في عمليّة اغتيال تحمل بصمات عمل احترافيّ استخباراتي أطلق مجهولون السبت الماضي النار على البريطاني الإيراني الأصل سعيد كريميان صاحب شركة «جي. إي. إم» التلفزيونية، وأحد شركائه، الكويتي محمد متعب الشلاحي، وأردوهما قتيلين في أحد الأحياء الراقية لمدينة إسطنبول التركية.
عملية الاغتيال التي تشبه فيلما سينمائياً تمّت باعتراض سيارة جيب سوداء لسيارة رجل الأعمال الإيراني وشريكه الفارهة ونزول مسلحين ملثمين أطلقا النار بكثافة (المصادر الطبية أحصت إصابة القتيلين بـ42 رصاصة) وبعد ذلك عثرت الشرطة على السيارة التي استخدمت في الاغتيال محروقة لإخفاء أي آثار للمنفذين.
الشبكة التلفزيونية التي يملكها القتيل، المصنّف حسب سلطات بلاده معارضاً، تبث عبر الأقمار الصناعية برامج أمريكية ومسلسلات تركية ولذلك تتهمها السلطات الإيرانية بنشر نمط الحياة الغربية.
القنوات الإيرانية الموالية للنظام والتي بثت خبر مقتل كريميان قالت إنه «مقرب من جماعة مجاهدي خلق الإرهابية» وبأنه كان موجوداً في معسكرها شمال بغداد خلال الحرب العراقية الإيرانية قبل أن يرحل إلى سويسرا عام 1996.
تهمة الانتماء إلى «مجاهدي خلق» هي الأكثر خطورة في إيران وهي كافية، عند استخدامها، لتبرير عمليات اغتيال المعارضين، وهذه التهمة، مع الحرفيّة المخابراتية في تنفيذها، تؤشّر بأكثر من سهم إلى المخابرات الإيرانية، كما لو أنها لا تريد، أصلاً، أن تخبئ الأمر، وهذا يعني أن القتل لا يحتاج شرحاً.
لكن المثير للجدل في حيثيات العملية أن منفذيها لم يعطوا كبير اهتمام لكونها نفّذت في الدولة الجارة تركيا التي تتعرّض لتهديدات وأخطار أمنية كثيرة، وهي من الصعب أن تتسامح مع نقل عمليات الاغتيال إلى أراضيها.
تحمل العملية مجموعة من الرسائل المحلّية والإقليمية والعالمية، وقد تكون مؤشراً لإمكانية نقل طهران لتدخلاتها وعملياتها ذات الطبيعة السياسية العسكرية ضمن المنطقة العربية والإقليم إلى حيّز جغرافيّ أكبر فقيام المنفذين بالاغتيال في الجهة الأوروبية من إسطنبول يوجّه رسائل إلى المعارضين الإيرانيين وللجهات الأمنية الأوروبية بأن نمطاً آخر من التدخّلات الإيرانية جاهز للتفعيل والحركة بسرعة حين يحتاج الأمر.
تفتح العملية، مع ذلك، أسئلة أكثر مما تجيب عليها، ومن ذلك إيجاد معنى لاستهدافها شخصا يعمل في قطاعات التسلية والترفيه ولا يشكل خطراً مباشراً على النظام الإيراني وهو ما يجعل من اغتياله شكلا من أشكال الترف المخابراتي، فلا أعمال الاغتيال ستوقف القنوات التلفزيونية التي أسسها الرجل، ولا الثقافة التي تنشرها يمكن وقفها بأعمال الاغتيال.
وهو ما يرجّح أن الرجل اختير لإعطاء أهميّة للخبر نفسه ولإيصاله إلى الجهات المعنية فحسب.
صحيفة القدس العربي