د.سليم محمد الزعنون*
تنطلق في 19 مايو 2017 الانتخابات الرئاسية الإيرانية لاختيار الرئيس الثامن في تاريخ الجمهورية، وسط مجموعة من المرشحين موزعين على الإصلاحين والمحافظين، وبعد انسحاب “اسحاق جيهانغير” لصالح روحاني، وانسحاب “باقر قالبياف” لصالح ابراهيم رئيسي، تبقى المنافسة بين أربعة مرشحين، غير أنها أكثر تركيزاً بين روحاني ورئيسي، وتلعب مجموعة من العوامل دور رئيسي في تحديد هوية الرئيس القادم، أهمها البناء الهيكلي للنظام الإيراني، ودور السياسات والرؤى المستقبلية للدولة في تحديد الرئيس، وفي هذا الاطار نتناول محددات الفوز في الانتخابات، والسياسة الخارجية المحتملة في حال فوز أي من المرشحين.
أولاً: البناء الهيكلي للنظام الإيراني.
يعتبر النظام الإيراني نظاماً فريداً في تركيبته بخلاف النظم السياسية المتعارف عليها، فمؤسسات اتخاذ القرار متعددة المستويات.
المرشد الأعلى، ويأتي على رأس النظام السياسي، ويعتبر الرجل الأول في الدولة، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويحدد السياسات العامة للبلاد، وله الحق في أن يبطل أي قرار بما في ذلك قرارات رئيس الجمهورية.
السلطة التنفيذية، على رأسها رئيس الجمهورية وهو بذلك الرجل الثاني في البلاد سياسياً بعد المرشد، كما يشكل الحكومة ويترأسها بعد عرضها على البرلمان لمنحها الثقة، يرأس مجلس الأمن القومي الأعلى، والمجلس الأعلى للثورة ، وينظم العلاقة بين السلطات الثلاث.
السلطة التشريعية، تتكون السلطة التشريعية من مجلسين (البرلمان، ومجلس صيانة الدستور)، يتألف البرلمان من 290 عضوا ينتخبون بالاقتراع السري لمدة أربع سنوات يمنح الثقة لمجلس الوزراء وله الحق في حجب الثقة عنهم، ومخول بمسائلة الرئيس، وسن القوانين، ووالتصديق على فرض الاحكام العرفية.
السلطة القضائية.
إلى جانب ذلك هناك ثلاث مجالس لها القول الفصل في شئون البلاد وهي: مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور.
مجلس تشخيص مصلحة النظام؛ مدته 5 سنوات ويتكون من 31 عضواً، ويعتبر قيادات السلطات الثلاثة أعضاء بشكل تلقائي في المجلس، ويُمثل الهيئة الاستشارية العليا للدولة، يتم تشكيله بأمر من المرشد لتشخيص مصلحة الدولة في الحالات التي يرى فيها مجلس صيانة الدستور أن قرار البرلمان يخالف موازين الشريعة والدستور، ومهمته أن يحكم بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، وقراراته ملزمة للطرفين، إضافة تقديم النصح للمرشد في المشكلات المستعصية، ويختار في حالة موت المرشد، أو عجزه بقرار من مجلس الخبراء، عضوا من مجلس القيادة يتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد.
مجلس خبراء القيادة، يضم 88 عضوا من الفقهاء وينتخب أعضاؤه بالاقتراع المباشر لمدة 8 سنوات، يصدر تقريراً سرياً كل ستة أشهر، يتضمن تقويم لأداء المرشد وسياساته، وله الحق في حجب الثقة عن المرشد وعزله.
مجلس صيانة الدستور مدة عمله 6 سنوات، ويتكون من 12 عضواً معيناً 6 منهم من رجال الدين الفقهاء يعينهم المرشد بشكل مباشر، و6 من خبراء القانون الدستوري والمدني وهم من المدنيين وهؤلاء يعينهم رئيس السلطة القضائية، بعد حصولهم على ثقة البرلمان يمارس المجلس دور الرقابة والتصديق على كل القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، كما يراقب الانتخابات ويصدق على نتائجها، ورأيه حاسم في تحديد أهلية أي مترشح لها.
ويؤشر البناء الهيكلي للنظام إلى أن القرارات الاستراتيجية في الدولة خاصة التي تتعلق بالسياسة الخارجية، أو الدفاعية والأمنية بيد المرشد الأعلى، وأن المرشحين للبرلمان أو الرئاسة يجب أن يوافق عليهم مجلس صيانة الدستور، الذي هو في الحقيقة معين من قبل المرشد والقضاء، نظراً لذلك فإن جميع المرشحين هم جزء من النظام ويحملون أفكاره ورؤيته تجاه جميع القضايا الداخلية الخارجية، والاختلاف بينهم في الأدوات والوسائل لتحقيق الأهداف، ويعتبر ذلك عملية ديمقراطية مضلله، تهدف لإظهار ايران بالمظهر الديمقراطي الذي يحاكي الديمقراطية الغربية، ولكن السلطة الحقيقية تقع حصراً بيد شخص واحد هو المرشد الأعلى.
ثانياً: السياسات المستقبلية للدولة تحدد هوية الرئيس.
يضع (المرشد الأعلى) وليس (رئيس الدولة) السياسات والرؤي المستقبلية للدولة، وفي اطارها يتم تحديد هوية الرئيس القادم، من خلال عملية الفرز التي يقوم بها مجلس صيانة الدستور “المُعَين”، بحيث قام في هذه الانتخابات بتصفية المرشحين من (1636) إلى (6) مرشحين فقط، ثم يأتي دور الناخبين في حسم المنافسة بناءً على حجم المخاطر والتهديدات، فكلما ارتفعت حدة المخاطر يتوجه الناخب إلى المحافظين والعكس، وتؤشر التجربة التاريخية للانتخابات الإيرانية منذ عام 1979، أن الرئيس يأتي نتيجة اتساقه مع السياسات المستقبلية للدولة:
في هذا السياق تم اقالة أول رئيس ايراني “ابو الحسن بني صدر” في يونيو 1981 لاختلافه مع سياسات القيادة حول الرهائن الأمريكين، والحرب على العراق، وكانت الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي بحاجة إلى رئيس محافظ يتوافق مع سياسات ورؤى القيادة حول المخاطر، لذلك رشحت القوى الثورية في حينها على خامنئي.
وبعد انتهاء الحرب كانت إيران بحاجة لترتيب الوضع الداخلي واعادة الاعمار، لذلك كان توجه القيادة والناخبين نحو الإصلاحين، فتم دعم على أكبر هاشمي رفسنجاني، ومع الاستمرار في رؤية القيادة للاصلاح الداخلي والانفتاح على الغرب تم انتخاب محمد خاتمي، الذي اطلق مشروع حوار الحضارات للتقريب بين طهران والغرب، وانتفح على دول الإقليم منها السعودية.
وبعد الحرب العراق 2003 ومواجهة ايران خطر ضربة عسكرية امريكية أو اسرائيلية، ووجود القوات العربية على حدودها، كانت رؤية القيادة أن ايران بحاجة إلى رؤية متشددة قادة على مواجهة الغرب، فتم دعم المرشح المحافظ احمدي نجاد، وبعد أن انهكت العقوبات الاقتصادية ايران كان ميل القيادة والناخبين إلى التيار الإصلاحي الذي يستطيع الانفتاح على الغرب، والتفاوض حول الملف النووي، وإلغاء العقوبات الاقتصادية.
وتؤشر هذه التجربة إلى معكوس تجربة الدول، بحيث تحدد السياسات والرؤي المستقبلية للقيادة في إيران هوية الرئيس وليس الرئيس الذي يحدد السياسات للدولة.
ثالثاً: محددات الفوز في الانتخابات.
- السياسات والرؤى المستقبلية.
يبلور المرشد الأعلى بالتشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام السياسات والرؤى المستقبلية للدولة، بناء على المتغيرات الدولية والإقليمية، ووفقاً للتجربة التاريخية السابقة تحدد هذه السياسات والرؤى هوية الرئيس القادم، وفقاً لهذا المنظور فإن تحليل المتغيرات الدولية والاقليمية يعطي مؤشرات أولية عن السياسات المستقبلية المحتملة، وبناءَ عليها يعطي توقعات فوز الرئيس القادم.
على المستوى الدولي، يؤشر الخطاب السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة إلى تبني سياسة خارجية جديدة تجاه طهران، بحيث بدأ مجلس الأمن القومي الأمريكي بإجراء تقييم شامل للسياسة الامريكية المتبعة تجاهها، وزادت الولايات المتحدة من حدة الانتقادات العلنية لطهران سواء من الرئيس “ترامب” أو وزير الخارجية، بوصفها المسئولة عن حالة عدم الاستقرار الإقليمي، وأن الاتفاق النووي لم يحقق هدفه بجعل ايران غير نووية، كما ان الممارسة العملية لواشنطن تضع ايران تحت الضغط، من خلال فرض عقوبات على 30 رجل اعمال وشركات من الصين وكوريا الشمالية على علاقة بنقل تكنولوجيا صواريخ الى طهران، وفرض عقوبات على شقيق قاسم سليماني.
إلى جانب ذلك يشكل صعود اليمين المتطرف في أوروبا تغييرا ًفي الرؤي التكتيكية لطهران ربما يدفعها للمعاملة بالمثل، فتعمل علي الدفع برئيس من المحافظين؛ خاصة أن الاتفاقية النووية لم تحقق كثيراً من المكاسب الاقتصادية.
على المستوى الإقليمي، بدأت الولايات المتحدة باستعادة العمل باستراتيجية الركائز القائم على تعزيز العلاقة مع الحلفاء العرب، مقابل محاصر ايران، وتصريحات الأمير محمد بن سلمان المتشددة تجاه إيران، كما ان تقارب العلاقات التركية الروسية حول الأزمة السورية، كلها عوامل تمثل نقطة انطلاق للمحافظين للترويج لفشل السياسة الخارجية لحكومة روحاني.
- الوضع الاقتصاد.
يعتبر الاقتصاد من أهم نقاط الضعف بالنسبة لروحاني، وكان المرشد الأعلى وجه له انتقادات عديدة في هذا المضمار، بما يؤشر على دعم الرشد للمرشح ابراهيم رئيسي.
بعد توقيع الاتفاق النووي ارتفعت آمال الإيرانين حول امكانية تحسن الوضع الاقتصادي إلا أن الاقتصاد لا زال يعاني من العقوبات، حيث وصلت قيمة الأموال المجمدة إلي نحو 120 مليار دولار، ولا تزالت الشركات الأحنبية مترددة من الاستثمار في إيران، وعلي الرغم من انخفاض معدل التضخم الإيراني بنسبة 0.3% إلا أن نسبته لازالت مرتفعة 6.9%، ووصلت قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار الواحد إلي ما يقارب 4.1 ألف تومان، ولا يزال معدل البطالة مرتفعاً حيث وصلت نسبتها في إيران إلي 12%، وبالتالي يشكل الملف الاقتصادي في إيران يشكل أولوية لدي الناخبين.
- الحريات العامة.
يعتقد مؤيدي روحاني لم يفي بوعوده حول إعطاء مزيدٍ من الحريات وإطلاق سراح السجناء السياسيين وتحديداً مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، ولم يحدث اختراقاً في ملف الاصلاح السياسي، ولكن هذا الملفات من الصعب إحداث اختراق فيها لأنها مرتبط بهيكل النظام وتوزيع سلطاته، وتؤشر التجربة التاريخية أن الرئيس خاتمي لم يتمكن من التدخل لوقف قمع الانتفاضة الطلابية فى عام 1999، لذلك عادة فإن المرشحين يتوجهون للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في محاولة للابتعاد عن الوضع السياسي
وبالتالي فإن المتغيرات الدولية والإقليمية إلى جانب العوامل الداخلية تلعب دوراً في تحديد هوية الرئيس، وتشير جميعها إلى ترجيح حظوظ التيار المحافظ، ولكن تبقى الأمر رهن متغيرات الواقع وتوجه الناخب الإيراني، غير أن ذلك يحمل العديد من المخاطر أهمها عودة إيران إلى العزلة الدولية.
رابعاً: السياسة الخارجية.
وضع الأسس الرئيسية للسياسة الخارجية لإيران مرتبط بالمرشد الأعلى بمشاركة مجلس تشخيص مصلحة النظام، وفقاً لذلك فإن فوز أي من الطرفين لن يكون فاعلاً في صنع السياسة الخارجية، مع اختلاف الأدوات والوسائل في تنفيذها.
في حال فوز المحافظين، ارتفاع حدة التوترات بين مع الإدارة الأمريكية، وربما التوجه للاخلال في بنود الاتفاقية النووية مع الغرب، في المقابل تعزيز العلاقات مع روسيا، ويؤشر على ذلك لقاء الأسبوع الماضي في مدينة مشهد بين وفد روسي مكون من 60 شخصية مع المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي.
في حال فوز الاصلاحين، من المتوقع أن تستمر عملية المقايضة السياسية والاقتصادية، واستمرار التعامل البرغماتي مع الغرب، وانخفاض درجة الحدية في الخطاب السياسي، وارتفاع فرص التعاون، وفيما يتعلق بالاتفاقية النووية سيعم للحفاظ عليها، وأسوء الأحوال إذا سعى الغرب لالغائها سيعمل الاصلاحين على القبول بتعديلها بدلا من الغاء.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية