اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك تتضمن إنشاء منطقة تجارية حرة بين الدول الثلاث تعد أكبر التكتلات التجارية في العالم، دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وعادت إلى الأضواء بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالخروج منها أو إعادة التفاوض بشأنها.
سياق تاريخي
تعود جذور اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية -المعروفة اختصارا بـ”نافتا”- إلى العام 1989، حين تم التوقيع بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا على اتفاقية للتجارة الحرة تتضمن حرية التجارة بينهما، قبل أن تلتحق بهما المكسيك رسميا بعد خمس سنوات.
وفي عام 1992 وبعد مباحثات ومفاوضات استمرت أكثر من عام، توصلت الدول الثلاث (أميركا وكندا والمكسيك) في 12 أغسطس/آب 1992 إلى اتفاق مبدئي مكمل للاتفاق السابق بين أميركا وكندا، يقضي بإنشاء منطقة للتجارة الحرة فيما بينها تشمل قارة أميركا الشمالية بكاملها، من أجل النهوض بواقع التبادل التجاري بينها، وزيادة النمو الاقتصادي في كل بلد على حدة.
وفي العام 1993 صادق الكونغرس الأميركي على الاتفاقية ثم اعتمدها الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون عام 1993، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد ذلك بنحو عام، أي في الأول من يناير/كانون الثاني 19944.
أهداف ومضامين
تهدف الاتفاقية إلى إقامة منطقة للتجارة الحرة فيما بينها وإزالة الحواجز الجمركية ورفع القيود الضريبية وفتح الباب أمام الحركة التجارية بين بلدان أميركا الشمالية الثلاثة، لزيادة النمو وتقوية التبادل التجاري بينها مما يؤدي في النهاية لخلق أكبر منطقة استهلاكية تستفيد من إيجابيات وفرص حرية التجارة.
كما تهدف أيضا إلى مساعدة أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة عبر تخفيض التكاليف وتسهيل عمليات البيع والشراء، وإزالة الحواجز التجارية وإلغاء الرسوم بين الدول الثلاث عن نحو تسعة آلاف سلعة خلال 15 عاما، وتسهيل حركة عبور التجارة بين البلدان المؤسسة لها.
وأدى الاتفاق إلى انتعاش التجارة بين دول المنطقة، حيث زادت بمقدار المثلين لتصل إلى تريليون دولار سنويا، ووصل إجمالي حجم التجارة بين دول “نافتا” أواخر عام 2013 إلى نحو ثلاثة مليارات دولار يوميا، بحسب وزيرة التجارة الأميركية بيني بريتسيكر حينها.
وانقسم الشارع الأميركي بين مؤيد لها متوقع أن تحقق مكاسب كبيرة للاقتصاد الأميركي وبين معارض يحذر من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد الأميركي، ولكن مركز الخدمات البحثية بالكونغرس كشف عام 2015 أن اتفاقية نافتا لم تؤد إلى خسارة في الوظائف كما حذر معارضوها، ولم تؤد إلى مكاسب مالية ضخمة كما توقع مؤيدوها.
وتضم دول “نافتا” الثلاث حوالي 460 مليون نسمة، وبموجبها أنشئت واحدة من أكبر المناطق الحرة في العالم، ويذهب أكثر من 80% من صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة وكندا، بينما تزيد صادرات الولايات المتحدة إلى المكسيك عن صادراتها إلى البرازيلوالصين والهند وروسيا مجتمعة. ويوجد في الولايات المتحدة حوالي ستة ملايين وظيفة تعتمد على التصدير إلى المكسيك.
وبعد سريان مفعول الاتفاقية ألغيت الضرائب وخفضت الرسوم بشكل كبير ثم ألغيت تماما عام 2008 على أغلب المواد باستثناء خشب البناء وجميع مشتقات الحليب تقريبا، حيث تحمي كندا قطاع الألبان فيها من خلال فرض تعريفات جمركية على الواردات لدعم الأسعار لصالح مزارعي البلاد، وزاد النزاع بشأن الألبان عندما وسعت كندا هذه السياسات لتشمل كذلك الحليب المصفى المستخدم في صناعة الأجبان التي تعد غاية في الأهمية بالنسبة للصادرات الأميركية.
جدل حول الاتفاقية
منذ الأيام الأولى للاتفاقية لم يتوقف الجدل بشأنها، فالرئيس الأميركي جورج بوش الأب -الذي وقعها عام 1992- خسر الانتخابات الرئاسية في العام ذاته أمام منافسه بيل كلينتون، وواجه في سبيلها غضب خصومه الديمقراطيين وناشطي البيئة ونقابات النقل الأميركية، كما أن أحد المرشحين في تلك الانتخابات -وهو الملياردير روس بيرو– حصل على نتيجة متقدمة في استطلاعات الرأي وقتها نتيجة وقوفه ضد تلك الاتفاقية.
وامتد الجدل بشأنها خارج الأطر السياسية ليشمل النقابات والمزارعين والمجموعات العمالية، حيث كانت النقابات العمالية المقربة من الديمقراطيين في الولايات المتحدة تخشى هجرة الوظائف من السوق الأميركية نحو المكسيك بحثا عن عمالة أرخص.
وفي المكسيك تكثفت احتجاجات المزارعين ونظموا تظاهرات جماهيرية واحتجاجات واسعة على الاتفاقية التي يقولون إنها تدمر مصالحهم وتضعهم في مواجهة نظرائهم الذين يفوقونهم في القدرات والإمكانات في أميركا وكندا، وإن السوق المكسيكية أغرقت منذ سريان الاتفاقية بالمنتجات الأميركية والكندية.
وطالبوا الحكومة مرارا بمراجعة الاتفاقية لحمايتهم، خصوصا بعد بدء تطبيق بنود في الاتفاقية عام 2008 تسمح بدخول المواد الزراعية والحيوانية من الولايات المتحدة وكندا إلى المكسيك دون رسوم جمركية.
تهديد ترمب
وخلال الحملة الانتخابية الأميركية في نهاية 2016، هدد المرشح الرئاسي حينها دونالد ترمب بوقف تطبيق الاتفاقية والانسحاب منها، ووصفها بالكارثة على الاقتصاد الأميركي، وبأنها أسوأ اتفاقية تجارة أبرمت في تاريخ الولايات المتحدة.
وبعد انتخابه تراجع مؤقتا عن الانسحاب منها، وقال إنه اتفق مع نظيريه الكندي والمكسيكي على إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية في أسرع وقت ممكن. وقال ترمب “الآن، إذا لم أتمكن من إبرام اتفاق عادل.. للولايات المتحدة، بما يعني اتفاقا عادلا لعمالنا وشركاتنا؛ فسألغي نافتا. لكننا سندعم إعادة التفاوض بقوة”.
وخلال ظهور له في البيت الأبيض مع نظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، صرح ترمب أن إلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية “سيكون صدمة كبيرة نوعا ما للنظام”.
ويملك ترمب صلاحيات واسعة في السياسات التجارية تمكنه من الانسحاب من اتفاقية نافتا دون تصويت الكونغرس، وفقا لما ذكره العديد من المحللين القانونيين، ويمكن للإدارة الأميركية أن تطلب إعادة التفاوض حول هذه المعاهدة خلال فترة تسعين يوما، أو تعلن خروجها الصريح المرفق بإشعار مدته ستة أشهر.
الجزيرة