الرياض – عكس الحماس الذي أبداه مسؤولون سعوديون تجاه زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض نهاية الشهر، رهان المملكة على هذه الزيارة لتثبيت الدور القيادي الذي تلعبه في القضايا الإقليمية، فضلا عن كونها إعلانا رسميا من الولايات المتحدة عن تجاوز مخلفات مرحلة الرئيس السابق باراك أوباما في العلاقة مع الرياض ومع دول الخليج ككل.
واعتبرت مراجع سعودية مطّلعة أن تصريحات ترامب التي تلت الإعلان عن الزيارة أعطتها بعدا آخر، ومثّلث مفاجأة سارة في الرياض وأزالت كل المخاوف التي كانت تساور المسؤولين السعوديين بخصوص جدية الإدارة الأميركية الجديدة في بناء تحالف وثيق مع الرياض.
ولفتت هذه المراجع إلى أن تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير تعكس التفاجؤ السعودي بمديح ترامب و”افتخاره” بأن يبدأ أولى زياراته إلى الخارج بالمملكة، فضلا عن تعظيم دورها في الحرب على التطرف والإرهاب.
لكنها حثت على ضرورة استثمار خطوات التقارب السريعة التي تبديها الإدارة الأميركية تجاه السعودية وبقية دول المنطقة، معتبرة أن السنة الأولى من رئاسة ترامب ستكون حاسمة، وأن من مصلحة العرب العمل على الاستقطابات التي توفرها تصريحاته وسياساته ومواقفه لفرض دور فعال في قضايا المنطقة.
وقال الرئيس الأميركي إن “السعودية تحتضن الموقعين الأكثر قدسية في الإسلام، وهناك سنبدأ تأسيس قواعد جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف، ولتوفير مستقبل أكثر أملا وعدلا للمسلمين الشباب في بلدانهم”.
وأضاف ترامب “مهمتنا ليست الإملاء على الآخرين كيف يعيشون حياتهم، بل بناء تحالف من الأصدقاء والشركاء الذين يشاركوننا هدف محاربة الإرهاب وتحقيق الأمان والاستقرار في الشرق الأوسط”.
وأشار مراقبون إلى أن كلمة ترامب حملت رسائل مهمة للسعودية لعل أبرزها تخليه عن إملاءات الإصلاح التي حاولت إدارة أوباما قبله فرضها في واقع سعودي لا يقبل أي إصلاحات على المقاس، ويحتاج إلى تطوير بطيء ودائم ومن داخل المناخ الديني والفقهي الذي يقود المملكة.
ومنذ سنوات تجري السعودية إصلاحات صغيرة، وبعيدا عن التضخيم الإعلامي خوفا من ردة فعل التيار المتشدد الذي يسيطر على أغلب المؤسسات المؤثرة مثل المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية.
مارتن إنديك: مقاربة ترامب بناء شراكة مع أنظمة الحكم العربية
وسبق أن أرسلت الإدارة الأميركية الجديدة رسالة مهمة لدعم خيار الإصلاح بمواصفات سعودية خالصة حين استقبل ترامب ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض كأول مسؤول عربي وإسلامي يستقبله الرئيس الأميركي الذي مهد لتلك الزيارة بتصريحات قوية ضد إيران قرئت على أنها خطوة ضرورية أولى لطمأنة السعودية بأن ما قيل عنها في الحملة الانتخابية لترامب مجرد تصريحات لاسترضاء الجمهور الانتخابي.
واعتبر المراقبون أن استقبال الأمير محمد بن سلمان صاحب “رؤية 2030″ للتطوير والإصلاح في السعودية تحمل رسالة أوسع عن دعم ترامب لصعود الجيل الجديد في المملكة وفي الخليج ككل، وهذا ما سيتدعم خلال القمة التي تجمع الرئيس الأميركي مع الزعماء الخليجيين في الرياض خلال الزيارة، فضلا عن قمة إسلامية أميركية أوسع قد تفضي إلى إعلان التحالف الواسع الذي سبق أن تحدث عنه ترامب لمواجهة إيران وداعش معا.
وكان وزير الخارجية السعودي قال إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة ستزيد التعاون بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية في التصدي للتطرف، وأنها ستشمل قمة ثنائية (سعودية أميركية)، ولقاء مع قادة دول الخليج، واجتماعا آخر مع قادة الدول العربية والإسلامية.
وقال الجبير “ستؤدي (الزيارة)، كما نعتقد، إلى توثيق التعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية في التصدي للإرهاب والتطرف وستغير المحادثات في ما يتعلق بصلة الولايات المتحدة مع العالم العربي والإسلامي”.
ومن الواضح أن ترامب قد أجرى مراجعة شاملة لمواقف سلفه أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهو الآن يعيد تصويب الوضع بشكل يسمح لواشنطن أن تعيد تجميع حلفائها من جديد على أسس أكثر وضوحا وتماسكا.
وقال مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد بروكينغز للدراسات، إن “مقاربة أوباما كانت تتمحور حول بناء علاقة مباشرة مع الشعوب العربية عبر خطاب القاهرة عام 2009. أما مقاربة ترامب فهي بناء شراكة مع أنظمة الحكم العربية، دون الحديث إلى الشعوب مباشرة، وهو ما يبدو أفضل بالنسبة للكثير من القادة العرب”.
وذكر أحد مساعدي ترامب، الذي رفض الكشف عن هويته لمراسل صحيفة “نيويورك تايمز″، أن هناك فرقا جوهريا بين سياسة الإدارتين يرتكز على “القوة والنفوذ اللذين تتمتع بهما إيران”. وأضاف “هذه القوة الإيرانية عززت ثقة الدول العربية في القيادة الأميركية الصاعدة، منذ اللهجة الحادة التي تبناها ترامب تجاه إيران خلال حملته الانتخابية”.
ولم تكن هذه الثقة حاضرة إبان حكم أوباما، الذي زار السعودية بحثا عن إطلاق عملية سلام بين العرب وإسرائيل. لكن ترامب على ما يبدو تعلم من درس تعامل أوباما “قصير النظر” مع الحلفاء الخليجيين.
وقال مسؤولان أميركيان كانا على متن طائرة أوباما خلال رحلته الأولى إلى السعودية لـ”نيويورك تايمز″ إن أوباما فوجئ برد فعل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي رد على طلب أوباما قائلا “سنكون آخر من يصل إلى تسوية مع الإسرائيليين”.
لكن، وكما شهدت واشنطن تغيرا جذريا بين إدارتين، مرت السعودية بتحولات غير تقليدية منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم. وسرعان ما تجاوبت السعودية مع سياسات ترامب القاضية بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة بأي ثمن.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن ترامب “اندهش من مدى استعداد القادة الجدد في السعودية للعمل مع الولايات المتحدة”.
العرب اللندنية