يطرح اتجاهُ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحلفائه خاصة “حزب الله” اللبناني وبعض الميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران، نحو التركيز على شن هجمات مكثفة في منطقة مثلث أرياف درعا ودمشق والقنيطرة، تساؤلاتٍ عديدة حول أهداف هذا التصعيد العسكري في جنوب سوريا، وتأثيراته المحتملة على توازنات القوى على الأرض، ليس بين النظام السوري وقوى المعارضة السورية فحسب، وإنما أيضًا بين “حزب الله” وإسرائيل، لا سيما بعد تصاعد حدة التوتر بين الطرفين في الفترة الأخيرة عقب تنفيذ عمليتي “القنيطرة” و”مزارع شبعا”، والذي كاد يُهدد بنشوب مواجهةٍ عسكرية شاملة.
دلالات متعددة:
يبدو أن نظام الأسد يسعى إلى استثمار الضربات القوية التي تتعرض لها التنظيمات المسلحة، سواء من جانب التحالف الدولي، أو من قبل قوات الحشد الشعبي، فضلا عن النجاحات الأخيرة التي حققها بمساعدة حلفائه، إلى جانب تصاعد حدة الصراع المسلح بين بعض تلك التنظيمات المسلحة، على غرار ما حدث بين حركة “حزم” المحسوبة على الجناح المعتدل، و”جبهة النصرة”، والذي دفع الأولى إلى حل نفسها، والاندماج داخل ما يُسمى بـ”الجبهة الشامية”، من أجل استعادة السيطرة على بعض المناطق الاستراتيجية في الجنوب، والتي يمكن أن تحقق عدة أهداف تتمثل في:
1- الحيلولة دون استخدام تلك التنظيمات، خاصة “جبهة النصرة”، مناطق الجنوب مُنطَلَقًا لشن هجمات على العاصمة دمشق من جهتي الجنوب والغرب.
2- توفير خيارات متعددة أمام “حزب الله” اللبناني في مواجهة أية تحركات إسرائيلية مستقبلية، خاصة بعد التوتر الذي شاب العلاقات بين الطرفين. وفي رؤية اتجاهات عديدة؛ فإن تصعيد حدة المواجهات في الجنوب لا ينفصل عن التوتر الأخير بين “حزب الله” وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، إذ إن وصول “حزب الله”، إلى جانب القوات النظامية والميليشيات الأخرى، إلى منطقة “تل الحارة” الاستراتيجية التي تشرف على الشريط الفاصل للحدود مع إسرائيل، من شأنه فرض ضغوط على إسرائيل، خاصة أن المنطقة ربما توفر فرصة للحزب، وفقًا لهذه الاتجاهات، لتنفيذ عمليات ضد الأخيرة في حالة نشوب مواجهة عسكرية جديدة بين الطرفين. وربما يفسر ذلك أسباب تصاعد حدة القلق داخل إسرائيل إزاء المسارات المحتملة للمواجهات العسكرية الحالية في جنوب سوريا.
3- منع أي هجوم بري محتمل في سوريا، خاصةً أن سيطرة التنظيمات المسلحة على مناطق استراتيجية في الجنوب، دفع أطرافًا عديدة إلى الدعوة لتدخل بري من أجل مواجهتها، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات سلبية عديدة على توازنات القوى داخل سوريا، ويبدو أن ذلك هو ما دفع وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى التأكيد على أن “دمشق ترفض أي تدخل بري على أراضيها في إطار محاربة الإرهاب”.
4- دعم الجهود التي تبذلها إيران لتأكيد دورها كطرف مهم في المواجهات المسلحة التي تندلع ضد التنظيمات المسلحة، سواء في سوريا أو العراق، من أجل تعزيز موقعها في المفاوضات التي تجري مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومجموعة “5+1” حول الملف النووي، والتي يبدو أن مساراتها المحتملة لا تنفصل عن الملفات الإقليمية الرئيسية، على غرار الملف السوري والحرب ضد “داعش”، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه من تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أكد خلال الاحتفال بذكرى الثورة في 11 فبراير 2015، على أن “إيران فقط هي الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق الاستقرار في المنطقة”. وفي ضوء ذلك، أشارت تقارير عديدة إلى مشاركة إيرانية بارزة في المواجهات المسلحة التي اندلعت في الجنوب بين القوات النظامية و”حزب الله” اللبناني من ناحية، وقوى المعارضة المسلحة من ناحية أخرى. وربما لا ينفصل ذلك عن تعمد إيران إبراز دورها الرئيسي في المواجهات المسلحة التي تندلع في الوقت الحالي بين القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي وتنظيم “داعش” في تكريت، حيث أشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى وصول قائد فيلق “القدس” العميد قاسم سليماني إلى منطقة صلاح الدين، لتقديم استشارات إلى القوات العراقية.
تداعيات مهمة:
ربما يفرض تصاعد حدة الصراع في الجنوب تداعيات عديدة في سوريا: يتمثل أولها في تعزيز موقع النظام السوري ضمن أي ترتيبات سياسية يمكن صياغتها في المرحلة القادمة، وعلى رأسها مبادرة تجميد القتال في حلب التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، والتي تواجه صعوبات عديدة في الفترة الأخيرة، ليس فقط بسبب ردود الفعل الرافضة التي أبدتها قوى المعارضة لتأكيد دي ميستورا أن “الأسد جزء من الحل”، ولكن أيضًا بسبب تزايد الشكوك حول مدى التزام النظام بتنفيذ المبادرة، خاصة بعد استباقه الزيارة الأخيرة لدي ميستورا، بطرد ثلاثة موظفين أمميين، وهو ما دفع المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إلى تأكيد أن “المبعوث الأممي إلى سوريا ذهب إلى دمشق لتأطير الالتزام الذي عبرت عنه الحكومة السورية، ولضمان أن عباراتهم في هذا الصدد وضعت في مكانها الملائم”. ويبدو أن ذلك هو ما دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح احتمالات استمرار الأزمة في سوريا دون تسوية خلال المرحلة القادمة.
وينصرف ثانيها إلى تزايد احتمالات تحويل جنوب سوريا إلى “كوباني جديدة”، من خلال اتجاه النظام السوري إلى حشد أعداد كبيرة من قواته، فضلا عن الميليشيات المسلحة التي تدعمها، لإخراج التنظيمات المسلحة منها، رغم أن ذلك ربما يفرض تداعيات عكسية، أهمها أن ذلك ربما يحول المنطقة إلى “بؤرة جهادية” جاذبة للمقاتلين بشكل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد حدة الصراع فيها، وفرض ضغوط جديدة على النظام.
ويتعلق ثالثها بتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة التي تقع على الحدود السورية مع لبنان وإسرائيل والأردن، وتزايد احتمالات نشوب مواجهة عسكرية جديدة بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني.
خلاصة القول، إن التصعيد العسكري الأخير في جنوب سوريا، يشير إلى سعي النظام السوري وحلفائه إلى تغيير قواعد الصراع وتوازنات القوى على الأرض، لتحقيق أهداف متعددة، ربما تتجاوز بدرجة ما حدود الصراع بين النظام والمعارضة، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات سلبية عديدة، أهمها استمرار الأزمة السورية دون حل.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية