على متن السفينة الحربية التي تقود الحرب ضد “داعش”

على متن السفينة الحربية التي تقود الحرب ضد “داعش”

بينما تشرق الشمس فوق مياه الخليج العربي، تقوم فرق من البحارة الذين يرتدون الياقات العالية والصداريات بتحميل القنابل على العشرات من الطائرات النفاثة من طراز أف–18 المصطفة على مدرج الطيران في هذه المدينة العائمة، والذي تبلغ مساحته 4.5 فدان.
سوف تبدأ عمليات الطيران قريبا جدا، حيث تغادر موجات من الطائرات سطح حاملة الطائرات كل بضع ساعات لتنفيذ مهمات فوق العراق وسورية، في إطار القتال ضد “داعش”.
كانت حاملة الطائرات هذه قد غادرت نورفولك في ولاية فرجينيا في اليوم الذي أعقب التنصيب الرئاسي. ومهمتها الرئيسية هي دعم عملية العزم المتأصل، الحرب ضد “داعش”. ومنذ بدء طلعات الطيران القتالية في شباط (فبراير) الماضي في شرق البحر الأبيض المتوسط، استخدمت طائرات المهمة أكثر من 915 سلاحا في أكثر من 387 ضربة جوية.
يطير الطيارون بشكل نمطي ستة أيام متتالية، ويرتاحون يوما واحدا، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يختلف تبعا لما تمليه حاجات المهمة.. وبينما يظل مدرج الطيران وأسراب الطائرات مشغولين طيلة النهار والليل، يطير كل طيار بشكل عام في مهمة أو اثنتين في اليوم الواحد.
في الأسفل، في غرف الاستعداد المزينة بحلي صغيرة تضاهي لقب كل سرب -مثل رأس وعل مرتديا القبعة عريضة الحافة لفريق “وعول راغين”- يتلقى الطيارون إيجازا عن مهام اليوم.
وكانت السفينة بوش قد وجهت أولى الضربات الأميركية ضد “داعش” في العام 2014، لكن القتال تطور منذ ذلك الحين، كما قال أدميرال المؤخرة كينيث وايتسل، قائد المجموعة الضاربة الثانية في الحاملة. وأضاف وايتسل: “لقد تقدمت (الحملة)… تم وضع “داعش” بشكل أساسي في عنق الزجاجة في ثلاثة مناطق: حلب والرقة والموصل”.
وقال وايتسل أن هذا الصراع يختلف بعض الشيء عن الصراعات السابقة: “في أفغانستان كان القتال مفتوحا على نحو واسع النطاق في كل أنحاء البلد، استنادا إلى المكان الذي تتواجد فيه القوات الأميركية وحيث يوجد الخط الأمامي للقوات. وعندما كانت هذه السفينة (يو. أس. أس. بوش) هنا في العام 2014… كانت تلك جغرافية واسعة. في الأساس، كان كل شيء على الأرض، والذي كان يشكل قوة عسكرية، كان ذلك “داعش” تابعة لداعش، اقتله”.
وأضاف أن القتال أصبح يدور الآن كله في بيئة حضرية، وأن “داعش حوصر من كل الجهات”.
وقال وايتسل: “إنه قتال صبور ومثابر الآن، من نوع “علينا تحقيق بعض المكاسب السريعة. علينا كبح موجة داعش”.
وقالت الملازم آشلي بيلزيك، ضابطة الأسلحة التي تجلس في المقعد الخلفي لطائرة “سوبر هورنت أف ايه 18 أف” أن هذا القتال هو جزء من تحول في اتجاه التفكير مقارنة مع الصراعات الحديثة الأخرى.
وأضافت: “كان تركيزنا الرئيسي في (أفغانستان) ينصب على حماية قواتنا على الأرض، لذلك كان الوضع دفاعياً بشكل أكبر. وكنا نعرف أننا هناك للحماية في حال مست الحاجة إليها. أما الآن وهنا، فالأمر أصبح يتعلق بحماية الناس الذين يعيشون هنات فعلياً”.
وقالت أيضاً أن العراق أصبح الآن “مكاناً مختلفاً جداً” مقارنة بما كان عليه عندما كانت تخدم هنا قبل ستة أعوام.
وأشارت إلى أنه “كان مكانا مهجورا تماما في ذلك الوقت، كان وكأنه منهوب ومدمر. والآن هناك مدن رئيسية مأهولة أعيد بناؤها، ومن الجيد مشاهدة ذلك”.
وهناك اختلاف آخر ترتب على السفينة أن تتعامل معه: التحرش من جانب القوات البحرية لجهاز الحرس الثوري الإيراني، وهو الأمر الذي أصبح مألوفا بازدياد في الأعوام الأخيرة.
وقال وايتسيل إن الاستعداد لتلك المماحكات يمثل جزءا ضخما من تدريب البحارة قبل انتشارهم، حيث يتدربون على مواجهة سيناريوهات تتراوح بين “الأكثر ترجيحا إلى الأكثر خطورة”.
ويكون ذلك التدريب حاسما بشكل خاص عند المرور في مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن ومضيق هرمز.
وقال وايتسيل أن الإيرانيين يستخدمون قوات الحوثيين “كوكيل عنهم في الوقت الحالي. ولذلك، فإن كل اختبار وتقييم لكل قدراتهم الصاعدة والمقبلة يتم في باب المندب”.
وعندما أبحرت السفينة “بوش” في مضيق هرمز، اختبر البحارة ما وصفه وايتسيل بأنه سلوك “غير احترافي” من جانب القوات الإيرانية.
وكان نظام دولي لفصل العبور قد صمم مساري ترانزيت للسفن التي تمر عبر المضيق، لكن بحرية جهاز الحرس الثوري الإيراني وضعت السفن “تماما في المخطط”، وأزالت الأغطية ولقمت أسلحتها، ثم خرجت على أجهزة اللاسلكي لتقول: “أنتم في المياه الإيرانية ولستم موضع ترحيب، استديروا وعودوا إلى بلدكم”.
لكن أي شيء من هذا النوع لم يحدث على الجانب الثاني من الممر المائي مع العمانيين. وقال وايتسيل إن سلكنة عُمان أرسلت سفينة حربية.  وفي حين قال الإيرونيون “هيه أنتم في المياه الإيرانية”، قال العمانيون “كلا، إننا نرى موقعكم في نظام الفصل المروري، أنتم في المياه الدولية. مرحبا بكم في الخليج العربي، واصلوا طريقكم””.
والآن، بوجود السفينة “بوش” في الخليج، يرسل الإيرانيون دوريات بين الحين والآخر”لإلقاء نظرة علينا”، كما يقول وايتسيل الذي يضيف: “لكن سلوكهم ما يزال حتى الآن احترافيا وطبيعيا”.
ومع ذلك، كما قال، إذا صدر تهديد إيراني -سواء على شكل طائرة من دون طيار أو بطيار أو سفينة سطح- فإن الفكرة الأولى هي “ما هي نيتها”.
وافتراضه الأول هو أن الأمر يكون من المستوى “الأكثر خطورة” كما قال وايتسيل، بحيث يرتب الأميركيون السفينة والقوات من حولها حسب الأصول، ثم يشرعون في تخفيف التصعيد كما تقتضي الضرورة.
ويقول وايتسيل: “إذا خرجوا بقصد عدواني وأظهروا وتابعوا نية عدائية، فإننا مستعدون للرد على ذلك من البداية”.
وقال الكابتن وليام بنينغتون، قائد السفينة، إنه يجب عليهم أن يكونوا مستعدين دائما في حالة نشوء تفاعل وبلوغه مستوى عدائيا وخطيرا.
وأضاف: “إننا نحمي سفينتنا من خلال نوع من إطار عمل من النوع الدفاع العميق جداً، والذي يبدأ بالاستخبارات التي نكون قادرين على جمعها، وأنماط الحياة التي نلاحظها. ويتجمع ذلك لدينا في نهاية المطاف للدفاع عن أنفسنا إذا احتجنا إلى ذلك”.
تتحدث الطريقة التي يحمي بها البحارة سفينتهم بما يصب في مصلحة حاملة الطائرات: فكل شيء ضروري للمهمة، بدءا من الاستخبارات، إلى الصيانة، إلى إعداد الغذاء متوفر على متن السفينة.
ثمة اثنين من ضباط الصف من الصف الثاني، هما رايلين رودريغز واريك لايتسين. وهما اثنان من نحو 4800 شخص تقريبا تقلهم السفينة، واللذين يؤديان مهام حاسمة ومهمة غير معروفة إلى حد كبير لدى العامة.
تقوم رودريغز بإصلاح وصيانة المعدات المتخصصة في دائرة الاستخبارات، بينما يعمل لايتسن في دائرة المفاعل النووي. وهو واحد من عشرة أشخاص مسؤولين عن توليد كل الكهرباء على متن السفينة.
وتقول رودريغز التي تبدأ ورديتها عند منتصف الليل: “وظيفتي تنجز في معظمها خلف الكواليس.. إنك لا تشاهدني كثيرا -أعني أنني أعمل على الصيانة دائما أو أعمل شيئا طلب أحدهم مني عمله… أقضي ساعات طويلة في حل المشكلات، والعديد من الجهد للصيانة، والتنظيم، والتأكد من أن كل شيء يسير وفق ما هو مفترض”.
أما لايتسين، فيعمل من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء مع ورديات مراقبة بين الفترة والأخرى.
ويقول أن عمله شاق وكثير المتطلبات، ولكن “في نهاية اليوم تحتاج السفينة إلى كهرباء وتحتاج إلى قوة دفع، ونشكل نحن خطوة كبيرة جداً في توفير ذلك. إنه جزء كبير من الصورة الأكبر التي يساهم فيها كل شخص آخر”.
وقال بنينغتون إن كل عنصر على متن السفينة هو جزء من “ماكينة كبيرة جدا” بينما تحاول القيادة التأكد من أن كل واحد يفهم أهمية إسهاماته، بينما توفر أيضا بعض التوازن بين العمل والحياة.
على متن السفينة “بوش” يتم كل يوم أكثر من 18.000 وجبة طعام في صالات الطعام الأربع على طريقة المقصف وصالة طعام الضباط. وبإمكان البحارة ارتياد “ستار بكس” في السفينة -وشراب الأسبوع هو شاي الخوخ المثلج وعليق الفريز- أو شراء طائفة مشجعة من وجبات الطعام الخفيفة سابقة التغليف (تصبيرة) من متجر السفينة.
وللتخلص من آثار تلك الوجبات الخفيفة، يستطيع البحارة رفع أثقال أو ممارسة الركض على واحد من أجهزة المشي ذات الحزام المتحرك في واحدة من قاعات الرياضة  في السفينة، أو الانخراط في فصول دراسية تتراوح بين اليوغا وبين الغزل، وكل ذلك يتم بترتيب شاب طويل الشعر يكنى “سيد اللياقة”.
حول موعد الغذاء، وبينما يعمل رجال الصيانة الرئيسيون على الطائرات والطائرات العامودية من حولهم، يضع البحارة في الملابس المدنية فرشات وأثقال حديدية على الأرضية الخشنة لسطح العنبر، ويبدأوون في ممارسة تمارين الضغط والقرفصاء وحبل القفز وهم ينظرون إلى مياه البحر الزرقاء والسماء الضبابية.
وفوقهم، على سطح الطيران، ثمة موجة أخرى من النفاثات المحملة بالقنابل، تقلع.
تقول وزارة الدفاع الأميركية إنه مع تطور المهمات، كذلك فعلت أيضا عملية الاستهداف وتطور فهم التهديد.
يقول وايتسيل: “أصبحنا قادرين على أن نكون أكثر دقة، ولا أعني بالضرورة دقة بالطريقة التي يضرب بها المقذوف الهدف –فقد كنا جيدين في ذلك لبعض الوقت- لكن الأكثر أهمية هو: ما هو المكان المناسب لضربه في الهدف”.
في نيسان (أبريل)، عملت السفينة كمنسق في ضرب صواريخ توما هوك للقاعدة الجوية السورية، الشعيرات، على الرغم من أن الصواريخ أطلقت من سفينتين حربيتين أخريين في البحر الأبيض المتوسط. وتم توجيه الضربة الصاروخية الأميركية رداً على استخدام الأسلحة الكيميائية، مما دفع روسيا إلى تعليق اتفاقية للمصالحة مع الولايات المتحدة.
يقول القائد جيمس مكول، قائد الجناح الجوي الثامن في الحاملة: “كان أي تغير في العمليات طفيفاً جداً مع ذلك”.
وكان الطيارون قد تلقوا إيجازا عن “تصاعد التوتر” لتجنب أي سوء حسابات محتمل. ولكن بالنسبة للطيارين الاعتياديين، كما يقول مككول: “إنك إذا سألتهم ماذا تغير فسيقولون لك لا شيء. لقد خرجت ونفذت مهمتي”.
وقال إن جزءاً من تلك الوظيفة يكمن في الطيران مئات الأميال من التحليق، مع الإبقاء على الاعتبارات الاستراتيجية القومية في البال عند تنفيذ المهمة.
وأضاف: “إن طيارينا ينجزون مهمة استثنائية في القتال، وقدرتهم على اتخاذ القار مميزة. لدينا بعض صنع القرار الاستثنائي حقيقة فيما يتعلق بمنع وقوع خسائر في صفوف المدنيين، وهو وهو ما كانت مشاهدته مزعجة، بعض الرفاق يتخذون قرارات عظيمة في الطائرات في ظروف بالغة الصعوبة”.
وقال وايتسيل أن الانتشار كان ناجحاً حتى الآن، لكن السفينة لم تصل تماماً إلى المنتصف في برنامجها لقضاء سبعة أشهر بعيداً عن الوطن، ولذلك ما يزال أمامها طريق طويل لتقطعه.
وأضاف: “الآن أكبر عدو لنا هو التكاسل والرضا عن الذات. الكل لديهم ثقة لا متناهية في فعل ما يفعلونه… هذه بيئة خطيرة جداً، ويجب علينا أن نجعل كل واحد يقف على رؤوس أصابع قدمه”.
في داخل السفينة، يأتي إعلان من مكبرات الصوت: “تاتو ، تاتو. سوف تطفأ الأنوار خلال خمس دقائق. استعدوا لصلاة المساء”.
ولكن، حتى عندما تتحول الأنوار البيضاء إلى حمراء في الممرات، يستمر زئير المحركات النفاثة وقعقعة كوابل خطافات الذيل، بينما يستعد مئات آخرون من البحارة لبدء يوم عملهم.

جنيفر لاد

صحيفة الغد