شعرت الأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق بوقع الصدمة التي خلفتها تصريحات ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن “إننا ذاهبون إلى إيران ولن نسمح لها بنقل المعركة إلينا” كونها تعني تحول العراق إلى ساحة مواجهة بين البلدين.
وتسعى هذه الأحزاب إلى عرض مبادرة تصالح بين إيران والمحيط العربي من بوابة السعودية، مع أن المبادرة فاقدة للجدوى وغير واقعية، خصوصا عندما تكون “أحزاب إيران في العراق” هي الوسيط بين طهران والرياض.
وكشفت مصادر سياسية رفيعة في بغداد أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدأ فعليا في تنفيذ خطة وضعها منذ شهور للوساطة بين الرياض وطهران.
وذكرت المصادر أن العبادي “استمزج فعليا آراء مسؤولين إيرانيين بارزين في هذا الشأن، وربما تشجّع على مواصلة مساعيه بعد ردّ فعلهم الأوّلي”.
وتعتقد أحزاب وجهات سياسية ودينية، شيعية، بارزة في العراق أن الإشارة التي وردت في تصريحات ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أخيرا، إلى نوايا بلاده بنقل المعركة إلى طهران وعدم انتظارها لتكون في الرياض، تمس بغداد بشكل مباشر، في ظل النفوذ الإيراني الكبير فيها.
ولا تخفي شخصيات قيادية في الأحزاب الشيعية مخاوفها ممّا يبدو أنه عزم سعودي على تصعيد كبير في المنطقة.
وترى هذه الأطراف ضرورة بالغة في تحرك بغداد الآن لترطيب الأجواء بين السعودية وإيران، وإلا تحولت إلى ساحة لمواجهة مفتوحة بين الطرفين.
ودعا عمار الحكيم، زعيم المجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الشيعي الحاكم في العراق، إلى عقد اجتماع على مستوى القمة بين إيران والسعودية وتركيا ومصر والعراق، لوقف النزيف في المنطقة، على حد وصفه.
وقال الحكيم خلال كلمة له في مناسبة دينية الأربعاء، إن “أحداث المنطقة باتت متداخلة ولهذا فإن عقد اجتماع على مستوى القمة بين دول المحور في المنطقة: إيران والسعودية وتركيا ومصر والعراق أصبح حاجة ملحّة لإعادة ترتيب الأوضاع ووقف النزيف”.
وتعليقا على الإشارات المتزايدة إلى أن العراق يحاول لعب دور كبير في ترتيب قضايا المنطقة، بدفع أميركي، قال الحكيم إن “العراق دولة مستقلة ذات سيادة وعلاقاته الخارجية تتم بقرار عراقي خالص ولا يحتاج إلى وصاية من أحد”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “المنطقة تغلي على نار المشاكل الداخلية لجميع البلدان”.
ويتوقع الحكيم أن يشهد “العام القادم في العراق الكثير من الأحداث والمتغيرات ونحتاج إلى قرارات صعبة وجريئة وحاسمة وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية المنوطة بنا لقيادة هذا البلد إلى شاطئ الأمان”.
ويقول قيادي بارز في المجلس الأعلى، مقرب من الحكيم، إن “الأخير يعتقد أن إيران بدأت تخسر في المنطقة الآن، بعدما وسّعت مساحة نفوذها، من دون أن تكون لديها الموارد الكافية، والحلفاء الأقوياء”.
وأضاف أن “ترطيب الأجواء بين السعودية وإيران مهم للغاية بالنسبة إلى طهران في هذه اللحظة”، مشيرا إلى أن “الرؤية السعودية التي عبّر عنها الأمير محمد بن سلمان في حديثه الأخير تتحدث عن معركة داخل إيران، ونحن نعتقد أن المقصود هو داخل العراق”.
وتابع القيادي أن “الإيرانيين يشعرون بضغط هائل، بعد نجاح السعوديين في ضمان استمرار تحالفهم مع الولايات المتحدة بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فضلا عن التقارب الكبير بين روسيا وتركيا والذي توّج بلقاء الرئيس الروسي بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء”.
ولم يستبعد أن تنفتح مبادرة العبادي للوساطة مع السعودية، مع هذا الحراك الإقليمي والدولي المتزايد، بشأن مخاوف إيران من عزلة أشدّ.
ويرى محللون سياسيون عراقيون أن مبادرة الوساطة محاولة إيرانية لتفتيت الحصار من حولها مع بداية تشكل التحالف العربي الأميركي، وأنها استمرار لخطابها الساعي إلى الحوار مع السعودية، لافتين إلى أن طهران تريد أن تربح الوقت على أمل أن تمرّ الضغوط الدولية.
وبالمقابل تستمر السعودية في مواقفها المتصلبة تجاه إيران. ووصف ثامر السبهان وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي النظام الإيراني بـ”المارق” متهماً إياه بأنه يمارس “فنون الإرهاب في المنطقة” وتوعّد بردعه وردع كل من سار على نهجه.
وجاء تعليق السبهان، الذي سبق وأن شغل منصب سفير بلاده في بغداد قبل أن تطلب الحكومة العراقية تغييره، “إن النظام الإيراني سيجد الردع لكافة أعماله ومخططاته هو ومن سار على نهجه”.
وعرف السبهان بتصريحاته القوية ضد إيران ووكلائها في العراق. وقال في أغسطس الماضي، ردا على طلب بغداد الرسمي بتغييره، إن “السعوديين كلهم ثامر السبهان”، مشددا على “لن نتخلّى عن العراق، وإن العراق سيبقى عربيا”، في إشارة إلى الوجود الإيراني بالعراق.
صحيفة العرب اللندنية