دخلت سوريا في نفق دموي مظلم منذ ست سنين، وانغمست في حالة من التصارع المزمن، الذي يدور في حلقة مفرغة، تقذف الدماء والأشلاء والدمار، والنتيجة أن الجميع خاسر، والضحية هي الدولة السورية والشعب السوري، والعالم اليوم ينتظر بعين الأمل وبفارغ الصبر انتهاء هذه الأزمة، ليعود لهذه البقعة أمنها واستقرارها، وتفتح صفحة جديدة لصالح أبنائها والمنطقة.
أجّجت إيران الحرب في سوريا منذ الأيام الأولى، ضمن مخططاتها الواسعة لإحداث الفوضى من المحيط إلى الخليج، وزعزعة الأمن العام في الوطن العربي.
الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا كانت إحدى العقبات التي واجهت السلام والاستقرار في المنطقة، وأدخلت الأزمة السورية في مزيد من التعقيد والشدّ والجذب، ساهمت في إطالة عمر الأزمة، وعرقلة الوصول إلى أية تسويات سياسية لحقن الدماء وبناء مستقبل جديد.
الحرس الثوري الإيراني التابع للمرشد الأعلى علي خامنئي، كان المنظمة الإيرانية العسكرية التي توغلت في سوريا، فهي الذراع العسكرية المكلفة بتصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار، وله تاريخ أسود في نشر الإرهاب والفوضى، خاصة فيلق القدس التابع للحرس الثوري والمسؤول عن العمليات الخارجية لهذه المنظمة الإرهابية، والذي يقوده قاسم سليماني، وأصبحت سوريا مقراً رئيسياً للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الإيرانية التي تعمل لصالح المشروع الإيراني في المنطقة.
وبلغت الغطرسة بالحرس الثوري إلى حد أن قائد هذه المنظمة محمد علي جعفري يقول إن «إيران هي من تقرر مصير سوريا».
قادت إيران معارك برّية واسعة في سوريا، وأشارت تقارير إلى وصول مئات الجنود الإيرانيين إلى سوريا، وتكوين إيران لميليشيات طائفية من جنسيات متعددة تخدم مصالح إيران في سوريا، فإيران خبيرة في إنشاء عصابات ومنظمات إرهابية جديدة بشكل دوري.
لعب الخطاب الديني الإرهابي من قبل المرشد الأعلى خامنئي والتيار المتشدد في إيران دوراً جوهرياً في التمدّد الإيراني في سوريا، فقد أصدر خامئني في سبتمبر 2011 ما سمّاه بالجهاد المقدس في سوريا، وحرّض الشباب الإيرانيين على الالتحاق بجبهات القتال في مناطق الصراع، لتجرّع كأس الشهادة على حد زعمه، بالإضافة إلى أن نظام ولاية الفقيه الذي تأسست عليه إيران الخميني نظام هدام متطرف، لا يعترف بشرعية الدول لأنها لا تحظى بدعم الفقيه، ويقوم هذا النظام على فكرة هدم الدول لإنشاء دولة عالمية ثيوقراطية طائفية على أنقاضها، زمامها بيد الفقيه الإيراني، في موازاة لفكرة الخلافة الداعشية، ما يدل على أن الإرهاب واحد وإن تعددت صوره.
سعت إيران لإرسال الشباب إلى جبهات الصراع تحت ذرائع دينية، بمن فيهم شباب أفغانيون يتم استغلالهم وإغراؤهم لجعلهم وقوداً للحرب، وتغذيتهم مذهبياً وطائفياً، وإقناعهم بأنهم يدافعون عن الإسلام ويحمون المقدسات، ويتم تطويق جباههم بعصائب «مدافعان حرم»، إحدى الوحدات العسكرية التابعة للحرس الثوري، وهذا الخطاب الإرهابي متوغل إلى أقصى رأس الهرم. قال روحاني في أحد تصريحاته: «أبطال الجنرال قاسم سليماني هم سبب قوة ومجد إيران، وإن الحرس الثوري يضحي عن الأماكن المقدسة والأضرحة الطاهرة في سوريا والعراق».
تستميت إيران في حربها في سوريا وتقاتل حتى العظم للإبقاء على النظام السوري، أهم حليف لها، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فإيران الخميني لا تستطيع أن تعيش بدون توغل وتغلغل وتدخل في شؤون المنطقة، ويرى التيار الإيراني المتشدد الذي يحكم إيران، أن سوريا عمق استراتيجي لمصالح إيران، وسقوط النظام السوري بالنسبة لإيران يمثّل قاصمة ظهر، تفقد إيران بسببه نفوذها في سوريا ولبنان.
لهذه الاعتبارات وغيرها تعتبر إيران معاركها في سوريا معارك مصيرية، ولذلك فمن مفاجآت إيران التي أذهلت المراقبين أنها سمحت لروسيا باستخدام قواعدها لتوجيه ضربات داخل الأراضي السورية، على الرغم من أن إيران لم تسمح بتواجد قوات أجنبية على أراضيها منذ الاحتلال الروسي والبريطاني لإيران.
العمليات العسكرية الإيرانية تستهدف الشعب السوري بكل وحشيّة، وتستخدم إيران جميع الوسائل للإبقاء على نفوذها ومصالحها في سوريا ولو على حساب دماء وأشلاء السوريين الأبرياء.
والشعب الإيراني كذلك ضحيّة لمغامرات نظامه، فنسبة كبيرة من الشعب الإيراني تعيش تحت خط الفقر، والأموال التي تهدرها إيران في مشاريعها الخارجية الإرهابية، كان الأجدر بها أن تنفقها على شعبها، ولديها ما يكفيها من أزمات في الداخل ومع دول المنطقة والعالم.
إيران تلعب بالنار، وهي في الطريق لإحراق نفسها، واعتبر كثيرون سوريا فيتنام إيران، وکشف مصطفى زهراني مسؤول في الخارجية الإيرانية أن بلاده لا تملك استراتيجية الخروج من الحرب في سوريا، مشيراً إلى أن على طهران إيجاد حل للخروج من الأزمة السورية قبل فوات الأوان، خصوصاً أن دول المنطقة أصبحت أكثر معرفة تجاه التدخلات الإيرانية.
سلطان حميد الجسمي
صحيفة الخليج