن يجب عدم التقليل من شأن التهديد الذي تمثله، سواء تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة. فبين عشية وضحاها، يمكنهم أن يعودوا لقوتهم إن واتتهم الظروف”.
الغد