قوبل قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الامني بكافة اشكاله مع اسرائيل بحالة من المبالغة والتهويل من قبل بعض وسائل الاعلام العربية والفلسطينية منها خاصة، دون الالتفاف الى الظروف المحيطة به، وابرزها الوضع المالي الحرج للسلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة تجميد السلطات الاسرائيلية للعوائد الضريبية لهذه السلطة وتبلغ حوالي 127 مليون دولار شهريا.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس تذكر المجلس المركزي الفلسطيني فجأة، مثلما تذكر انه المرجعية الفلسطينية الاهم في ظل عدم انعقاد المجلس الوطني، ولذلك لجأ اليه من اجل اصدار هذا القرار ليس بهدف التنفيذ وانما التهديد، فقد ظل الرئيس عباس هو صاحب الكلمة الاولى والاخيرة، ويتخذ قرارات اخطر بكثير من قرار وقف التنسيق الامني دون استشارة اي احد، بما في ذلك اللجنة المركزية لحركة “فتح” التي يتزعمها.
وعندما نقول ان هذا القرار على اهميته، يفتقد الى عنصر الجدية في التنفيذ، فاننا نشير الى تكليف المجلس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس عباس ايضا بتنفيذ هذا القرار دون وضع اي جدول زمني محدد.
فالحيثيات التي جرى ذكرها كأرضية لاتخاذ هذا القرار والاسباب التي حتمت اتخاذه تقول بأن اسرائيل لم تلتزم بالاتفاقات الدولية الموقعة بين الجانبين، وعليها تحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال تجاه الاراضي المحتلة والفلسطينيين الواقعين تحت هذا الاحتلال.
اسرائيل، وعلى مدى 22 عاما من توقيع اتفاقات اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية (سبتمبر 1993) لم تلتزم مطلقا بهذه الاتفاقات او غيرها، وابتلع استيطانها معظم اراضي القدس والضفة الغربية المحتلين، وشنت اكثر من 5 عدوانات على قطاع غزة، ومع ذلك استمر التنسيق الامني، والف الرئيس عباس قصائد المدح والاشادة به، واعتبره مصلحة فلسطينية قبل ان تكون مصلحة اسرائيلية، ووضع في موضع القداسة، فما هو الجديد؟
الجديد هو تجميد اسرائيل مستحقات السلطة المالية طوال الاشهر الثلاثة الماضية الامر الذي جعل السلطة عاجزة عن تسديد رواتب اكثر من 180 الف من موظفيها، ولم تجد جميع صرخات الاستغاثة وطلبات النجدة الموجهة الى امريكا او المملكة العربية السعودية اي تجاوب، فالاولى، اي امريكا، لم تمارس اي ضغط على حكومة نتنياهو للافراج عن هذه الاموال، وزيارة الرئيس عباس الى المملكة العربية السعودية للحصول على “منحة” مالية سريعة لم تحقق الغرض منها، وعاد من الرياض بخفي حنين.
لا نعرف كم من الوقت سيستغرق الامر اللجنة التنفيذية للمنظمة لتطبيق قرارات المجلس المركزي عمليا على الارض، ووقف كل اشكال التنسيق الامني، ولكننا لا نستبعد ان يتم الاستمرار بهذا التنسيق، وربما بصورة اكثر قوة في حال فكت السلطات الاسرائيلية تجميدها لاموال السلطة.
وقف التنسيق الامني لا يجب ان يكون مرتبطا بتجميد الاموال المستحقة للسلطة من عدمه، وانما باستراتيجية فلسطينية تعكس قناعة راسخة بأن هذا التنسيق يخدم الاحتلال ومخططاته الاستيطانية وعدوانه المتكرر على الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس ومقدساتها.
الرئيس عباس ولو كان جادا في تطبيق هذا القرار، وحل السلطة التي اصبحت بلا سلطة، على حد وصفه في خطابه امام المجلس المركزي، لعقد اجتماعا فوريا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وطبق القرار، ولكنه ليس جادا في هذه الخطوة، كما ان الذين بالغوا في اهمية قرار وقف التنسيق الامني، وذهبوا الى حد القول بانه يمثل انتهاء مرحلة اوسلو وبدء مرحلة جديدة من المقاومة السلمية انما يغالطون انفسهم ويخدعون الشعب الفلسطيني الذي وصل الى درجة الملل من مثل هذه الالعاب البهلوانية.
السلطة لم تعد سلطة، ورئيسها لم يعد رئيسا، والشعب الفلسطيني يعيش حالة من الانهيار لطموحاتها وآماله ومشروعه الوطني، وبات على وشك الانفجار، وما مناورة وقف التنسيق الامني “الشفوية” الا محاولة اخرى لامتصاص غضبه وتأجيل انفجاره، ومواصلة عملية تخديره، ولكن هذه المناورات لم تعد تنطلي على احد.
راي اليوم