دعونا نستذكر ما قام به المرجع محمد تقي المدرسي على ارض الواقع، فمع بداية انتصار الثورة في إيران، تأسّست عدة أحزاب في الخارج تتبع النظام في طهران، من أجل توسيع نفوذه من خلال التجمعات السكانية الشيعية في العالم العربي, وكانت محافظة النجف العراقية اولى محطات الاهتمام الايراني، ليتم تحريض الشيعة على زعزعة الأمن والاستقرار، وقلب نظام الحكم في العراق، وتم الشروع بتشكيل تنظيمات سرية لهذه الغاية كان من أبرزها ما يسمى “بمنظمة العمل الإسلامي” التي أشرف على تأسيسها ودعمها المرجع محمد الشيرازي، الذي عرف عنه توريثه لمرجعيته إلى أبنائه بدلاً عن المتعارف عليه عند الشيعة الاثني عشرية من شروط معينة لنيل درجة المرجعية ليس بينها الوراثة.
ونشطت المنظمة تحت قيادة محمد تقي رهير بور الملقب بـ”محمد المدرسي” وأخوه هادي رهير بور ، وهما اليوم من مراجع الشيعة في مدينة كربلاء، ولم تقتصر اعمال المنظمة على العراق فحسب، بل امتدت أعمالها إلى البحرين والكويت والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية أيضًا. ولعل هدف الجبهة كان تأطير “انتفاضة جميع المسلمين تحت قيادة الخميني” حيث خدم محمد المدرسي مع كوادر الجبهة الى جانب القوات الإيرانية خلال الحرب بين إيران والعراق.
و اكد الخبير في الشؤون الايرانية شموئيل بار، في دراسة له انه “على مر السنين منذ الثورة الإيرانية تأسست عدد من المنظمات مثل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وحزب الله الحجاز، والجبهة الإسلامية لتحرير المملكة العربية السعودية، وغيرها العديد والتي يمكن عدها مجرد فروع “افتراضية” من وزارة المخابرات الإيرانية “وزارة المخابرات والأمن الوطني” أو الحرس الثوري / قوة القدس.”
وفي البحرين عمل هادي المدرسي شقيق محمد تقي المدرسي على تكوين: “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” ومقرّها: طهران، وأصدرت بياناً تبيّن فيه أهدافها، وهي على النحو التالي:
- إسقاط الحكومة البحرينية.
- إقامة نظام شيعي يتبع نظام الخميني في إيران.
- الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، وربط البحرين بالجمهورية الإيرانية.
وكانت الجبهة تُصدر من إيران عدداً من المجلات، ومنها :”الشعب الثائر” و”الثورة الرسالة” وغيرها، وكان “الصندوق الحسيني الاجتماعي” أحد قواعد ومنطلقات هذه الجبهة. وفي نهاية عام 1979 نظمت “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” تظاهرات، تزامنت مع تظاهرات شيعة السعودية في القطيف، والتي اعقبها تحضير الجبهة لعملية انقلابية قادمة، فقامت بتهريب الأسلحة إلى البحرين، وفي كانون الاول/ ديسمبر عام 1981 نفذت الجبهة بقيادة محمد تقي المدرسي المحاولة الانقلابية ضد النظام البحريني، وتم إفشال هذه العملية وألقت الحكومة البحرينية القبض على 73 متّهماً شارك بعضهم في العملية أو عاون القائمين بها.
وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين وبالتنسيق مع المسؤولين في المخابرات الإيرانية، تم الاتّفاق على إنشاء الجناح العسكري للجبهة تحت اسم:”حزب الله – البحرين”، برعاية الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، وباشراف مباشر من المدرسي، لتجنيد ثلاثة آلاف شيعي بحريني لحزب الله البحريني، وتدريبهم في إيران ولبنان.
ويعد هادي المدرسي، زعيم “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” المرشد والداعم لهذا الحزب، وقد ادى دورا كبيرا في دعمه لوجستيا وتنظيريا، واشرف على عمليات التخطيط والترتيب لإحداث القلاقل في مملكة البحرين، والسيطرة على بعض المناطق والمرافق المهمّة، بقصد قلب نظام الحكم والحاق المملكة بايران، من خلال نظام موال لحكومة الولي الفقيه.
وارتباطات المدرسي الوثيقة بالحرس الثوري، و”حزب الله” اللبناني والسفارات الإيرانية، مكنته من قيادة عملية التنسيق والتعاون بين الجماعات الشيعية في السعودية واليمن والبحرين والكويت، ويذكر عادل اللباد في كتابة الموسوم بـ”الانقلاب: بيع الوهم على الذات” انتقال شباب من الشيعة في دول الخليج العربي إلى إيران عبر سوريا، وانضموا لمركز تدريب عسكري تابع لمحمد تقي المدرسي، لتلقي تدريب عسكري، على استعمال السلاح، وتصنيع المتفجرات، وتكتيكات الاقتحام، واستعمال قذاف (الآر بي جي)، وكذلك على فنون القتال كالكاراتيه والتاكوندوا، ودراسة تاريخ المنظمات الثورية، مثل منظمة بادر ماينهوف، والألوية الحمراء، وعمليات كارلوس في عالم الاختطاف والقتل، ولشدة هذه التدريبات، فقد لقي بعضهم حتفه فيها.
وكان موقع “ستراتفور” الأمريكي نشر في 15 آذار/مارس 2011، تقريرا مطولا تحت عنوان “أنشطة ايران السرية في البحرين”، قدم فيه معلومات نقلا عن مصادر المخابرات، بخصوص دور ايران التخريبي في البحرين والمنطقة، وعن من يقول انهم اتباع ايران في البحرين.
ووفقا لمصادر ستراتفور المخابراتية يذكر التقرير ان محمد تقي المدرسي له علاقات عائلية وطيدة بالايرانيين، وانه مسؤول عن توفير الإمدادات لحركة الاحتجاج في ميدان اللؤلؤة، واختيار أماكن الاحتجاج، وتوزيع الأموال، والمواد الغذائية، وتجنيد المحتجين بالتنسيق الكامل مع الايرانيين، وهو ما اكدته مصادر المخابرات.
وليس تعاونه مع “فيلق القدس” الا انعكاس لاهمية منطقة الخليج العربي في الحسابات الايرانية وتحديدا مملكة البحرين، بوصفها احدى الساحات الكبرى لعمليات هذا الفيلق وانشطة ايران التوسعية. حيث وردت معلومات عن علاقته بالحرسي غلام شكوري، الذي ساعد على التخطيط لعمليات فيلق القدس في البحرين.
وتستوقفنا هنا الكلمة الاسبوعية التي القاها محمد تقي المدرسي في 26/2/2015 حول دعوة الشعب العراقي للتأهب والاستعداد للقيام بانتفاضة شعبية ضد المؤامرات والخطط التي تحاك ضده، علما انه اوغل في حياكة الدسائس واستهداف الاستقرار في العراق ودول الخليج الاخرى، وسخر إمكاناته ونشاطه السياسي لخدمة الولي الفقيه، واعلن الحرب على الأنظمة الخليجية.
والمدرسي عضو فاعل في شبكة ايرانية، اتخذت انشطتها اشكالا متعددة منها الصناديق الخيرية والجمعيات التوعوية الدينية والمآتم والحسينيات والمساجد، وامتدت إلى الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، وتتهمه السلطات البحرينية بتنفيذ اعمال ارهابية. حيث القت السلطات الحكومية القبض على مجموعة من المتورطين بتفجير الدية في المنامة في آذار /مارس 2014، كانوا يعملون تحت إشراف المرجع الشيرازي هادي المدرسي وشقيقه محمد تقي المدرسي وأن بعض المتهمين قد تلقوا تدريبات في معسكر تدريب في محافظة كربلاء العراقية، تحت إشراف خبراء في حرب الشوارع ينتمون إلى ميليشيات شيعية.
ويمارس محمد تقي المدرسي السياسة بعقلية الغائية بكمالها واحقيتها، والتي تقول ان ما دونها لا يملك الا ان يتم استئصاله والقضاء عليه، من خلال خطب دعوية وممارسات حركية، يهاجم
فيها انظمة يزعم انها تظلم الشعوب وتقمعها، ويغفل عما يجري في العراق من مظالم وانتهاكات لحقوق الانسان، جرت البلاد الى ويلات ومواجهات وتشريد للسكان، والتي لا تجلب الا العنف المضاد، عمليات تطهير طائفية ومذهبية في معظم الأراضي العراقية، لم تحمل المدرسي على رفضها ومطالبة الحكومة بالتصدي لها ومعاقبة من يرتكبها، ان لم يكن هو من يؤصل لفكر الاستئصال المنحرف.
وتنطبق عليه مقولة: ” فاقد الشيء لا يعطيه” ففي حديثه عن الانتصارات التي حققتها “المقاومة الشيعية” في لبنان على يد “حزب الله” يغفل عما يرتكبه الحزب في سوريا من جرائم، حيث اصبح درعا حماية لنظام الاسد، وما التباهي بمحاربة اسرائيل الاذريعة فقدت صدقيتها، ووجود “حزب الله” في العراق وسوريا له هدف واحد فقط هو تنفيذ السياسة الايرانية وترسيخ هيمنتها على المنطقة.
وما كشفته التسريبات الاخيرة يؤكد تماهي المدرسي مع ايران ومشاريعها، حيث قدم نموذجا من سياسة التبعية وأتقن لعبة التحريض، وكان من بينها دعمه للقنصلية التي انشأتها ايران للمعارضة الشيعية البحرينية في محافظة كربلاء، واشرافه على تمويلها ودعم انشطتها المعادية لمملكة البحرين.
ازدواجية سلوك المدرسي تدفعنا لطرح عدد من التساؤلات من بينها: كيف يستقيم فهم رفض البعث واجتثاثه في العراق، ودعمه ومساندته في سوريا؟ ايوجد بعث شيعي وآخر سني؟ وماذا عن القوات الايرانية التي اعلن عنها مسؤولو النظام والتي توجد في ثلاث دول عربية هي:”العراق وسوريا واليمن” وأعدادها تزيد على أعداد جيوش “حزب الله” اللبناني. حيث بدأت طهران بتشكيل “حزب الله” آخر في سوريا على غرار الحزب الام من مجموعات أفغانية وإيرانية وعراقية ويمنية ، بالإضافة إلى السوريين العلويين، وقوات متعددة الجنسيات وكلها في خدمة الولي الفقيه، انه الفصام السياسي الذي يبيح لنفسه ما يرفضه للاخرين، ومحمد تقي المدرسي نموذجا…
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية