بدأت اسعار النفط تشهد ارتفاعا في الأسابيع الماضية متأثرة بعوامل متعدّدة وصعدت عقود النفط الآجلة مع تعطل إلامدادات في بحر الشمال والمضاربة التي يقوم بها المستثمرون في الأسواق المالية. والنمو القوي للطلب الصيني على النفط. ولاقى النفط أيضا دعما من تعطل الإنتاج والصادرات من بعض الدول المنتجة مثل ليبيا والعراق في الأسابيع الماضية.
وقد ارتفعت أسعار النفط إلى نحو 60 دولارا للبرميل بعد أن بلغت الشهر الماضي 45 دولارا للبرميل ما يشير الى سرعة الصعود في اسعار النفط .
وشهدت أسعار العقود الآجلة للنفط صعودا حيث سجل نفط برنت الأوروبي والنفط الأميركي الخفيف أول مكاسبهما الشهرية منذ تموز الماضي مع تراجع الإمدادات وتعافي آفاق الطلب على النفط. وصعد سعر العقود الآجلة لبرنت 2.53 دولار أي 4.21% إلى 62.58 دولارا للبرميل، بينما زاد سعر عقود الخام الأميركي 3.30% إلى49.76 دولارا للبرميل.
واسهمت التوقعات بتحسن الطلب على الخام في ارتفاع سعر برنت 18% منذ بداية الشهر من 52.99 دولارا للبرميل في آخر تسوية في يناير/كانون الثاني.
ويعد عامل العرض والطلب اليومَ عاملا أساسياً في تحديد السعر، وكما هو معروف فالمعروض يفوق حاجة السوق وذلك نتيجة الفائض في الإنتاج السعودي والقوة في الامدادات التي قد يصل معها الإنتاج اليومي بين مليون إلى مليوني برميل إضافي.
وهذا المعروض الضخم تمكن من لعب دور محوري في هبوط الأسعار في ظلّ غياب الطلب العالمي لهذه المادة نتيجة للوضع الاقتصادي المتردّي في كلّ الاقتصادات المُتطوّرة والتي تستهلك النفط .
المضاربة هي كذلك من ابرز العوامل التي اثرت بشكل واضح في الأسواق المالية العالمية والتغيّرات في سعر النفط حول المعدل الوسطي تعود بالدرجة الأولى إلى. ويتفق الخبراء على ان الارتفاع الأخير في اسعار النفط هو محصلة عمليات مضاربة تعود بالدرجة الأولى إلى اقتناع المستثمرين بعودة صعود برميل النفط إلى مستويات عالية
ماهي اسباب صعود اسعار النفط ؟
انتعاش إلى الاقتصاد الأميركي
يكاد الاقتصاد الأمريكي يكون الاقتصاد الوحيد بين الدول الصناعية الكبرى الذي يشهد تعافياً ملحوظاً في نسب النمو وانخفاض البطالة وخلق الوظائف وذلك بفعل التحفيزات التي خلقتها السياسة الاقتصادية الأميركية. ناهيك عن ارتباط العديد من الاقتصادات الكندي، الصيني، الأوروبي والاقتصادات النامية بالإقتصاد الأميركي ما سيزيد من دون أدنى شك الطلب على النفط.
ويشير خبراء النفط الى ان انهيار أسعار النفط الماضي أدى بالفعل إلى إلغاء آلاف الوظائف في قطاع النفط والغاز مع وقف استثمارات تقدر بحوالي 86 مليار دولار بسبب اشتداد المنافسة التي تواجهها شركات النفط الأميركية المحلية من جانب شركات النفط في الخارج.
معدلات التضخم :
ان هبوط سعر النفط يفسح المجال امام زيادة القدرة الشرائية وبالتالي زيادة الاستهلاك. وهنا يرى الخبراء ان الامر سيدفع المصارف المركزية لأدواتها المالية بهدف كبح مستويات التضخم في وقت لا يسمح النموّ بأيّ زيادة في معدلات التضخم.
ويشير البنك الدولي إلى أن انخفاض سعر النفط سيؤدي لخفض أسعار السلع المستوردة وزيادة هبوط معدل التضخم، وتقليل تقديم دعم الوقود للفقراء، لكنه توقع تأثيرا سلبيا على توفر احتياطيات النقد الأجنبي؛ مما يؤدي لحدوث نقص في السلع داخل البلاد، ولذا توقع البنك الدولي أن يكون تراجع أسعار النفط على أوضاع الفقر، متعادلا.
اقتصاديات دول الخليج العربي
وهنا تشير العديد من التقارير الاقتصادية الى عدم قدرة دول الخليج على الاستمرار بهذا المستوى من المداخيل مع موازنات تُسجّل عجزاً كبيراً قد يضع حداً لمشاريع إنمائية واقتصادية متعدّدة في هذه البلدان. وفي دول مجلس التعاون، ولفت البنك الدولي إلى أن استمرار الانخفاض الحالي في أسعار النفط خلال الأشهر الستة القادمة، سيكبد بلدان المنطقة خسائر في الإيرادات بنحو 215 مليار دولار؛ أي ما يمثل أكثر من 14 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي مجتمعة. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن فائض المالية العامة في الكويت وقطر سيتقلص بدرجة كبيرة ويتحول إلى عجز في عام 2015 في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان، بينما سيتسع نطاق عجز الموازنة بشكل كبير في البحرين، على الرغم من امتلاك تلك البلدان لموارد وفيرة لتمويل الفجوة في ماليتها العامة، فإنه في ظل الاتجاه لارتفاع الإنفاق الحكومي، قد تتأثر آفاق النمو خلال العام المقبل.
تأثير العوامل السياسية
من المعلوم انه اصبح للعقوبات الاقتصادية دور بارز في العلاقات الدولية ولعل الولايات الممتحدة تعد اول من استخدم هذا النوع من الحروب “الحروب الاقتصادية “. وهنا لابد من الاشارة الى ان هذا النوع من الحروب قد اثبتت فاعلية عالية حرمت الكثير من الدول من تطوير نفسها مثل كوبا.
وهنا لابد من الاشارة الى ان العقوبات الاقتصادية من أهم أسباب انخفاض أسعار النفط عالميا حيث سعت الولايات المُتحدة الأميركية لكبح جماح النفوذ الروسي في أوكرانيا والنفوذ الإيراني في الخليج وبرنامجها النووي. وقد نجحت إلى حدٍّ كبير في ذلك مع الروس والإيرانيين ومازالت تستخدم هذا الاسلوب في تعاملها مع الدول المذكورة وغيرها .
وفي الحقيقة فان استمرار تراجع سعر النفط أو استقراره على السعر الحالي، سيؤدي إلى حدوث انهيارات اقتصادية داخل إيران وروسيا، وهذا سينعكس على مواقفهما السياسية في مناطق الصراع.
منطقة الشرق الأوسط
حدّ انخفاض مداخيل إيران من النفط نتيجة العقوبات المفروضة عليها من طموح النظام الإيراني لكنها لم تستطع حتى الساعة تغيير مسار البرنامج النووي لايران . وهذا الأمر هو أساسي بالنسبة للعربية السعودية، وأميركا التي لن تقبل بأقلّ من وضع اليد على البرنامج النووي إذ لم نقل وقفه بالكامل.
الى اين تتجه اسعار النفط ؟
ان الحديث عن اتجاه اسعار النفط في المستقبل سواء كان القريب او المتوسط محفوف بكثير من التنبوء الذي قد يقود الى اخطاء في التقدير فالاوضاع السياسية التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط وكذلك الازمة الأوكرانية، والعوامل الاقتصادية مثل مضاربة المستثمرين في الاسواق و العرض والطلب هذه العوامل جميعها لها دور مهمً في ارتفاع الأسعار وانخفاضها في الأشهر المقبلة.
وهنا يشير خبراء نفطيون الى ان الحديث عن عودة الاسعار الى سقف ال”100″ دولار للبرميل غير معقول فالامر يتعلق بانتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مؤكدين ان التنبؤات تدور حول سعر يتراوح بين ال70-75″ دولار للبرميل .
إلّا أنّ الجدير بالذكر أنّ الأسعار تُحدّد نتيجة العرض والطلب وهذا الأمر يجعل منه رهينة عوامل خارجية عدّة .
في الختام يجب عدم الثقة المُطلقة بإمكانيّة التنبّؤ بأسعار النفط لكن بحسب خبراء فان مرحلة التعافي قد بدات وحركة السوق لايمكن التنبوء بها بشكل مطلق خصوصا في الظروف التي يمر بها العالم حاليا.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية