حاول البعض الخروج بعبارات جديدة تجمع بين اللغتين العربية والإنجليزية لتكون اسم وادي السيليكون القادم في الشرق الأوسط، فهل سيصبح الشرق الأوسط مقرًا لمركز ابتكار ينافس مهد تطبيقات جوجل وفيسبوك؟
“وادي السيليكون” عبارة عن موقع جيولوجي حقيقي، وقد سُمي بالوادي نسبة إلى وادي سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا، أما الشق الثاني من الاسم فيعود إلى العدد الضخم من الشركات التكنولوجية التي تتخذه مقرًا لها. أما وادي السيليكون في إسكتلندا فهو مساحة جيوفيزيائية كما إنه مركز تكنولوجي. وفيما يتعلق بمنعطف السيليكون في لندن وخليج السيليكون في الفلبين فقد اقترضا كلمة سيليكون لتكون دلالة على أنهما من مراكز التميز التقنية.
كان من الطبيعي إذا أن تطلق حكومة دبي على منطقة التجارة الحرة المعنية بالتكنولوجيا والشركات الناشئة اسم “واحة السيليكون”. ولكن هل يمكن للعالم العربي أن ينجح في ابتكار تكنولوجيا جديدة في المنطقة بالسير على خطى كاليفورنيا؟ هل يمكننا أن نزرع نخيل السيليكون في الصحراء لينافس نظيره على شواطئ كاليفورنيا؟ أم سنكتفي بأداء دور المركز الإقليمي المحتضن للابتكارات الغربية؟ بعبارة أخرى، هل يمكن أن يكون الشرق الأوسط مهد وادي السيليكون القادم؟
ضعف الاستثمارات العربية
من المشكلات التقليدية التي تواجه المنطقة نقص التمويل المتاح لمبتكري الشركات الناشئة، فلم تكن تطبيقات تويتر وفيسبوك وإنستغرام لترى النور لولا دعم الشخصيات التي غرَّدت خارج سرب مشهد التكنولوجيا والأعمال. في أميركا وأوروبا على حد سواء، من المألوف أن ترى أصحاب رأس المال المغامر يضخون مئات الملايين من الدولارات في برامج الشركات الناشئة التكنولوجية في البداية قبل أن يحصلوا على سنت واحد من العائدات. إلا أن الوضع مختلف تمامًا في الشرق الأوسط! بل إن أول شركة بلغت قيمتها مليار درهم في المنطقة، وهي شركة سوق دوت كوم، بيعت إلى أمازون بحوالي 600 مليون دولار، وهو رقم لا يُذكر من منظور صفقات وادي السيليكون.
هل السبب في نقص التمويل على نطاق واسع هو أن ركائزنا الاقتصادية لا تزال جديدة؟ أم هل السبب يكمن في أن الشركات الناشئة الإقليمية لا يمكنها أن “تتوسع” بالحجم الذي يسمح بتبرير ضخ مثل هذه الاستثمارات؟ هل السبب يعود، بشكل أو بآخر، إلى التصور المختلف عن المنهج التشغيلي وثقافة مكان العمل في المنطقة؟ هل تتسبب الأنظمة المالية والقانونية التي كانت أكثر صرامة في السابق (كالأنظمة التي تحكم الإفلاس) في تقييدنا؟ هل يمكن أن يكون سبب المشكلة المخاوف غير المبررة المتعلقة بالفروق الزمنية واللغوية؟
في الواقع، ربما لا يكون السبب أيا مما سبق! كانت الاستثمارات الكبرى في الشركات الناشئة الجديدة في الشرق الأوسط تركز عادة على قطاعات الصناعة، حيث يمكن توقع مسار واضح لجني أرباح محددة. ولهذا السبب (ولأسباب أخرى أيضاً) يرى العالم أن الشرق الأوسط مركز للسياحة والضيافة والبناء والتشييد وبالطبع البتروكيماويات، أما عندما يتعلق الأمر بالعالم الغامض لمشروعات الإنترنت، يُحجم المستثمرون في المنطقة عن المخاطرة.
ربيع السيليكون العربي
لكن ذلك كان في الماضي، أما الآن فهل يمكن للعدد الهائل من البرامج الاستثمارية الجديدة في الشركات الناشئة التي بدأت بالفعل في المنطقة أن تفضي إلى ظهور منطقة سيليكون جديدة؟ هل يمكن أن يؤثر الربيع العربي والاختلالات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا حول العالم على ديناميكية المنطقة تأثيرًا دائمًا؟ هل يمكن أن يؤدي انتشار الاتصالات المتنقلة والمرونة في التجارة عبر الإنترنت إلى ظهور مشروعات مغامرة جديدة لم تكن نشطة خلال الفترة الماضية؟
إذا نظرنا إلى مسألة الحجم والتوسع، ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن أبحاث معهد سميثسونيان كشفت عن أن معدلات استخدام موقع يوتيوب للفرد في المملكة العربية السعودية هي الأولى مقارنة بسائر دول العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن “أكبر فئة” تشاهد مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب في المملكة العربية السعودية هي النساء، كما أن أكبر فئة فيديوهات تتم مشاهدتها هي مقاطع الفيديو التعليمية. ومن ثم، نجد أن أبواب الفرص الجديدة مفتوحة على مصراعيها كما يظهر من تطور أنماط مستخدمي موقع يوتيوب من السعوديين.
يقول لويس أورتيجا، عضو مجلس الإدارة المنتدب لمؤسسة “آي إف إس” لبرمجيات الشركات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، إنه على الرغم من عدم وجود وادي سيليكون حتى الآن في الشرق الأوسط، فالزيادة في الشركات العالمية العاملة عبر قنوات متعددة تنبئ بمستوى جديد من الانفتاح الوشيك.
ويضيف لويس: “مع المبادرات التي تسمح بتحقيق التعاون بين الشركات والمؤسسات الحكومية ورواد الأعمال الفاعلين على الصعيد العالمي، مثل مسرعات دبي المستقبل، من المتوقع أن نشهد تكيف التكنولوجيات مع احتياجات اليوم، ومع احتياجات المستقبل كذلك”.
هل الحل المحاكاة أم التقليد أم النسخ؟
السؤال الأهم الآن هو: هل ينبغي للشرق الأوسط أن يسعى بطريقة ما إلى محاكاة وتقليد ونسخ طريقة تطور وادي السيليكون؟ من المرجح ألا يحدث ذلك أبدًا! لقد جاء النمو المبكر في صناعة التكنولوجيا في ولاية كاليفورنيا نتيجة للاندماج المتميز الذي تم بين الحكومة والمؤسسات البحثية والثورات التكنولوجية (مع بداية ظهور الحاسب الشخصي) واجتماع عدد صغير نسبيًا من الموهوبين بدءًا من ويليام هيوليت وديفيد باكارد وحتى ستيف جوبز وبيل جيتس ومن تلاهم.
وتقول هيلين بوسبيلوفا، الرئيس التنفيذي لشركة “آبي 3 إيه” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحلول التعرف على الوثائق وجمع البيانات وتقنيات تحليل النصوص المستندة إلى اللغة: “يثير الشرق الأوسط الإعجاب حقًا عندما نتحدث عن الابتكار التكنولوجي، ولكن هل سيصبح الشرق الأوسط وادي السيليكون القادم؟ ببساطة لن يحدث ذلك! فالمسألة ليست مجرد نسخ تجربة الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين”.
توضح هيلين ذلك مشيرة إلى أن الابتكارات في الولايات المتحدة جاءت من داخل وادي السيليكون. وعلى النقيض من ذلك، يركِّز المنهج المتبع في منطقة الشرق الأوسط إلى حد كبير على جمع أفضل الممارسات العالمية، سواء في التكنولوجيا أو الأفراد، بهدف إنشاء منظومته التكنولوجية الخاصة المناسبة لبيئته. وتؤكد هيلين على إن هذا المنهج أكثر تكلفة، كما أنه غالبًا ما يستغرق وقتًا أطول، إلا أنه يساعد في التوصل إلى نتائج مبهرة في أي مجال، سواء كان التعليم أو الرعاية الصحية أو العلوم أو الأعمال أو التكنولوجيا.
وتضيف هيلين: “في حين يجذب وادي السيليكون الشركات الناشئة ورواد الأعمال الجدد للانتقال إليه والعمل فيه، تميل شركات التكنولوجيا الجديدة في الشرق الأوسط إلى التطور من خلال استخدام مقاربة علاقات العمل الافتراضية، ومع التقدم في مجال الاتصالات وتقنيات الحوسبة السحابية وسهولة الوصول إلى مراكز الاقتصاد والأعمال الإقليمية الرئيسية، لا ينبغي أن تتركز الشركات الجديدة في منطقة واحدة، بل أن تسهم في تطوير مراكز تكنولوجية متعددة في جميع أنحاء المنطقة”.
الزمان والمكان
تقودنا هذه المناقشة إلى استنتاج واحد وهو أن تكرار نموذج وادي السيليكون بانتشاره الواسع ونموه الكبير لا يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر، بل ولا ينبغي أن يحدث؛ فلقد نشأ وادي السيليكون في زمان ومكان وواقع ثقافي (من حيث التطور التكنولوجي على الأقل) وهذه الظروف لم تعد موجودة الآن.
يجب أن تسعى منطقة الشرق الأوسط إلى التخصص في مجالات تكنولوجية محددة، مثل البرمجة المحلية، والتنوع الجنساني في التكنولوجيا، والاستشارات التقنية القيِّمة للمساعدة في رقمنة احتياجات تدفق العمل، وهي المجالات الأكثر انتشارًا في الاقتصادات المحلية في جميع دول الشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن التكنولوجيا نادرًا ما تنظر إلى الماضي، وعلينا أن نحذو حذوها. فلم يعد إنشاء منطقة تكنولوجية مشتركة هو الحل في عالم متصل يمتلك موارد فكرية غير محدودة، كما إنه لا يقدم الحل للمواهب الشابة ورواد الأعمال في الشرق الأوسط. إن الإجابة ليست في أي مساحة جغرافية مادية، بل في تقنيات الحوسبة السحابية.
أدريان بريدجواتر
صحيفة الغد