في المستهل نذكر بان الولايات المتحدة الامريكية وايران اعداء العلن اصحاب ورفقاء السر المرتهن، ينسقان جهودهما بسبب تطابق مقاربتهما في عدة جبهات في منطقة الشرق الاوسط، سواء ما يتعلق بالحرب في العراق، او الصراع الدائر في سوريا، او في عدن، الامر الذي يدعو الى التوقف والتأمل بملابسات العلاقات بين الجانبين. ولعل الاعم الغالب من الناس يؤمن بفكرة الصراع والعداء بين المعسكر الاميركي والايراني، فالماكنة الاعلامية بذلت جهوداً مضنية في تأصيل هذا الارتكاز الذهني في عقليات عامة الناس في العراق، وجملة من مدعي الثقافة والرؤية العلمية والتحليلة السطحية.
لكن ثمة إستفهامات بمجرد التأمل بها تتفتق الكثير من ينابيع الحقائق الغائبة او المُغَيّبة عمداً ومنها، أولاً: كيف اجتمعت وتوافقت الرؤية العسكرية بين إيران وعدوها اللدود الولايات المتحدة الامريكية من جانب، وبين السياسة الامريكية التي تنظر لطهران كدولة في محور الشر من جانب اخر، حتى باتت تقاتل في خندق واحد ضد ما يسمى بـ ( داعش) ؟!!!!! إذ جاءت غارات قوات التحالف الجوية بقيادة اميركية ضد “تنظيم الدولة الاسلامية” لاسناد الاليات والعمليات العسكرية التي يديرها الحرس الثوري ويقودها قاسم سليماني على الارض، وقودها ميليشيات الحشد الشعبي.
ومع من أن النصوص الدينية الايرانية يفترض بها منع النظام من الوقوف في خندق واحد مع (الشيطان الاكبر) و(دولة الاستكبار العالمي)، وكذلك الحال بالنسبة للامريكيين ورغم ذرائعيتهم، فانهم يمتلكون الكثير من الملفات والمعلومات عن ارهاب طهران واذرعها المحلية لجهة التدخل في شؤون المنطقة العربية، وكيف لمحلل محايد يرمي بلوغ الحقيقة او فك شفرة اللغز أن يجمع بين هذين الموقفين؟
وثــانياً: فالسؤال هنا عبارة عن معادلة رياضية حول من المستفيد من دخول (داعش) العراق ؟ او من الذي أوعز لها بالدخول؟ او من الذي سلم كبريات مدن العراق –الموصل – لهذا التنظيم؟ المعادلة ذات ثلاث مستويات وهي:
1- المالكي القائد العام للقوات المسلحة + المسؤول عن الملفات الامنية والاستخبارية في البلاد + (داعش) تسلم الموصل بلا قتال لينسحب الجيش العراقي، تاركا كل آلياته العسكرية) + هزيمة الموصل تحكي عن اتفاق وصفقة + كيف يجازف المالكي ويتحمل هذه المسؤولية + هو المدعوم والمأمور ايرانياً وبقوة = إيران أوعزت (لداعش) بالدخول .!!
2- الكل يتحدث عن ( ان داعش صناعة اميركية) بما يمتلكه من قدرات وخبرات + وهي مشروع لضرب الاسلام + يساعد الولايات المتحدة الامريكية بتعزيز نفوذها في المنطقة = دخول (داعش) الى العراق يعبر عن ارادة امريكية.
3- ايران اوعزت لـ(داعش) بالتحرك في العراق + الولايات المتحدة الامريكية غضت الطرف عن (داعش) = هناك اتفاق استراتيجي غير ظاهر للعلن بين القوتين المتصارعتين اعلامياً ! و= اشنطن وطهران على خط ونسق وفي خندق واحد. كلاهما يريد المواجهة، للفوز باكبر قدر من الغنائم على الارض، وبما يتيح له تشكيل الخارطة السياسية والاستراتيجية للعراق مستقبلا.. فالغلبة لمن يمسك بمكامن القوة العسكرية وله القدرة على تحريك القطعات وتوجيه سير المعارك.
وثــالــثاً: بشار الاسد الرئيس السوري = ايران = روسيا، فكلا من ايران وروسيا بذلتا اموالا هائلة وارواح من اجل الابقاء على نظامه. ولما كانت الولايات المتحدة الامريكية = تعارض روسيا = وتحاصر ايران بالعقوبات الدولية = وترفض ممارسات نظام بشار. ومن المفترض ان تقف الولايات المتحدة الامريكية ضد دمشق. وبكل بساطة عدم الضغط على بشار يعني الانصياع للسياسات الروسية والايرانية بهذا الصدد.
والسؤال هنا: يدور حول موقف الولايات المتحدة الامريكية وخياراتها تجاه الملف السوري؟ فعدم محاسبة الولايات المتحدة لنظام الاسد على ممارساته الارهابية وعدوانه على الشعب السوري يعني القبول بتواجده في المعادلة السياسية + دعم ايران غير المحدود + مساندة روسية للنظام = الولايات المتحدة الامريكية وأيران في خندق واحد.
رابــعاً: تشكل إسرائيل فاعلا مهما في المشهد الاقليمي، وستصب مخرجات الاقتتال على الارض، في تعزيز المصالح الاسرائيلية، بحيث يتم استثمار الصراع الداخلي، لاضعاف القوى المنخرطة في المواجهات من اسلاميين وغير اسلاميين في الجبهة السورية. وفي المشهد النهائي فان تصدع الدول العربية، انما يشكل هدفا ايرانيا واسرائيليا على حد سواء.
ومن هنا فما يلوح في الافق، ان هو الا توافق مصلحي يجمع بين الولايات المتحدة الامريكية وايران، رغم كل ما يقال عن الاختلافات والصراع، ما استلزم تنسيق الجهود والعمل معا، فالعلانية التي رافقت التدخلات الايرانية في المنطقة، قابلها صمت امريكي مشفوع بالقصف الجوي، اسهم في تسهيل مهمة الميليشيات في العراق وسوريا. اتمنى ان نصحو ونستيقض من سباتنا وننتبه وننبه الناس فالارواح التي تُحصد في هذه المعارك والصراعات كـــــلها هي: أرواح بشر أرواحنا نحن ..نحن من يموت ..وهم من يعيشون ويلعبون في مقدراتنا وارواحنا ودماءنا.
احمد العربي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية