في 16 أيار/مايو، سيلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض لمناقشة مجموعة من القضايا المترابطة، بما فيها الحملة الأمريكية لتحرير مدينة الرقة السورية بمساعدة كردية والحملة التركية ضد «حزب العمال الكردستاني». فهل يمكن أن تتوصل واشنطن وأنقرة إلى تفاهم حول استعادة الرقة، العاصمة غير الرسمية لما يسمى بـ «الدولة الإسلامية»؟ يكمن الجواب في آراء تركيا المعقدة تجاه الفصائل الكردية المختلفة التي تحارب في سوريا والعراق، من بين مواضيع أخرى. وللمضي قدماً في المحادثات مع أردوغان والتوصل إلى اتفاق قابل للتطبيق، لا بد من أن تركز إدارة ترامب على الخطوات الأربع التالية:
الخطوة الأولى: الرقّة
في معرض استعدادها لحملة الرقة، أفادت بعض التقارير أن اختيار واشنطن قد وقع على الأكراد السوريين كحليفها الرئيسي على الأرض، وتحديداً «وحدات حماية الشعب» والجماعة المظلية الأوسع الخاضعة لها، وهي «قوات سوريا الديمقراطية». ويبدو أن «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية بشكل أساسي هي فصيل الثوار المحلي الوحيد القادر على نشر ما بين 10,000 و 12,000 جندي، وهو العدد الضروري لاستعادة الرقة من تنظيم «الدولة الإسلامية».
إلا أن أنقرة تعترض على هذا التحالف، حيث تقول أن «وحدات حماية الشعب» وذراعها السياسي «حزب الاتحاد الديمقراطي» على ارتباط وثيق بـ «حزب العمال الكردستاني»، المدرج من قبل الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية، وهي الجماعة التي شنت حرباً ضد الحكومة التركية منذ عقود. وقد تحوّل هذا النزاع القديم من جديد إلى أعمال عدائية ناشطة بعد انهيار وقف إطلاق النار الأخير في تموز/يوليو 2015. ومؤخراً، سعى الرئيس أردوغان إلى حشد أصوات لصالحه في استفتاء دستوري أتت نتائجه متقاربة الشهر الماضي، وذلك من خلال تعزيز صورته القومية، وبعبارة أخرى تشديد موقفه من القومية الكردية. وفي المستقبل، سيواصل أردوغان دون شك في تطبيق تلك الاستراتيجية بغية انتزاع ناخبين من «حزب الحركة القومية» وزيادة الدعم لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي انضم إليه في 2 أيار/مايو. وتجدر الإشارة إلى أن الاستفتاء حوّل تركيا من نظام سياسي برلماني يرأسه رئيس وزراء إلى نظام تنفيذي يرأسه رئيس حزبي، متيحاً لأردوغان إضفاء طابع رسمي على السلطة العظمى التي كان يمارسها بالفعل من الناحية العملية. ويأمل أردوغان اليوم في هزيمة «حزب العمال الكردستاني»، من أجل تمهيد الطريق لانتصار «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية عام 2019، والتي من شأنها أن تمنحه السلطة الفعلية على الهيئة التشريعية أيضاً.
وتُعتبر هذه الاعتبارات ذات أهمية كبرى لحسابات الرئيس ترامب المتعلقة بسوريا. فصحيح أن الولايات المتحدة يمكنها شن حملة على الرقة بواسطة «وحدات حماية الشعب» من دون مباركة تركية، إلا أن أنقرة قد تقرر لعب دور المفسد من خلال استهداف «وحدات حماية الشعب» عبر وكلائها العرب من الثوار في أماكن أخرى في شمال سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يعتزم الجيش الأمريكي على الأرجح استخدام القواعد التركية، بما فيها قاعدة إنجرليك، لتوفير الدعم الجوي واللوجستي والاستخباراتي الحاسم لـ «وحدات حماية الشعب». وبالتالي، إذا فقدت واشنطن إمكانية الوصول إلى تلك القواعد، ستضطر عندها إلى دراسة خيارات أخرى أكثر تعقيداً.
الخطوة الثانية: سنجار
يمكن أن يقنع ترامب أردوغان بالتوصل إلى اتفاق حول الرقة من خلال الموافقة على دعم حملة تركية محتملة ضد سنجار، وهي قاعدة ناشئة لـ «حزب العمال الكردستاني» تمتد على الحدود العراقية السورية. ولطالما استخدم «حزب العمال الكردستاني» منطقة قنديل الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية كقاعدته الرئيسية، إلا أنه يعمد مؤخراً إلى نقل القيادة والبنية التحتية إلى سنجار. ومن غير الواضح ما إذا كانت عملية النقل هذه مؤقتة أو دائمة، غير أنها ناتجة بوضوح عن الأحداث في سوريا. فسنجار أقرب بكثير إلى روجاڨا، وهي المنطقة التي أعلن الأكراد استقلالها الذاتي في شمال سوريا، الأمر الذي يتيح لـ «حزب العمال الكردستاني» خطوط اتصال ولوجستيات ممتازة مع الأراضي الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب». وفي حين أن القسم الأكبر من روجاڨا هو عبارة عن أراضٍ مسطحة، وبالتالي فهي عرضة للأعمال العسكرية التركية، إلّا أنّ منطقة سنجار الجبلية توفر لـ «حزب العمال الكردستاني» ميزة الأرض الوعرة الأكثر ملاءمة لتكتيكات الحرب غير النظامية التقليدية التي يخوضها.
ورغم ذلك، سبق أن أشارت أنقرة إلى أنها لن تسمح لـ «حزب العمال الكردستاني» بإقامة مقر ثابت له في سنجار. وكانت القوات التركية قد ضربت المنطقة بشكل أحادي في 25 نيسان/إبريل ويبدو أنها مستعدة لاتخاذ المزيد من الإجراءات إذا لزم الأمر. وفي المقابل، إذا ما أرادت أنقرة ضرب قوات «حزب العمال الكردستاني» في قنديل، سيتوجب عليها الحصول على مباركة إيران، وهو الأمر الذي يبدو غير مرجح نظراً لعلاقات طهران الوثيقة مع «حزب العمال الكردستاني». فضلاً عن ذلك، تدهورت العلاقات التركية الإيرانية نتيجة مواقفهما المتعارضة من الأحداث في سوريا المجاورة، إذ أن أنقرة تدعم المتمردين في سوريا والأكراد والعرب السنة في العراق، في حين تساند طهران نظام الأسد في سوريا والحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد.
ومن المرجح أيضاً أن ينفذ الأتراك عملية في سنجار نظراً للدعم القوي الذي يحصلون عليه من «الحزب الديمقراطي الكردستاني» العراقي الذي يهيمن على «حكومة إقليم كردستان» ويسيطر على المنطقة المحيطة بجبال سنجار. وكان «حزب العمال الكردستاني» قد بدأ بالانتقال إلى سنجار في عام 2014 للمساعدة على تحريرها من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأبقى الحزب على وجوده في تلك المنطقة من خلال وكيله «وحدات مقاومة سنجار»، المكونة من السكان الأكراد اليزيديين في المنطقة. وقد طلب «الحزب الديمقراطي الكردستاني» من «حزب العمال الكردستاني» الانسحاب من سنجار، مستشهداً بمثال كوباني في سوريا – حيث كان مقاتلو «الحزب الديمقراطي الكردستاني» قد دخلوا تلك المدينة في تشرين الأول/أكتوبر 2015 لمساعدة «وحدات حماية الشعب» على درء هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولكنهم غادروا على الفور بعد إكمال مهمتهم. ولدعم موقف «الحزب الديمقراطي الكردستاني» من سنجار، حدثت مناوشات بينه وبين قوات «وحدات مقاومة سنجار» هناك في آذار/مارس.
وخلال زيارته إلى البيض الأبيض، سيسعى أردوغان على الأرجح إلى الحصول على الدعم الأمريكي لعملية محتملة قد تنفذها تركيا و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» لإخراج «وحدات مقاومة سنجار» و«حزب العمال الكردستاني» من سنجار. وقد يعني ذلك التعهد بمساعدة أنقرة على تهدئة الاعتراضات العراقية على العمليات التركية في سنجار، وهي إحدى المناطق العديدة التي هي محل خلاف بين بغداد و «حكومة إقليم كردستان». وقد يقنع هذا التعهد أردوغان بأن لا يعارض بصورة نشطة حملة من قبل الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب» ضد الرقة (على الرغم من أنه، أو وكلائه، قد يستمروا على الأرجح في انتقاد الحملة علانية). وبصورة إجمالية، فإن زيادة المساعدات الأمريكية ضد «حزب العمال الكردستاني»، بما في ذلك في مجال الاستخبارات، ستُظهر لأردوغان أنه عقد اتفاقاً جيداً مع الرئيس ترامب.
الخطوة الثالثة: كولن
على مدى عقد تقريباً، كان أردوغان حليفاً مقرباً من فتح الله كولن، وهو رجل يسيطر على حركة دينية- سياسية قوية في تركيا وقد دعم جهود «حزب العدالة والتنمية» الرامية إلى تفكيك النظام السياسي العلماني في تركيا. كما ساعد أردوغان على تعزيز نفوذه – على سبيل المثال، قام قضاة وضباط شرطة موالين لكولن بسجن العديد من المعارضين السياسيين والصحفيين والشخصيات العسكرية العلمانية على مر السنين.
بيد، بعد أن تخلص الرجلان من السلطة السياسية المحلية التي كانت المؤسسة العسكرية تتمتع بها واستوليا على المحاكم العليا، نشأ بينهما صراع شرس على السلطة. فأردوغان يعتبر أن ضباطاً مؤيدين لكولن كانوا العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد عام 2016، ومنذ ذلك الحين ينظر الجانبان إلى بعضهما البعض كعدو رقم واحد. وعلى الرغم من أن أنقرة لم تقدم بعد أدلة للولايات المتحدة على أن كولن هو من أمر شخصياً بتنفيذ الانقلاب، سيتوجه أردوغان إلى واشنطن مع هذه النية في ذهنه، لاسيما نظراً لإقامة كولن المستمرة على الأراضي الأمريكية. ومن شأن إظهار التعاطف مع مخاوف أردوغان بشأن هذه القضية أن يساعد الرئيس ترامب على عقد اجتماع مثمر معه، قد يتضمن اتفاقاً محتملاً حول الرقة وسنجار.
الخطوة الرابعة: الديموغرافيا في تركيا
حتى إذا توصل القائدان إلى تفاهم حول الأعمال العسكرية في سوريا على المدى القريب، إلّا أنّ الاستقطاب الحاد في المجتمع التركي قد يمنع أردوغان من تحقيق وعوده بشأن أي اتفاقات ثنائية أوسع نطاقاً. فبعد مضي عقد ونصف من توليه السلطة، أصبح أردوغان القائد التركي الأكثر تحصيناً منذ مصطفى كمال أتاتورك، إلا أن نصف سكان البلاد ما زالوا يبغضونه. وقد منح الاستفتاء الدستوري في 16 نيسان/إبريل صلاحيات غير مسبوقة لأردوغان، غير أن عدم الإنصاف الذي شاب حملته الانتخابية ومخالفات التصويت الذي أتت نتائجه بفارق ضئيل جداً من الأصوات أثارت تساؤلات حول المدة التي سيقضيها في الحكم كرئيس كلّي القدرة يتمتع بسلطة مطلقة. وبغض النظر عن ذلك، قرر أردوغان المضي قدماً، ولن يؤدِ تجديد ولايته المعلنة ذاتياً سوى إلى تفاقم الاستقطاب في تركيا. وفي أفضل الأحوال، تدخل البلاد في حالة دائمة من الأزمات، مما يجعلها أقل من شريك مثالي بالنسبة للولايات المتحدة. لذلك، يجب على الرئيس ترامب أن يشجع أردوغان بشكل غير علني على الاعتراف بتنوع تركيا والسماح بحريات أوسع للتخفيف من حدة التوترات الاجتماعية.
سونر جاغايتاي
معهد واشنطن