القاهرة – فتحت التعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان المصري على قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، الباب أمام تأويلات واستنتاجات عديدة بين المراقبين للشأن المصري.
أحد تلك الاستنتاجات أن البرلمان يخطو حاليا بشكل غير مباشر نحو تعديل الدستور الذي أقر في 2014 وانتهى إلى أن نظام الحكم في البلاد منقسم بين رئاسي وبرلماني، حيث يتم منح الرئيس عبدالفتاح السيسي صلاحيات واسعة، ليس بالتعديل الدستوري الصريح وإنما من خلال إقرار تشريعات وقوانين تجعله يتحكم في مؤسسات كانت يداه مكبلتان بشأنها وفق مواد الدستور.
وحسب هذه الرؤية أدرك البرلمان خطورة الإعلان الصريح عن تعديل الدستور، لتجنب الدخول في صدام مع معارضي الحكومة، كما أن كل محاولات جس نبض الشارع لهذا التعديل كشفت عن رفض المواطنين له.
ووجد البرلمان أمام تلك الحقائق أن أقصر طريق هو أن يتم تعديل قوانين قديمة والتصديق على تشريعات جديدة، بما يسمح للرئيس أن تكون له صلاحيات عديدة في المؤسسات المهمة والتي جاءت بالدستور.
ورغم أن التعديلات التي أدخلت على قانون السلطة القضائية خلّفت وراءها أزمة وصلت إلى حد الصدام بين القضاة والبرلمان لرفضهم الصلاحيات الممنوحة للرئيس في شأن اختيار رؤساء هيئاتهم، إلا أن السيسي صادق عليها فأصبحت نافذة، وهو ما يشي بأن المسألة تتعلق بإدخال تعديلات سلسة دون حاجة إلى تغيير بعض مواد الدستور.
ولم يقتصر الأمر على القضاة وحدهم، لكن سبق ذلك تعديل طريقة اختيار رؤساء الجامعات، لتكون للرئيس السلطة الكاملة في تعيين من يشاء في هذه المناصب، وإلغاء الاختيار بالانتخاب الذي كان معمولا به. وحتى المجلس الأعلى للاستثمار، وبرغم أنه يتشكل من مختلف الهيئات والوزارات المعنية بالاقتصاد، إلا أن قراراته لن تكون سارية إلا بتصديق الرئيس عليها ومن حقه الإلغاء أو التعديل.
ويضاف إلى هذا أن الرئيس أصبح صاحب الحق في تعيين وإقالة رؤساء الأجهزة الرقابية، بعدما كان دوره يقتصر على اختيارهم فقط، وتم تعديل صلاحياته ليكون له حق عزلهم ، إذا ارتكبوا فعلا لا يتناسب مع طبيعة المنصب أو أخلوا بالوظيفة الموكولة لهم، وهي شرط حمال أوجه.
وأعطت التشريعات الإعلامية الجديدة، التي انبثق عنها تشكيل الهيئات الصحافية والإعلامية الثلاث، أن يكون اختيار وتعيين وإقالة رؤساء هذه الهيئات من جانب الرئيس، وفي نفس الوقت يدرس البرلمان حاليا منحه حق اختيار وعزل شيخ الأزهر، وهذه نقطة مهمة في مسيرة التعديلات التي شملت الكثير من مناحي الحياة في مصر مؤخرا.
وقال معارضون للحكومة، بالرغم من أن البعض من المؤسسات الرسمية في مصر تبدو بلا جدوى على أرض الواقع، لكن وجودها يمثل أهمية للإيحاء بأن مؤسسات الدولة مكتملة الأركان من الناحية الشكلية، حتى وإن كانت طريقة إدارتها تثير علامات استفهام كثيرة، ومنها البرلمان نفسه. وأضاف هؤلاء أن تحرك البرلمان نحو منح السيسي المزيد من الصلاحيات يستهدف أن يكون متحكما في زمام الأمور على نطاق أوسع، لأن التحديات التي طفت على السطح حاليا لم تكن موجودة وقت كتابة وإقرار الدستور، ولأن فكرة تعديله لن تكون مقبولة من مختلف الأطراف، ولهذا يتم الآن الالتفاف عليه من بوابة تعديل التشريعات القائمة، لتجنب الصدام صراحة مع قوى المعارضة.
هذا الحل، أي اللجوء إلى سن تشريعات جديدة، يضرب عدة عصافير بحجر واحد، الأول أن النظام يظهر في صورة المحافظ على الدستور دون تعديل برغم الحاجة الماسة لذلك، والثاني أنه يحتفظ بنفس الصلاحيات التي كان يريدها من تعديله، والثالث أن له كلمة ويد في صناعة القرار داخل مؤسسات مهمة وحيوية تساعده على تخطي الأزمات التي يواجهها، سواء داخل المؤسسات نفسها أو التي يواجهها في الشارع.
وأصبح السيسي وحده في نظر الشارع المسؤول عن كل ما يحدث من جانب بعض المؤسسات، حتى وإن كان لا يملك سلطة التدخل في شؤونها، وبالتالي فهو يريد أن تكون له يد طولى في اختيار المسؤولين بما يتواءم مع نهجه وسياساته ليتجنب المزيد من الانتقادات الموجهة إليه بسببها، على أمل أن يختار من يعتقد أنهم الأصلح، لأن الطريقة المعمول بها كانت تسمح بتسرب مسؤولين دون المستوى المطلوب.
وقال حسن أبوطالب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن اتجاه البرلمان نحو تعديل غير مباشر للحالة الدستورية، ليكون نظام الحكم في مصر أقرب إلى مستويات النظام الرئاسي، يُحمّل السيسي كل المسؤوليات ويجعله صاحب الصلاحيات ومالك زمام الأمور.
وأضاف لـ”العرب” أن هذا التحرك له شقان، الأول إيجابي وأن السيسي يختار من يتفق مع سياسته ورؤيته، وبالتالي تعمل المؤسسات وفق إطار بعينه دون أزمات ويستطيع الإنجاز من خلالها للحد من أزمات حالية أو مستقبلية داخل هذه المؤسسات.
أما الشق السلبي، فهو أن المسؤولية سوف تكون مركزية بمعنى أن السيسي يتحمل وحده إخفاقات هذه المؤسسات باعتبار أنه صاحب الصلاحيات الواسعة، ما يزيد من حدة الاحتقان على ما يصدر من قرارات مستقبلية من جانبها.
وتبدو الطريقة التي يحصل السيسي من خلالها على صلاحيات واسعة في مؤسسات كانت بعيدة عن قبضته مرتبة بشكل محترف، وتُمنح له الصلاحيات بعد أزمات تشهدها هذه المؤسسات ما يعطي مبررًا لتدخله لإصلاح ما يشوبها من خلل.
وجاءت على سبيل المثال صلاحياته في تعيين وعزل رؤساء الجامعات بعدما تبيّن أن بعضهم له توجهات سياسية مناوئة للنظام.
العرب اللندنية