يوم الأحد الماضي، حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتصاراً بهامش ضئيل في استفتاء أجري على تعديل الدستور التركي وتعزيز سلطات مؤسسة الرئاسة. وتحتج أحزاب المعارضة على النتيجة، وتعترض على قرار اتخذه مجلس الانتخابات بتعطيل قانون يتطلب أن تكون صناديق الاقتراع مختومة بالخاتم الرسمي، كما تستشهد بوجود فروقات بين مجاميع الأصوات التي أعلنها مجلس الانتخابات وتلك التي أعلنتها وكالة الأنباء المملوكة للدولة. وأشار تقرير أولي من بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى وجود “ميدان تنافس غير متكافئ” و”إطار تقييدي للحملات”. وفي بلد له تاريخ من الانتخابات الحرة بشكل عام (ولو أنها لم تكن دائماً عادلة)، فإن وجود مزاعم بحدوث تزوير تشكك في شرعية التصويت (إن لم تكن نتيجته العملية). ومن السابق لأوانه تقييم الآثار المترتبة على ذلك، ولكن، فيما يلي الأشياء التي تجب مراقبتها في الأسابيع المقبلة.
ما هو التأثير على السياسة المحلية التركية؟
على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت تتوقع فوزاً لأردوغان، فإن النتائج النهائية كانت متقاربة إلى حد مدهش. وكبداية، افترض الكثيرون هامش انتصار أوسع، نظراً للسيطرة شبه الكاملة التي تتمتع بها الحكومة على وسائل الإعلام، وحملة المعارضة غير المنسقة، ومناخ الخوف السائد، بما في ذلك حالة الطوارئ القائمة في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، خسر أردوغان بشكل ملحوظ في المراكز التجارية الثلاثة الأكبر في البلاد -اسطنبول وأنقرة وإزمير. وتشكل هزيمته في اسطنبول بالذات، حيث بدأ حياته السياسية كرئيس بلدية، ضربة مؤلمة له، وتشير إلى أنه سيكون معرضاً للمخاطر في سباق عادل في الانتخابات الرئاسية للعام 2019، وأنه يمكن أن يخلق حيزاً سياسياً لحدوث معارضة موحدة أكثر على المدى القريب.
تمكن إقامة قضية على فكرة أن التصويت بـ”نعم” يوفر استقراراً سياسياً على المدى القصير (ولو أن ذلك يأتي بثمن باهظ اجتماعياً وديمقراطياً)، وعلى أساس المخاوف من أن التصويت بـ”لا” كان سيدفع أردوغان إلى إعادة الانتخابات البرلمانية أو إيجاد طريقة أخرى لتنفيذ الإصلاح الذي يريده. وتظهر النتائج أنه فقد الدعم في قاعدته نفسها وفشل في حشد القوميين.
يبقى أن نرى ما إذا كان هامش النصر الضيق الذي تحقق في الاستفتاء سيحد من طموحات أردوغان أو يتسبب في مضاعفة التهديدات المتصورة. وعلى المدى القريب، سوف يراقب أردوغان احتجاجات الشوارع في إسطنبول وفي الأماكن الأخرى في بلد منقسم بشدة. وعلى المدى المتوسط، تثير نتيجة الفوز الضيق تساؤلات حول ما إذا كان بوسع المعارضين أن يتحدوا لتشكيل مقاومة يعتد بها.
حذر المجتمع الدولي تركيا بالفعل وطالبها بضرورة التنفيذ العادل للتدابير الجديدة. وعلى سبيل المثال، طالب مجلس أوروبا القادة الأتراك بـ”النظر في الخطوات التالية بعناية” وحثهم على احترام استقلال القضاء. وبالمثل، أشار الاتحاد الاوربى إلى أنه سيتم تقييم الإصلاحات فى ضوء التزامات تركيا كدولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوربى، ودعا القادة الأتراك إلى “السعي نحو تحيق أوسع توافق ممكن على المستوى الوطني فى تنفيذها”.
هل تتخلى تركيا عن الاتحاد الأوروبي؟
لعل إحدى أكبر المسائل الجيوسياسية الناشئة عن الاستفتاء هي الكيفية التي سيقارب بها أردوغان الاتحاد الأوروبي. وقد توترت العلاقات المتوترة أصلاً خلال الحملة، عندما اختار أردوغان خوض قتال كوسيلة لحشد الناخبين القوميين، حين اتهم هولندا وألمانيا بالنازية بعد أن منعتا مسؤوليه من عقد تجمعات مؤيدة للاستفتاء للمغتربين الأتراك فيهما. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يستفيد الأوروبيون على الصعيد الانتخابي من اتجاه المعاداة للترك. وقد منعت النمسا وألمانيا مسيرات الحملات، بينما تعزز موقف رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، في مسعاه لإعادة انتخابه عن طريق الوقوف في وجه تهديدات أردوغان. ومن الجدير بالملاحظة أن الشتات التركي في النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا صوتوا بـ”نعم” في الاستفتاء.
بعض المراقبين أعربوا عن أملهم في أن ينتهي خطاب أردوغان الحاد تجاه أوروبا بعد إجراء استفتاء ناجح. ومع ذلك، فإنه قد يشير إلى بداية تحول دائم في منظور تركيا. وخلال الحملة، قال أردوغان إن مسألة عضوية تركيا فى الاتحاد الأوروبي سوف توضع “على الطاولة” بعد الانتخابات. وفى خطاب الانتصار يوم الأحد الماضي، كرر تعهده خلال حملته بإعادة عقوبة الإعدام، وعرض إجراء استفتاء آخر إذا لم يؤيد البرلمان خططه. (ألغت تركيا عقوبة الإعدام في العام 2004 كجزء من محاولتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي).
وكانت ردود الفعل من القادة في جميع أنحاء أوروبا ضعيفة، وأشارت إلى الانقسامات العميقة داخل البلاد. وأعربت كل من ألمانيا وفرنسا عن قلقهما من احتمال حدوث مخالفات فى الاقتراع، ودعت أردوغان إلى الدخول فى حوار مع المعارضة. كما حذرتا أيضاً من أن من شأن إعادة عقوبة الإعدام إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
إذا استسلمت تركيا (أو خسرت) محاولتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن يبقى أمران على الطاولة. الأول هو أزمة اللاجئين، مع وجود زعماء في الاتحاد الأوروبي لديهم مصلحة في الحفاظ على الترتيبات التي تم التفاوض عليها مع تركيا في الصيف الماضي لوقف التدفقات. وفي حالة انقضاء محادثات الانضمام، يمكن لتركيا والاتحاد الأوروبي إجراء مفاوضات بشأن المعاملات المتعلقة بالمصالح المشتركة الأخرى، مثل الإرهاب. والثاني اقتصادي، حيث يمكن للجانبين الاستغناء عن المناقشات غير السارة حول سيادة القانون والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز اتحادهما الجمركي، وربما التفاوض بشأن اتفاق للتجارة الحرة.
ما هي آفاق العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا؟
لم تصدر إدارة ترامب بياناً حول الاستفتاء التركي، ولم يعلق عليه أي مسؤول أميركي بارز. وقد ردت وزارة الخارجية على الاستفسارات الصحفية من خلال تقديم عبارات المتحدث باسمها، والتي تشير إلى تقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتشجع “الناخبين والأحزاب من كلا الجانبين على التركيز على العمل معاً من أجل مستقبل تركيا والحفاظ على حوار سياسي هادف”. وفي حين قد يكون هناك تردد في أن تصبح أميركا بيدقاً في السياسة الداخلية التركية كما حدث من قبل، فإن الصمت الأميركي يظل مثيراً للدهشة.
ثمة قضيتان شائكتان تظلان فى قلب العلاقات الأميركية التركية. الأولى هي تسليم فتح الله غولِن، رجل الدين الإسلامي الذي يقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية ويتهمه أردوغان بأنه كان وراء محاولة الانقلاب في الصيف الماضي. وفي اليوم السابق للاستفتاء، قام المدعي العام التركي بإطلاق تحقيقات حول 17 شخصاً متهمين بإثارة الانقلاب، بمن فيهم رئيس المخابرات المركزية السابق جون برينان، والسيناتور تشاك شومر، والمحامي السابق بريت بهارارا. وفي غياب أي أدلة قانونية مقنعة (ومستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، الذي كان على جدول رواتب الحكومة التركية والتعاطف مع مخاوفها)، يبدو أن عودة غولن إلى تركيا غير محتملة.
المسألة الثانية هي الخلاف حول القوى التي يجب أن تقود الهجوم ضد “الدولة الإسلامية” في الرقة السورية. ففي حين أن البنتاغون يرغب في استخدام المقاتلين الأكراد السوريين -وحدات حماية الشعب الكردية- ترى أنقرة أن وحدات حماية الشعب هي مرادفة لحزب العمال الكردستاني، (وهو منظمة مصنفة على أنها إرهابية، منخرطة في معركة مستمرة منذ عقود مع الحكومة التركية) وتدعو إلى أن يقود المقاتلون السوريون العرب الهجوم بدلاً من القوات الكردية.
لم يحرز وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أي تقدم خلال زيارته المفاجئة التي قام بها إلى أنقرة قبل أسبوعين من إجراء الاستفتاء، في حين أثار وزير الدفاع التركي القضية مع وزير الدفاع جيمس ماتيس الأسبوع الماضي. ويبدو أن إدارة ترامب كانت تحترم الحساسيات السياسية التركية قبل الاستفتاء، ولكن البنتاغون يبدو حريصاً على التحرك ضد “داعش”، ويبدو من غير المرجح أن يجد أي ترتيبات بديلة بخصوص القوات كافية. وإذا مضت الإدارة الأميركية قدُماً بتنفيذ خططها لدعم الهجوم الذي تقوده وحدات حماية الشعب الكردية على الرقة، فإنها تأمل في أن يؤدي فوز استفتاء أردوغان إلى تخفيف رد فعله الذي سيكون سلبياً بلا شك.
أماندا سلوات
صحيفة الغد