الرياض – جسّدت المملكة العربية السعودية بمجموعة الأوامر الملكية التي أحدثت تغييرات طالت المجال السياسي والعسكري والدبلوماسي والاجتماعي، مجدّدا حيوية نظامها ومرونته وقدرته على الإصلاح والتجدّد والتكيف مع المستجدّات ومسايرة التغيّر في عقلية المجتمع والتطوّر في حاجات أجياله الجديدة.
وعكس عدد من التعيينات في مناصب هامّة التوجّه نحو ضخ دماء جديدة في شرايين الإدارة وفتح الطريق أمام الشباب لدخول دائرة صنع القرار والإشراف على تنفيذ برامج الإصلاح، خصوصا وأنّ المملكة مقدمة على أكبر عملية تغيير في تاريخها ضمن رؤية 2030 التي كان أعلن عنها في وقت سابق ولي ولي العهد وزير الدفاع الشاب الأمير محمّد بن سلمان.
ومسّت تلك التعيينات الحياة اليومية للمواطنين بشكل مباشر من خلال تغيير عدد من أمراء المناطق أريد عن طريقهم بث دماء شابة في طول جغرافية المملكة وعرضها والسير باتجاه إيجاد جيل شابّ من القادة المحليين القريبين من نبض رجل الشارع باعتبار أنّ أمراء المناطق ونوابهم هم المسؤولون عن الجانب الحياتي وتسيير الشأن الأهلي لسكان مناطقهم.
وبموجب الأوامر الصادرة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز تم إعفاء الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل من منصبه وتعيين الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز بدلا منه، وإعفاء الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة وتعيين الأمير حسام بن سعود بن عبدالعزيز. كما أُعفي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي أمير منطقة الحدود الشمالية وعُين في مكانه الأمير فيصل بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز.
ومسّ التغيير الذي نحا نحو التمكين للشباب، بشكل جزئي المجال الدبلوماسي بتعيين الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز سفيرا للمملكة لدى الولايات المتّحدة.
ويأتي وجود الأمير الشاب البالغ من العمر 32 سنة على رأس أهم سفارة للسعودية بالخارج بالتزامن مع أكبر عملية تجدّد يسير نحوها التحالف الاستراتيجي التاريخي بين الرياض وواشنطن.
ولا يبدو من قبيل الصدفة أن يكون الأمير خالد ذو الخلفية العسكرية، باعتباره طيارا في القوات الجوية، في هذا المنصب، في وقت تتجه فيه السعودية والولايات المتحدة نحو تعزيز تعاونهما في المجال العسكري بحيث يكون فاعلا في حسم ملفات على الأرض مثل الملف اليمني والحرب على الإرهاب ومقارعة أطماع إيران في المنطقة.
سفير شاب للسعودية في الولايات المتحدة بالتزامن مع أكبر عملية إعادة صياغة للتحالف التاريخي بين البلدين
وتريد السعودية أن تكون طرفا ندّا وفاعلا على الأرض في مثل ذلك التعاون، ولذلك شملت التغييرات المجال العسكري بأن جرى تعيين الأمير فهد بن تركي قائدا للقوات البرية، الأمر الذي قرأ فيه المراقبون توجها من المملكة لإعادة ترتيب أوراقها في العمليات العسكرية التي تقودها ضد المتمرّدين في اليمن.
وتمّ تعيين الأمير فهد بن تركي، وترقيته إلى رتبة فريق في قيادة القوات البرية، خلفا للفريق عيد الشلوي، كما قضت الأوامر الملكية باعتماد صرف راتب شهرين مكافأة للمرابطين الفعليين في الصفوف الأمامية في حرب اليمن.
ويوصف الفريق فهد، بأنه الدينامو الفعلي للمعركة في اليمن حيث عمل قائدا للعمليات الخاصة للتحالف العربي، إلى جانب عمله نائبا لقائد القوات البرية السعودية وقائدا لوحدات المظليين والقوات الخاصة.
وطيلة الفترة الماضية من عمر الحرب، لم يكن الأمير السعودي يمارس مهامه من المكاتب، بل ظهر في أكثر من جبهة على جبهات القتال المشتعلة بما في ذلك على الخطوط الأمامية بمديرية نهم القريبة من العاصمة صنعاء، وكذلك منفذ علب على الشريط الحدودي بين اليمن والمملكة، وعدد من جبهات مأرب وعدن.
وقبل أربعة أيام من صدور قرار تعيينه في منصبه الجديد، ظهر الأمير فهد في لقاء مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بصدد مناقشة سير المعارك في اليمن.
وشملت عملية التغيير التي حملتها الأوامر الملكية إدارة قطاع الطاقة شديد الحيوية للسعودية بتأكيد وضع الأمير عبدالعزيز بن سلمان في ذلك القطاع وتعيينه وزير دولة لشؤون الطاقة بمرتبة وزير.
ومثّل إعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج من منصبه وتشكيل لجنة وزارية للتحقيق معه في ما ارتكبه من تجاوزات، حدثا بحدّ ذاته حمل رسالة قوية بشأن الاستعداد للتغيير والإصلاح والمحاسبة في إطار محاربة الفساد دون عُقد كان من الممكن أن تؤدي إلى حجب الانحرافات بدل مواجهتها وتقويمها.
وتم تعيين عصام سعيد وزيرا للخدمة المدنية بديلا للعرج الذي أثار الرأي العام بتعيينه لنجله في وزارة الشؤون البلدية والقروية.
كما عكس تعيين عواد بن صالح بن عبدالله العواد وزيرا للثقافة والإعلام خلفا لعادل الطريفي حاجة السعودية إلى ديناميكية إعلامية جديدة في ظلّ الحرب الشرسة التي تخوضها المملكة والتي اكتست بعدا عالميا وتجلّت في حملة تنخرط فيها عدّة لوبيات ممولة من أعداء الرياض وتستهدف سمعتها والحطّ من شأن إنجازاتها وحتى التشكيك في وضعها الداخلي السياسي والاقتصادي والأمني. وكثيرا ما تم انتقاد الطريفي من قبل مثقفين وإعلاميين سعوديين من زاوية قصور سياسته الإعلامية في مواجهة الحملات الإيرانية ضدّ السعودية.
وبرز من بين الأوامر الملكية إعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين.
واستمد هذا الأمر أهمية خاصّة من بعده الاجتماعي المرتبط بحجم الكتلة البشرية التي يمسّها حيث سينعكس على أوضاع الملايين من السعوديين هم عوائل موظفي الدولة الذين يتجاوز عددهم المليوني موظّف، إلاّ أنّ للقرار بعدا عمليا أيضا يتمثّل في تحفيز طاقات الكتلة البشرية الأكبر المنخرطة في سوق العمل والتي ستكون الحاجة إليها كبيرة في تأمين مرحلة الإصلاحات الكبرى الهادفة إلى العبور نحو مدار جديد من الكفاءة والنجاعة والإنتاجية.
العرب اللندنية