طهران – منح الإيرانيون المتطلعون لحرية أكبر في الداخل وعزلة أقل في الخارج الرئيس حسن روحاني ولاية جديدة ليتفوق بذلك على رجال الدين المحافظين الذين لا تزال لهم الكلمة العليا.
ويقول باحثون إن الإيرانيين كانوا مخيرين بين أمرين كلاهما مر، غير أن برامج المتشددين أرهبت الناخبين الشباب ما دفعهم للتخندق في صفوف مرشح المعتدلين.
وراهن روحاني على إبراز تشدد الحملة المنافسة خاصة فيما يتعلق منها بالبرامج الموجهة للشباب والمرأة.
ورأى الباحث في الشؤون الدولية فؤاد أزادي من جامعة طهران “ليس جميع من صوتوا لروحاني اعتبروا أن سجله ممتاز، ولكن الغالبية رأت أن منافسه سيكون أسوأ”.
وقال علي فايز المحلل في الشأن الإيراني من مجموعة الأزمات الدولية إن “التصويت لصالح روحاني، تحديدا في المناطق الريفية، يظهر أن الإيرانيين لم يعودوا يؤمنون بالشعبوية الاقتصادية والتغيير الجذري”. وأضاف “لديهم النضج الكافي ليفهموا أن الحل لمآزق بلدهم يكون عبر إدارة الاقتصاد بكفاءة والاعتدال في العلاقات الدولية”.
وأعلن وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي السبت على التلفزيون الرسمي فوز روحاني بانتخابات الرئاسة بحصوله على 57 بالمئة من العدد الإجمالي للأصوات فيما حصل أبرز منافسيه القاضي المحافظ إبراهيم رئيسي على 38 المئة.
وأعلن روحاني في أول تصريحاته بعد الفوز بتحقيق وعوده الانتخابية بتوفير مناخ أكثر حرية وتحسين الاقتصاد. وكتب على حسابه على تويتر “إيران أمة عظيمة. أنتم الفائزون الحقيقيون بالانتخابات.. سأظل ملتزما بالعهود التي قطعتها”.
وعلى الرغم من أن سلطات الرئيس المنتخب محدودة بالمقارنة مع سلطات الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي فإن حجم فوز روحاني يعطي المعسكر الموالي للإصلاحيين تفويضا قويا لتحقيق نوع من التغيير أحبطه المحافظون لعقود.
الباحث فؤاد أزادي يقول (ليس جميع من صوتوا لروحاني اعتبروا أن سجله ممتاز، ولكن الغالبية رأت أن منافسه سيكون أسوأ)
ورئيسي أحد تلاميذ خامنئي وتشير إليه وسائل الإعلام الإيرانية على أنه خليفة محتمل للمرشد الأعلى البالغ من العمر 77 عاما والذي يتولى الزعامة منذ 1989. وتترك هزيمته المحافظين دون حامل لواء واضح.
ومن شأن فوز روحاني بفترة جديدة حماية الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران في ظل رئاسته مع القوى العالمية في 2015 وقضى برفع معظم العقوبات نظير أن تكبح برنامجها النووي.
كما يمثل الفوز انتكاسة للحرس الثوري الذي يملك إمبراطورية صناعية كبيرة والذي أيد رئيسي في الانتخابات لحماية مصالحه.
وقالت ناخبة مؤيدة للإصلاح تدعى ماهناز (37 عاما) “أنا سعيدة جدا لفوز روحاني. فزنا. لم نرضخ للضغوط. أظهرنا لهم أننا لا نزال موجودين… أريد من روحاني الوفاء بوعوده”.
لكن روحاني لا يزال يواجه نفس القيود التي منعته من إحداث تغيير اجتماعي كبير في إيران خلال فترة رئاسته الأولى وأحبطت كذلك جهود الإصلاح التي بذلها الرئيس الأسبق محمد خاتمي.
ويملك الزعيم الأعلى سلطة نقض كل السياسات والسيطرة التامة على أجهزة الأمن. ولم يتمكّن روحاني من الإفراج عن زعماء إصلاحيين موضوعين قيد الإقامة الجبرية بمنازلهم كما أن وسائل الإعلام ممنوعة من نشر كلمات خاتمي أو صوره.
وقال كريم سجادبور وهو الباحث بمؤسسة كارنيغي ومختص في الشؤون الإيرانية “كانت الانتخابات الرئاسية على مدى العقدين الأخيرين أياما قصيرة من النشوة تتبعها سنوات طويلة من الخيبة”. وأضاف “لا تزهر الديمقراطية في إيران إلا أياما معدودة كل أربع سنوات بينما الاستبداد في ربيع دائم”.
وسيتعين على روحاني إدارة علاقة شائكة مع واشنطن التي تبدو متشككة في الاتفاق النووي. ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق مرارا بأنه “أحد أسوأ الاتفاقات الموقعة على الإطلاق”.
وخاض روحاني الانتخابات كداعم قويّ للإصلاح وهو ما أثار طموح الشبان والناخبين من أبناء الحضر المتطلعين للتغيير. وتخطّى الرئيس في كلماته حدودا تقليدية حين هاجم علنا سجل حقوق الإنسان في أجهزة الأمن والقضاء.
وخلال إحدى خطبه الانتخابية أشار روحاني للمحافظين بوصفهم “هؤلاء الذين يقطعون الألسنة ويكمّمون الأفواه” كما اتهم رئيسي خلال مناظرة الأسبوع الماضي بالسعي “لاستغلال الدين من أجل السلطة”. وقوبلت هذه التصريحات بتوبيخ علني نادر من جانب خامنئي الذي وصفها بأنها “لا قيمة لها”.
وقال عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد إن الشراسة التي اتسمت بها الحملة الانتخابية قد تصعّب على روحاني الحصول على موافقة المحافظين على تنفيذ برنامجه.
وقال “رفع روحاني من السقف في اللغة التي استخدمها خلال الأيام العشرة الماضية. من الواضح أنه سيكون من الصعب التراجع عن بعض ما قال”.
وقال الخبير في الشؤون الإيرانية مئير جاودانفر إن الحرس الثوري قد يستخدم دوره كقوات تدخل في مناطق أخرى بالشرق الأوسط لمحاولة عرقلة أيّ تقارب مستقبلي مع الغرب.
وأضاف “منذ 1979، كلما خسر المتشددون معركة سياسية حاولوا الانتقام.. ما قد يقلقني هو انتهاج الحرس الثوري سياسات أكثر ميلا للمواجهة في الخليج.. وسياسات أكثر ميلا للمواجهة مع الولايات المتحدة والسعودية”.
وأشاد خامنئي بإقبال الناخبين على التصويت ووقوفهم في الصفوف لساعات طويلة للإدلاء بأصواتهم. ويبدو أن الإقبال الكبير جاء في صالح روحاني الذي قال مؤيدوه مرارا إن أكبر مخاوفهم هو عزوف الناخبين ذوي الميول الإصلاحية عن التصويت بسبب إحباطهم من بطء وتيرة التغيير.
الخبير في الشؤون الإيرانية مئير جاودانفر يقول إن الحرس الثوري قد يستخدم دوره كقوات تدخل في مناطق أخرى بالشرق الأوسط لمحاولة عرقلة أيّ تقارب مستقبلي مع الغرب
وكان ناخبون كثيرون عازمين على منع صعود رئيسي الذي كان واحدا من أربعة قضاة حكموا على الآلاف من المعتقلين السياسيين بالإعدام في ثمانينات القرن العشرين وهو حكم اعتبره الإصلاحيون رمزا للدولة البوليسية في عنفوانها.
وقال ناصر وهو صحافي يبلغ من العمر 52 عاما “حشد الجماعات المحافظة الواسع والاحتمالات الواقعية بفوز رئيسي جعلت كثيرين يخشون الذهاب للتصويت”.
وأضاف “تراهنت أنا وأصدقائي. قلت إن رئيسي سيفوز وأعتقد أن هذا الأمر شجع أصدقائي الذين ربما قرروا عدم التصويت على الذهاب للإدلاء بأصواتهم”.
وقال روحاني الجمعة بعد أن أدلى بصوته إن الانتخابات مهمة “لدور إيران في المستقبل بالمنطقة والعالم”.
واتهم رئيسي روحاني بإساءة إدارة الاقتصاد وذهب إلى مناطق فقيرة ونظم تجمعات انتخابية وعد خلالها بالمزيد من الوظائف ومزايا الرعاية الاجتماعية.
ورغم رفع العقوبات المرتبطة بالقضية النووية في 2016 لا تزال هناك عقوبات أميركية تستهدف سجل إيران في مجال حقوق الإنسان والإرهاب. ومنعت هذه العقوبات الكثير من الشركات من ضخ استثمارات في السوق الإيرانية مما حدّ من الفوائد الاقتصادية لرفع العقوبات حتى الآن.
العرب اللندنية