“الآن ونحن نمتلك قوة نووية جبارة لحماية أنفسنا من التهديد النووي الأميركي، فإننا سنرد بلا أدنى تردد على الحرب الشاملة بحرب شاملة، وعلى الحرب النووية بحرب نووية، بضربة نووية وفق أسلوبنا، وسوف نخرج منتصرين من المعركة النهائية مع الولايات المتحدة”.
كان هذا مجرد واحد فقط من أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية الكورية الشمالية، بينما تستمر التوترات في التصاعد بسبب تجاربها الصاروخية وبرنامجها للأسلحة النووية، بينما قالت صحيفة حزب العمال الحاكم قبل أيام، إن قوات البلد “مستعدة للقتال لإغراق حاملة طائرات أميركية تعمل بالطاقة النووية بضربة واحدة”. وشبه المقال الافتتاحي للصحيفة الكورية الشمالية حاملة الطائرات الأميركية “يو أس أس كارل وينسون” بـ”حيوان ضخم”. ومن إرسال الصواريخ الباليستية الجديدة عابرة للقارات في شوارع بيونغ يانغ في استعراض عسكري كبير، إلى التهديد بتوجيه “ضربة إبادة” لأعدائها الأميركيين، ثمة القليل من الإشارات على استجابة حكومة كيم جونغ-أون للضغط الدولي.
من جهته، حاول دونالد ترامب من ناحيته الضرب من خلال استخدام لهجة قوية، مهدداً بـ”التعامل بالشكل المناسب” مع كوريا الشمالية إذا كانت الصين غير قادرة على لجم حليفتها، وإرسال ما وصفه بـ”أرمادا” من السفن الحربية إلى المنطقة.
وفي هذا السياق، تمت قراءة الأوامر التي أصدرها ترامب بتدمير نظام كهوف يستخدمه متشددو تنظيم “داعش” في أفغانستان باستخدام “أم القنابل” -التي لم يسبق استخدامها من قبل أبداً- وكذلك مهاجمة قاعدة جوية للحكومة في سورية، على أنها إشارات تحذير موجهة لبيونغ يانغ.
لكن تلك الهجمات أثارت أسئلة حول ما إذا كان الرئيس سيكون مستعداً لاتخاذ الخطوة نفسها تجاه كوريا الشمالية، والمخاطرة بخوض غمار حرب نووية شاملة.
وقال ديفيد أس ماكسويل، الكولونيل المتقاعد من القوات الخاصة في الجيش الأميركي، والذي كان قد خدم في كوريا واليابان، إنه تم تطوير قنبلة أكثر قوة، تعرف باسم “مخترقة الدشم الجماعية” لكي تستخدمها القوات الأميركية، وكانت المرافق الكورية الشمالية المخبأة تحت الأرض في ذهن المصممين.
وأضاف ماكسويل في حديث مع “الإندبندنت”: “هناك الكثير من الأهداف في العالم مدفونة عميقاً تحت الأرض، وقد تم تطوير القنبلة الخارقة من أجل ضربها”. ومضى إلى القول: “لكنني أعتقد أن عليك أن تطرح السؤال: هل يمكن القيام بعمل عسكري ضد كوريا الشمالية، والذي لا يسفر عن رد كارثي من جانب الشمال؟”.
وحذر السيد ماكسويل، الذي يعمل حالياً مديراً مشاركاً في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، من أنه في حال شعرت بيونغ يانغ بأن وجود نظامها قد أصبح مهدداً، فمن الممكن أن تشن هجوماً نووياً. وقال: “إنهم لن يكسبوا حرباً ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لكنهم قد يعتقدون بأن ذلك هو خيارهم الوحيد”.
وأضاف: “حتى لو كانت ضربة استباقية لتدمير قدراتهم الصاروخية والنووية، فإن كوريا الشمالية قد تشعر بأنه يجب عليها الرد على الضربة الاستباقية. هذا هو المأزق الذي يواجهه الاستراتيجيون وصناع السياسة”.
كما حذر المدير السابق لسياسة كوريا في قيادة العمليات الخاصة، والذي يحمل العديد من الأوسمة، من أنه حتى لو تم توجيه ضربة جوية منعزلة، فإنها يمكن أن تتسبب بصدور “رد كارثي” قد يستدعي إخلاء أجزاء ضخمة من كوريا الجنوبية، ونشر قوات أميركية استعداداً لخوض حرب برية.
من ناحيته، يعتقد الدكتور جون نيلسون-رايت، زميل البحث رفيع المستوى في برنامج آسيا في تشاثام هاوس، أن احتمال التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة “منخفض جداً”. وقال للإندبندنت: “إن خطر التسبب في صراع تقليدي أو أسوأ، مع خسائر ضخمة تمنى بها كوريا الجنوبية، يعمل ضد مسار هذا الإجراء”. وأضاف: “لا تستطيع واشنطن المخاطرة بتحييد سول وطوكيو، بينما يبدو ترامب نفسه مهتماً باستخدام لهجة التنمر المشوبة بالغموض المحسوب والاستفزاز الخطابي أكثر من إبداء أي التزام جدي بعمل عسكري شامل”.
وكان السيد ترامب قد كرر خطابه يوم الجمعة قبل الماضي، واصفاً الصين بأنها “خط حياة اقتصادي لكوريا الشمالية”، بعد بحثه الموضوع مع تشي جين بينغ. وأضاف الرئيس: “بينما ليس هناك أي شيء سهل، فإنهم إذا أرادوا حل مشكلة كوريا الشمالية، فسوف يحلونها”.
وجاءت تغريدته بعد أن قدمت وزارة الدفاع الأميركية إيجازاً للصحفيين، قالت فيه إن الولايات المتحدة لا تدرس توجيه ضربة عسكرية، وأصر مايك بنس على أن التوصل إلى حل سلمي ما يزال ممكناً.
وقال نائب الرئيس الأميركي في الأسبوع الماضي: “إننا نعتقد، كما يعتقد حلفاؤنا في المنطقة؛ حيث تعمل الصين على أن يثمر كل ذلك الضغط، بأن هناك فرصة لأن نتمكن من تحقيق هدف تاريخي، يتميل في شبه جزيرة كورية خالية من الأسلحة النووية، بالوسائل السلمية”. وأضاف: “لقد تشجعنا بالخطوات التي اتخذتها الصين حتى الآن”.
وأصر السيد بنس على أن مجموعة ضاربة بقيادة حاملة الطائرات “يو أس أس كارل وينسون”، التي كانت قد أنهت تمريناً تدريبياً مع البحرية الأسترالية عندما أدلى ترامب بتصريحه، ستصل إلى شبه الجزيرة الكورية “خلال أيام”. ومثل الضربات في سورية وأفغانستان، قد يفضي هذا التحرك فقط إلى “تعزيز تصميم كوريا الشمالية” على زيادة قدراتها العسكرية، كما حذر السيد ماكسويل.
وقال ماكسويل إن “البطاقة الأهم” هي كيم نفسه، الذي عمد إلى تطهير خصومه في دائرته الداخلية بوحشية خلال سنوات حكمه الست. وأضاف: “لا توجد أي جهة مخابرات في العالم تستطيع أن تقول لنا ما الذي يمكن أن يفعله”.
وكانت كوريا الجنوبية في حالة تأهب قصوى لمواجهة احتمال إجراء تجارب أسلحة جديدة مع اقتراب الذكرى الـ85 لتأسيس جيش الشعب الكوري يوم الثلاثاء الماضي، مع تركيز تركيز على المعدات العسكرية الثقيلة التي حشدها جانبا الحدود. وكان جوزيف يون، الممثل الأميركي الخاص لسياسة كوريا الشمالية، متواجداً في طوكيو في اليوم نفسه لعقد اجتماعات مع الممثلين الكوريين الجنوبيين واليابانيين.
وكانت كوريا الشمالية قد أطلقت في السابق صواريخ أو أجرت تجارب نووية لإحياء تواريخ رئيسية، بينما يتزامن الاحتفال هذه المرة مع اختتام التمارين العسكرية والتمارين المشتركة الضخمة التي أجرتها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
وجدت صور أقمار اصطناعية قامت بتحليلها “38 شمالاً”، وهي مجموعة رصد متمركزة في واشنطن، أن ثمة نشاطاً يجري في موقع الاختبار النووي “بنعي-ري”، ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كان الموقع في حالة “توقف تكتيكي صغير” قبل إجراء اختبار آخر، أو أنه يقوم بإجراء عمليات اعتيادية.
من جهته، قال الدكتور نيلسون-رايت، إنه بينما توجد دعوات للولايات المتحدة لتدمير أسلحة الدمار الشامل لدى كوريا الشمالية، فإنه سيكون من الصعب تحديد أماكن مخزوناتها المحصنة بشدة؛ حيث المواقع منتشرة في كل أنحاء البلد المتكتم. وقال إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تأملب بها الولايات المتحدة لحل الأزمة، تكمن في ممارسة الضغط المنسق مع الحلفاء -مع وجود استعداد للتفاوض. ويمكن أن تتضمن الإجراءات المحتملة فرض عقوبات اقتصادية من جانب الصين، وعرض تقديم تنازلات في مقابل تجميد التجارب، وعقد مفاوضات سلام ينخرط فيها لاعبون إقليميون.
ووافق السيد ماكسويل على ذلك، وقال إنه على الرغم من أن حكومة كيم تعلمت “الالتفاف” على نظام المصارف الدولي بعد انهيارات سابقة، فإن الإجراء المالي ما يزال هو الأكثر فعالية. وحث الولايات المتحدة على التخفيف من حالة عدم اليقين وخفض التوترات من خلال رفض التصدي “لكل تجربة صاروخية وكل تحرك عسكري بخطاب”.
وأضاف السيد ماكسويل: “يتصرف كيم مثل إرهابي، ولعل أحد الأشياء التي يريدها الإرهابي هي السمعة”. وقال أيضاً إنه يجب على العالم التركيز بدلاً من ذلك على سجل كوريا الشمالية المريع في حقوق الإنسان، والذي اختفى من شاشة رادار الاهتمام الدولي منذ كشف تحقيق للأمم المتحدة عن “ممارسات عنف لا يمكن وصفها” في العام 2014. وقال السيد ماكسويل: “عندما نتحدث عن حقوق الإنسان، فإنها تقوض شرعية النظام”. وخلص إلى القول: “هناك قيمة أخلاقية واستراتيجية في إعلام الشعب الكوري بأننا نعرف أنهم يعانون”.
ليزي دياردن
صحيفة الغد