نيويورك – تبنّى مجلس الأمن الدولي بالإجماع فجر السبت قرارا بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة بالصحراء المغربية مينورسو لمدة عام حتى أبريل 2018.
وجدّد مجلس الأمن التأكيد على الحاجة للاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع البعثة بشأن وقف إطلاق النار، ودعا الأطراف إلى الامتثال الكامل لتلك الاتفاقات.
وأعرب المغرب السبت عن ارتياحه لقرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية الذي اعتمد الجمعة بالإجماع، مشيرا إلى أنه سيراقب من كثب انسحاب عناصر البوليساريو من منطقة موضع نزاع.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطا “إن المغرب يشيد بقرار مجلس الأمن (..) اليوم نحن إزاء حركية”.
واعتبر وزير الخارجية المغربي أن “مبادرة الحكم الذاتي يتعزز جانبها مرة أخرى”، مشيرا إلى “البعد الإقليمي” للنزاع و”مسؤولية بلدان الجوار وخصوصا الجزائر” التي تدعم البوليساريو.
وعلّق بوريطا على انسحاب عناصر البوليساريو الجمعة من منطقة الكركرات التي تبلغ مساحتها بضعة كيلومترات مربعة وتقع قرب الحدود الموريتانية. وكانت هذه المسألة زادت التوتر بين طرفي النزاع في الأشهر الأخيرة.
وأضاف الوزير المغربي إن البوليساريو “أجبرت على الخروج مطأطأة الراس من الكركرات تحت ضغط مجلس الأمن ولتفادي إدانة حازمة جدا”. وتابع “هذا يعزز جانب المغرب في موقفه بشأن وضع المنطقة العازلة التي يجب أن تكون خالية من كل وجود عسكري مع حركة مرور بلا اضطرابات واحترام وقف إطلاق النار”.
وأكد بوريطا أن “المغرب سيستمر في مراقبة الوضع ميدانيا من كثب”، مضيفا “أن انسحاب البوليساريو يجب أن يكون كاملا وبلا شروط ودائما”.
وقد تم تأجيل التصويت على القرار حتى التأكد من انسحاب عناصر البوليساريو من المنطقة العازلة بالكركرات، وأقر المجلس بأن الأزمة الأخيرة في القطاع العازل تثير قضايا أساسية تتعلق بوقف إطلاق النار والاتفاقات ذات الصلة، وشجّع الأمين العام على استكشاف سبل لمعالجة تلك القضايا.
ويرى الخبير المغربي في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الشرقاوي الروداني، في تصريح لـ”العرب”، أن قرار مجلس الأمن شدد على تجاوز المقاربة الكلاسيكية لتقرير المصير وهي عبارة برغماتية، ما يؤكد على فهم عميق للمشكل وهو ما سيكون له تأثير كبير في الإقرار بالحل السياسي المتفاوض عليه مع جميع الأطراف المعنية ومن بينها الجزائر.
وجدد القرار التأكيد على المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، واصفا إياها بـ”الجدية” و”ذات المصداقية” وبالجهود التي يبذلها المغرب للمضي قدما في عملية تسوية نزاع الصحراء.
وأكد المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، أن انسحاب عناصر جبهة البوليساريو من منطقة الكركرات بين الجدار الرملي والحدود مع موريتانيا، يجب أن يحسن إمكانات تهيئة بيئة تيسر تحقيق عزم الأمين العام على إعادة إطلاق عملية التفاوض بدينامية جديدة تعكس قرارات مجلس الأمن الدولي وتوجيهاته، من أجل التوصّل إلى حل سياسي مقبول من الجانبين يكفل حق تقرير المصير لسكان الصحراء المغربية.
المغرب نجح دبلوماسيا وسياسيا في تأطير النقاش داخل مجلس الأمن حتى لا يخرج عن الواقع الذي أرادت البوليساريو صنعه بعدم انسحابها من المنطقة العازلة وما يشكله وجودها هناك من مخاطر على المنطقة ككل
ودعا ستيفان دوجاريك الأطراف إلى الامتثال لالتزاماتها وفق اتفاق وقف إطلاق النار، واحترام نصه وروحه، والتعاون الكامل مع بعثة مينورسو، مشددا على أهمية ضمان عدم اندلاع توترات جديدة في منطقة الكركرات.
وأكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، أننا قلنا للأمين العام إن المغرب لا يمكنه الحديث عمّن سيكون خليفة روس، أو عن استئناف العملية السياسية مادامت مشكلة الكركرات لم يتم حلها، أما الآن، وبالنظر إلى أن هذه الأخيرة في طريقها نحو التسوية، فنحن على استعداد، بعد التحقق، للحديث عن ذلك.
وتعتزم بعثة مينورسو المحافظة على وضعها في القطاع العازل منذ أغسطس عام 2016، كما ستجري المزيد من المحادثات مع الأطراف بشأن عمل البعثة المستقبلي في المراقبة بالمنطقة والقضايا المختلفة المرتبطة بالقطاع العازل.
وقال أستاذ العلاقات الدولية رضا الفلاح، لـ”العرب”، إن قرار مجلس الأمن أكد على ضرورة التحلي بالواقعية وروح التوافق، وهنا يبرز التصور المتوازن لحل سياسي يتفق فيه الطرفان على طبيعة وشكل تقرير المصير، ويضيف الفلاح، أنه تم استبعاد الاستفتاء بشكل ضمني عندما ربط القرار أداء البعثة الأممية لمهامها الكاملة بالتوصل إلى هذا الحل السياسي المرضي للطرفين.
ولفت الفلاح، أن القرار دعا إلى استئناف المفاوضات برغبة حقيقية في التسوية تأخذ بالحسبان التطورات الحاصلة منذ 2006 في إشارة لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب كأرضية للتفاوض، وكذلك استنتاجات المبعوث الأممي السابق فان فالسوم الذي أوصى بضرورة التوصل إلى حلول واقعية، وهو ما يدل على أن الحديث عن الاستفتاء أصبح متجاوزا بل وعقبة أمام استئناف المحادثات.
واعتبر ملاحظون أن المغرب نجح دبلوماسيا وسياسيا في تأطير النقاش داخل مجلس الأمن حتى لا يخرج عن الواقع الذي أرادت البوليساريو صنعه بعدم انسحابها المنطقة العازلة وما يشكله وجودها هناك من مخاطر على المنطقة ككل.
وفي حين أكد الروداني، أن مجلس الأمن ومن خلاله المنتظم الدولي أصبح يدرك المخاطر الأمنية الكبيرة التي أصبحت تهدد المنطقة برمتها بما فيها دول الساحل الأفريقي من تنامي للأنشطة الإرهابية وارتباط ذلك بهذا المشكل الذي يهدد السلام.
وأضاف أن قرار مجلس الأمن يتضمن هذا الربط الذي حاول البعض التقليل من أبعاده في علاقة المشكل بالاستقرار والأمن.
وحول الرئيس الألماني السابق هورست كولر، الذي تم تداول اسمه أخيرا كخليفة محتمل لكريستوفر روس، قال هلال، إنه ليس لدينا أي شيء ضد ألمانيا التي تجمع المغرب بها علاقات ثنائية ممتازة، اقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها، وليس لدينا أي شيء، أيضا، ضد أي مسؤول ألماني.
واعتبر عمر هلال، في مؤتمر صحافي الجمعة أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، كريستوفر روس، هو رجل الماضي”.
وفي هذا الإطار اعتبر مراقبون أن أيّ توجه نحو مفاوضات حول حل المشكل المفتعل حول الصحراء المغربية، يجب ألاّ يخرج عن المبادرة التي تقدّم بها المغرب في 2007.
وأضاف هؤلاء أن فشل كل محاولات البوليساريو وداعميها في اختلاق واقع جديد بالمنطقة والحزم الذي أبان عليه الأمين العام للامم المتحدة ومجلس الأمن بانسحاب عناصر الجبهة دليل على إرهاصات تحوّل استراتيجي في التعاطي مع هذا الملف.
العرب اللندنية