تواقت تفجير دموي في إحدى محطات القطار التحت أرضي في بطرسبورغ الروسية مع زيارة رسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمسقط رأسه للاجتماع برئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو وهو ما يمثل إشارة واضحة لاستهداف رأس القيادة الروسية.
ورغم أن كل التفاصيل التي تناقلتها وسائل الإعلام الروسية عن تفجير محطة «سينايا بلوشتشاد» بوسط العاصمة السابقة للامبراطورية الروسية، الذي أدّى لمقتل 14 وجرح 50 على الأقل، تشير إلى كونه ذا طابع إرهابي فإن الناطق باسم النيابة العامة الروسيّة قدّم روايتين مختلفتين، الأولى على شبكة «روسيا 1» تقول إن الانفجار عمل إرهابي والثانية لوكالة الأنباء «انترفاكس» يقول فيها إنه من المبكر جدا الجزم بوجود عمل إرهابي، أما الرئيس الروسي نفسه فقال لوكالة الأنباء الرسمية «إيتار تاس» إن الإمكانيات مفتوحة للتقدير إن كان العمل من طبيعة إجرامية أو إرهابية.
أثناء هذا التحفّظ الرسميّ كانت صور التدمير الذي تعرّضت له عربات القطار وأجساد المصابين المرميّة على أرصفة الصعود والهبوط تنتشر بشكل محموم على مواقع التواصل الاجتماعي في روسيا وتحدثت بعض التقارير عن انفجارين لكنّ السلطات أعادت التأكيد على وجود انفجار واحد فحسب، وتابعت وسائل الإعلام خيط العمل الإرهابي حيث تحدثت «انترفاكس» عن التقاط كاميرات المراقبة في المحطة صورا لشخص يشتبه بأنه منظم التفجير وأن العبوة الناسفة ربما تركت في حقيبة. الدلائل الأولية تشير إلى ان هذا العمل إرهابي، وصور ضحاياه الأبرياء تثير الصدمة والغضب والحزن.
وإذا كان واضحاً أن وقوع القتلى والجرحى المدنيين من أهالي بطرسبورغ كان رسالة موجهة لبوتين فإن من سوء المصادفات أن النيابة العامة البولندية أعلنت في يوم التفجير توجيهها تهمة لمراقبين جويين روس بالتسبب في تحطم طائرة بولندية في سمولنسك عام 2010 أسفرت عن 96 قتيلا بينهم الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي وهو أمر ردّ الكرملين عليه بالرفض وكان قد رفض ايضاً السماح لوارسو باستعادة حطام الطائرة.
وهو ما يعيد التذكير أيضاً بكارثة إسقاط طائرة ماليزية بصاروخ Buk روسي الصنع ومقتل 298 من ركابها فوق منطقة نزاع داخل أوكرانيا والتي أكّدت مصادر صحافية ورسمية بأن المتمردين الموالين لروسيا هم المسؤولون عن الحادثة.
يعيد تفجير بطرسبورغ للذاكرة أحداثاً إرهابيّة أخرى كالهجوم الانتحاري عام 2010 على مترو أنفاق موسكو الذي نفذته انتحاريتان شيشانيتان، وقتل ما يربو على 330 شخصاً نصفهم أطفال عام 2004 في عمليّة اقتحام مرعبة نفذتها قوات الأمن الروسية لقتل متشددين شيشانيين كانوا يحتجزون رهائن وصارت علامة كبرى على أسلوب بوتين الذي يستهين بحياة البشر لتحقيق أهدافه الأمنية والسياسية.
يعيد اعتداء بطرسبورغ التذكير بالتعريف الشهير للإرهاب وهو أنه «الاستخدام المدروس للعنف، أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية في طبيعتها من خلال الترهيب والإكراه وبث الخوف»، وهو تعريف بسيط وجامع ويفترض استخدامه لتوصيف أي عمل من هذه الطبيعة، سواء قام به أفراد، كما حصل في بطرسبورغ، أو قامت به دول، كما هو تفعل الدولة الروسية بوضوح ما بعده وضوح في سوريا حيث سجّل قتل 3967 مدنيا منذ تدخلها العسكري هناك، وهو ما ينطبق أيضاً على باقي الدول كالولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت قبل يومين بقتل قرابة 300 شخص في العراق وسوريا بطريق «الخطأ»، أو إسرائيل التي تقوم بالأمر نفسه يوميّاً ضد الفلسطينيين، والتي كانت حصيلة هجومها على غزة عام 2014 قتل 2174 فلسطينيا 81٪ منهم مدنيون وبينهم 530 طفلا.
بهذا المعنى فإن هذه الدول، حسب تعبير المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، دول إرهابية رائدة منخرطة في إرهاب دولي واسع، وعليه فإن إرهابها، وليس فقط إرهاب الأفراد والتنظيمات يجب أن يدان.
صحيفة القدس العربي